الضرائب المزدوجة على معابر غزة تُرهق تجارها وتفاقم معاناة أهلها
تاريخ النشر : 2019-09-29 15:33

يتواصل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة للعام الثالث عشر على التوالي، والانقسام الفلسطيني يختم عامه الثاني عشر، ما أدى لتردي الأوضاع الاقتصادية التي طالت كافة مناحي الحياة وزادت من أعباء نحو مليوني فلسطيني في القطاع دفعتهم للبحث عن طوق نجاة للخروج من النفق المظلم الذي آلت إليه ظروفهم المعيشية والحياتية.

ويتلقى موظفو غزة أنصاف رواتب بالكاد تغطي متطلبات حياتهم وسط ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجوع والعوز الاجتماعي، بينما تجار غزة ومستوردوها يكتوون بنار الانقسام بلا رحمة، بعضاً منهم انقلب حاله وأصبح ملاحقاً على «ذمم مالية» في محاكم القطاع ومراكزه الشرطية لديونه المتراكمة.

أوضاع مأساوية فرضها الواقع المرير على سكان القطاع، وظروف غامضة تكتنف مستقبلهم ولا بصيص أمل بانتظارهم، إلا أن حكومة السلطة الفلسطينية تواصل إجراءاتها العقابية على مواطني القطاع المنهكين، فيما لم تتركهم سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة بفرضها مزيد من الضرائب على الواردات التي تدخل عبر المعابر التجارية بين قطاع غزة ودولة الاحتلال ومصر، لتمويل رواتب أجهزتها الحكومية والأمنية.

وتدخل إلى قطاع غزة 400 شاحنة يومياً عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب القطاع محملّة بالمحروقات والمساعدات والسلع الأساسية والفواكه والأعلاف ومواد البناء، فيما يُصدر نحو 20 شاحنة محملة بالملابس والأسماك والخضروات إلى الضفة الفلسطينية وخارج فلسطين.

ونفى نائب مدير الجمارك والمكوس في وزارة المالية بقطاع غزة جمال الزيان، وجود أية ازدواجية ضريبية أو فرض أية ضرائب جديدة على الواردات، أو تحصيل أي مبلغ على العوائد الضريبية من معبر كرم أبو سالم، بل ما يجري هو تحصيل الفتات بتعلية ضريبية على بعض البضائع التي تستورد من الخارج بسعر زهيد جداً لخلق توازن بين التجار.

وفند الزيان تصريحات رئيس حكومة السلطة الفلسطينية محمد اشتية التي قال فيها، «حماس تجبي 70 مليون دولار شهرياً في غزة»، بالقول «غير صحيح، كل العائد الضريبي، السلطة تُحصله من الجانب الإسرائيلي عبر المقاصة، ونحن لا نُحصل إلا على الفتات من خلال التعلية الضريبية وهي حق لنا».

أوجه الجباية للواردات

وفرضت الإدارة العامة للجمارك والمكوس لسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة في 15 تموز (يوليو) الماضي، تعلية جمركية كاملة على كافة البضائع والسلع الواردة من الضفة الفلسطينية عبر معبر كرم أبو سالم بفاتورة ضريبية مثلما البيان الجمركي المفروض على البضائع المستوردة من الخارج.

وأوضحت مصادر مطلعة أن أوجه الجباية للبضائع المستوردة من الخارج على معبر كرم أبو سالم التجاري، تتم على ثلاث خطوات، أولاها تُحصل إسرائيل الضرائب في ميناء أسدود كجمارك وضريبة نقل وأرضية، والخطوة الثانية تُحصل حكومة السلطة الفلسطينية ضريبة المقاصة، وثالث الخطوات سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة بفرضها رسوم إذن الاستيراد عبر وزارة الاقتصاد وتعلية جمركية تُحصل عبر وزارة المالية في غزة.

وترى المصادر أن ازدواجية الضرائب في ظل ارتفاع نسب البطالة لـ52% واعتماد نحو 80% على المساعدات الإنسانية وانعدام الأمن الوظيفي، ستؤدي للمزيد من الأعباء على التجار، ومزيد من الركود الاقتصادي، والفقر والإفقار للمواطن في قطاع غزة.

وقال أحد التجار المختصين في سجاد الصلاة والمشغولات التراثية،«دائرة الجمارك والمكوس استغلت موسم الحج والعمرة هذا العام برفع سعر التعلية الجمركية على البضائع المستوردة من الضفة والمصنفة كهدايا مثل سجادة الصلاة بواقع 0.16 شيكل (دولار=3.50 شيكل إسرائيلي) للقطعة الواحدة، بحيث تصل على كل مشطاح (المشطاح يقدر طن وربع طن) ويحوي 1250 سجادة صلاة بما مجموعه 200 شيكل بدلاً من 100 شيكل سابقاً»،مضيفاً: «سعر سجادة الصلاة الواحدة كانت 4 شواكل، ومع الضريبة الجديدة ارتفعت سعرها من (5-6) شيكل».

ويتساءل أحد التجار «هل أصبحت مصانع الخليل ورام الله أجنبية، حتى تفرض على كل شاحنة 1500 شيكل تعلية جمركية تحت مسمى «حماية المنتج الوطني؟»». مستغرباً بالقول «حتى ملابس البالة (الفقراء) تفرض وزارة الاقتصاد رسوم إذن استيراد يصل لـ(50) دولاراً، و(1500 شيكل) على طن مياه الشعير كرسم إذن استيراد إلى جانب تعلية جمركية للمشطاح الواحد بـ(400 شيكلاً) والكونتينر يصل لنحو 30 ألف شيكل».

سياسة اقتصادية خاطئة

من جانبه، أكد حسني الشرافي مدير شركة الشرافي إخوان للنقل والتجارة العامة والتخليص الجمركي لـ«الحرية»، وجود تعليات ضريبية كبيرة على البضائع المستوردة عبر معبر كرم أبو سالم وليس فتاتاً كما يشاع، إلى جانب ازدواجية ضرائب بين السلطة الفلسطينية في رام الله وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.

وأوضح الشرافي أن وزارة المالية في قطاع غزة لا تفرق بين البضائع الواردة من خارج فلسطين أو من الضفة الفلسطينية، حيث تفرض تعلية على البضائع المستوردة من الضفة، وتعلية على البيان الجمركي رغم الضريبة المفروضة من السلطة الفلسطينية، والزيادة تؤثر على التاجر والمستهلك على السواء.

من جهته، أوضح المحلل الاقتصادي الدكتور مازن العجلة، أن سلطة الأمر الواقع تفرض ضرائب على كافة السلع المستوردة بما فيها السلع الأساسية، وتحمل الضريبة على المواطن. مفنداً تقرير وزارة المالية في غزة أنها لا تحصل ضرائب إلا على الفتات.

وأشار العجلة لـ«الحرية» إلى أن الكثير من التجار ليس لديهم قدرة على الاستيراد جراء ضعف القدرة الشرائية والتي زادت حدتها في العامين الأخيرين، ما أدى لتراجع معدل الأرباح عن الكثير من التجار، وخلق مشكلة الشيكات الراجعة، وهذا سيدفع نحو خروج عدد كبير من التجار والمستوردين من النشاط الاقتصادي جراء تعدد الجبايات.

وقال رأفت نعيم رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة وصناعة محافظة غزة، «يوجد نوعان من الضرائب التي تفرضها سلطة الأمر الواقع على السلع المستوردة عبر معبر كرم أبو سالم، إحداها رسوم إذن الاستيراد حسب نوع السلعة وهي ثابتة، والثانية هي تعلية جمركية وهي متغيرة وعشوائية». محملاً سلطة الأمر الواقع في غزة المسؤولية عن السياسة الاقتصادية الخاطئة لاستنزافها أرباح التجار ودفعهم لإغلاق شركاتهم وتسريح عمالهم وإعلان إفلاس عدد منهم».

وأضاف نعيم لـ«الحرية»: «أنه لا يوجد تاجر في قطاع غزة يستطيع كتابة فاتورة بسعرها الحقيقي، وهذا أسمه تهرب ضريبي يستفيد المستهلك منه، فيما أن رسوم إذن الاستيراد أرهقت التجار وأنهكت الاقتصاد الوطني».

وقال نعيم «كل صندوق (كرتونة) لأي تاجر يدخل غزة يفرض تعلية ضريبية عليه، حيث انخفضت عدد الشاحنات التي تدخل لتجار غزة لـ 150-180 شاحنة فقط يومياً جراء عدم قدرة التجار على تحمل الضرائب المرتفعة». منوهاً إلى أن التعلية الجمركية التي فرضتها السلطة الفلسطينية بعد تسلمها لمعبر كرم أبو سالم عام 2017 بلغت ما نسبته 50% من التعلية الجمركية الحالية.

خطة إنقاذ اقتصادية عاجلة

وبينت وزارة المالية في غزة، أن حجم التبادل التجاري بين مصر وقطاع غزة عبر بوابة صلاح الدين لا يتعدى 100 شاحنة خلال ثلاثة أيام أسبوعياً ، ولا يقارن بحجم الواردات عبر معبر كرم أبو سالم.

وقال نعيم، «سلطة الأمر الواقع لا تفصح عن عدد الشاحنات القادمة عبر البوابة المصرية». مستدركاً حديثه بالقول: «تفاجئنا أن وزارة المالية قررت فرض ضريبة على التصدير من قطاع غزة بنسبة 10%، وتدخلاتنا نجحت في وقف القرار».

ودعا نعيم سلطة الأمر الواقع للكشف عن التقارير المالية وإشراك القطاع الخاص والتجار في صنع واتخاذ القرار وفق خطط مدروسة لتنمية الاقتصاد الوطني بعيداً عن سياسة هدفها الجباية والضرائب فقط. مطالباً وزارة الاقتصاد بتجميد إذن الاستيراد والتوافق مع التجار على حماية المنتج المحلي بوقف استيراد السلع التي لها بديل وطني وبجودة عالية تضاهي المستورد.

ووصفت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في تقرير لها، الوضع في قطاع غزة بالكارثي، وأصبح غير صالح للعيش فيه. فيما دعا رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع غزة علي الحايك لوضع خطة إنقاذ اقتصادية عاجلة لإنهاء الوضع الإنساني المتأزم في القطاع، تقوم على البدء بشراكة حقيقية مابين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، لبلورة خطوات عملية لتحسين حياة المواطنين وإنقاذ الاقتصاد الذي وصلت مستويات الانهيار فيه لنسب لا يمكن تصورها.