في غزة: شباب يمتهنون المهن الشاقة بدولارين ونصف يوميا بدلا من التسول!
تاريخ النشر : 2019-09-27 00:00

غزة- نسرين موسى: يؤثر الانقسام الفلسطيني في قطاع غزة على الشباب حيث يجلس معظمهم في بيوتهم بلا عمل، رغم امتلاكهم للشهادات من التخصصات المختلفة.

ويضاعف استمرار الحصار الاسرائيلي كذلك المعاناة في ظل تراجع كبير في الأوضاع الاقتصادية وسط غياب حلول واقعية قادرة على تجاوز أزمات القطاع المتصاعدة.

كثيرون من الشباب اتجهوا للبحث عن عمل حتى لو كان شاقاً وبأي أجر كان، لأنهم حسب قولهم لا يريدون أن يكون مصيرهم التسول والسرقة.

العمل بالمهن الشاقة لم يقتصر على الشباب الذين لا يمتلكون العمل، بل طال موظفي السلطة الذين يعانون من الخصومات التي لا تتوقف من رواتبهم، ومعظمهم تكون من نصيب البنوك.

العشريني سميح الحسنات ينتظر المواسم من كل عام سواء المدرسية أو الأعياد أو صيد (الجلمبات) حتى يُحصِل القليل من مصروفاته الشخصية لأن والده لا يستطيع توفيرها من راتب الشؤون الاجتماعية.

يقول الحسنات من خانيونس لـ أمد: " في موسم المدارس أبحث عن العروض والتخفيضات وأشتري بعض القطع، ومن ثم أفترش رصيف أحد المحلات وأبيعها بأي ثمن يطلبه الزبون، حتى لو جلست ستة ساعات متتالية لا أعود إلا حين نفاذها".

يضيف الحسنات:" صحيح ما أحصل عليه قليل مقابل تعبي، لكن لا يوجد باليد حيلة وأفضل من مد يدي للمارة".

يتابع الحسنات:" الان موسم صيد الجلمبات، تأخذني قدمي إلى البحر من بعد الفجر، أنا ومجموعة من الشباب ونقوم بصيدها وبيعها والحصول على مبلغ يكفي سد القليل مما نحتاجه".

الحسنات والخريج من جامعة الأقصى قسم اللغة العربية يقول:" لأننا لا ننتمي لأي من الاحزاب لا نحصل على بطالة أو عقد عمل هنا وهناك، ونقضيها كالمشردين على أرصفة الطرق".

ولا يختلف الخمسيني سليم مطير عن الحسنات إلا في كونه يعمل موظفاً ضمن السلطة التابعة للرئيس محمود عباس وكما يقول: " تستطيعون ضمي إلى قائمة الشباب على قيد البطالة لأن راتبي لا يكفي أسرتي إلى عشرة الشهر ".

مطير من رفح يضيف لـ أمد:" عندي سبعة أبناء ومنهم ثلاثة في الجامعات، هل سيكفيهم نصف راتب نصفه يذهب كسداد إلى البنك ؟، ماذا أفعل غير البحث عن أي عمل يسد رمق عائلتي؟".

تبدأ مسيرة الموظف مطير من السادسة صباحاً حتى السابعة مساءً في نقل الحجارة وردم الحفر بالباطون مع أحد العمال وبعشرة شواكل كل يوم.

ويصف مطير عمله بالعبودية ويقول:" لأن العامل المعلم الذي أعمل عنده يعلم حاجتي للعمل يقوم باستعبادي أكثر من المقابل الذي يمنحني إياه، وطبيعي لا أتكلم لأن أبنائي ينتظرون تلبية متطلباتهم".

وحين سؤاله من تناشد حتى يساعدك للتغلب على ظروفك القاسية يقول مطير:" لا اناشد حكومة حماس ولا الرئيس عباس، ولكن أناشد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بالنظر إلى حالنا وإعادة مساعداتها التي قطعتها عنا بحجة اننا موظفين، لأننا الان متسولين وبحاجة لتلك المساعدات لا أكذب عليكم، فهل ستكون الوكالة أرحم منهم علينا؟".

وبعيداً عن مطير وفي جحر الديك وسط القطاع تستيقظ المواطنة (سعاد .ح)، والتي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها مبكراً قبل أي أحد في منطقتها،  وتجمع الحشائش المتناثرة ، والتي من الممكن أن تأكلها الماشية، وجبينها يتصبب عرقاً.

سعاد والبالغة من عمر الشقاء أكثر من عام تقول لـ أمد:" أصيب زوجي في قدمه أثناء مشاركته في مسيرات العودة وتم بترها بعد اسبوعين، ومن حينها لا نستطيع تدبير أمور أطفالنا".

المواطنة سعاد والتي تصادفها في سوق البريج يوم الخميس تخفي ملامح وجهها، وبعد رفض مشدد منها الحديث تقول:" الحال لا يحتاج إلى كلام، وفي هذه البلد نضحي بأرواحنا والمقابل رصيف أبيع عليه هذه الحشائش حتى لا أتسول".

تضيف السيدة سعاد:" نحصل على مساعدة من هنا وهناك لكنها لا تكفي احتياجات أسرتي، بعد أن أصبح زوجي لا يستطيع الحركة الان، وكثيراً أناشد أوجه الخير لمساعدتنا، لكن للأسف فجميعنا نشتكي من صعوبة الوضع".

وتختم السيدة سعاد:" أضحك عليكم لو قلت أن شيئاً من هذه الحشائش تباع رغم جهدي في جمعها، ولكن هناك من يشفق على منظري ويمنحني القليل ".

ويجد الخريج أحمد أبو موسى من خانيونس في مناداته كل صباح على المواطنين الذين يرغبون في بيع الثلاجات والغسالات القديمة ما يفي حاجة مصروف يومه.

يقول الشاب أبو موسى:" أنا خريج قسم الرياضيات من جامعة الاقصى ولم أحصل على أي عمل ومن حينها وأنا أعمل هنا وهناك وبأي عمل".

أبو موسى يتابع حديثه لـ أمد: "أقوم بتقطيع الغسالات والثلاجات إلى قطع وأبيعها بأي بلغ يطلبه المشتري".

ويصف أبو موسى مهنته بالشاقة ويقول:" صحيح أنها شاقة جداً لكن حين أحصل على مبلغ ولو بسيط اقول أفضل من مد يدي للغير".

ويتمنى الشاب أبو موسى من المسؤولين من توزيع المساعدات المالية التي تأتي إلى القطاع أو فرص العمل دون نظام الواسطة والمحسوبية حتى يتمكن الجميع من أخذ لفرصة وليس إلى سين من الناس كما يقول".

وكان ديوان الموظفين العام بقطاع غزة، أعلن عن ألف وظيفة حكومية جديدة، وإجراءات تثبيت مئات العقود في الوزارات والمؤسسات الحكومية.

وحسب رئيس الديوان العام للموظفين يوسف الكيالي، إن تعيينات عام 2019 بلغت (1000) وظيفة حكومية جديدة، وتثبيت عقود 951 متعاقدًا يعملون في تخصصات مختلفة بالوزارات الحكومية، غالبيتها بالتعليم والصحة.

وأكد الكيالي أنه سيتم العمل على تحقيق حالة وظيفية تتيح للشباب الفلسطيني فرصة الالتحاق بالعمل الحكومي، والانضمام إلى مؤسساته المختلفة، عبر مسابقات واختبارات تعتمد بشكل كامل معايير النزاهة والشفافية، وفقاً لشهادة كافة المتابعين.

وتقضي الأربعينية "حنان .م" صباحها في تقليم الخضراوات وطهيها للسيدات الموظفات  في منطقتها ، وتحصل على مقابل مادي يساعدها في شراء وجبة الغذاء لأطفالها.

تقول حنان لـ أمد:" لأن زوجي رفض ذهابي إلى بيوتهن فكرت بهذه الطريقة التي تعيلني وأنا مستترة في بيتي، وتكون معاملتهن لي بقمة الذوق".

تتابع السيدة حنان: " في المقابل يبحث زوجي عن عمل في الاراضي الزراعية وخاصة في مواسم الزراعة بالحمامات حيث يقوم بقطف المحصولات بمقابل مادي يساهم في إعالتنا".

حنان كغيرها من المواطنين في قطاع غزة تشتكي من الوضع الاقتصادي المدمر والحزبية في توفير فرص العمل تطالب بالنظر بعين الرأفة ومراعاة الناس عند توزيع المساعدات، بعد ارتفاع معدلات الفقر حيث أخذت في التصاعد.

وكان النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار شدد في بيان له على أن ٨٥ ٪ من سكان غزة يعيشوا تحت خط الفقر وأوضاعهم الاقتصادية والمعيشية مأساوية، وناشد المؤسسات الإغاثية العربية والدولية لتوجيه دعم عاجل لإغاثة الأسر المعوزة للتغلب على مصاعب الحياة التي يعيشوها نتيجة استمرار الحصار وتردي الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.