"أمد" يفتح ملف "مبتوري الأطراف".. معاناة وروايات تحكى لأول مرة! 
تاريخ النشر : 2019-09-26 18:30

غزة- صافيناز اللوح: ضاقت بهم السبل واسودت الحياة في وجوههم فذهبوا إلى الموت بأقدامهم زحفاً، هاربين من الوضع الاقتصادي السيء وسوء الحال، علّهم يجدون في هدر أعضاءهم تحقيقاً لأمنياتهم وأحلامهم المستقبلية، فانتقلوا من الأشخاص الأسوياء إلى العاجزين عن الحركة والمتشبثين بأطرافٍ صناعية تحاول إعادتهم إلى طبيعتهم، كالعصفور الحائر الذي فقد عشه بفصل الشتاء نتيجة الرياح الشديدة والعواصف التي اجتاحت تلك المنطقة.

حياة مريرة عاشها المصابين في قطاع غزة، ولا سيما مصابي مسيرات كسر الحصار التي بدأت قبل عام ونصف تقريباً على الحدود الشرقية، فتبدلت أحوالهم من الأسوأ الذي حاولوا الخروج منه إلى أسوأ الأسوأ في ظل التنافر والحياة الاجتماعية التي انقلب عليهم رأساً على عقب.

حتى حقهم في الزواج، حرم منه غالبية المصابين وخاصة مصابي "البتر"، فالفتاة وذويها بشكلٍ عام في غزة، يرفضوا زواج بناتهم من أشخاص فقدوا أطرافهم بفعل رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بمسيرات كسر الحصار، قرب السياج الفاصل.

روايات حية
"أحمد" 22 عاماً، هو أحد مصابي مسيرات كسر الحصار، أصيب بتاريخ 5/10/2018م، بطلق نار متفجر أدى إلى بتر إحدى قدميه.
تبدلت حياة "أحمد" بشكلٍ متدحرج لأسوأ حالاتها نتيجة الإصابة التي أضرت به حركياً قبل نفسياً وجسدياً، ولا سيما قضية ارتباطه بفتاة لاستكمال شقه الآخر من حياته بتكوين أسرة يحاول من خلالها، الابتعاد عن التفكير بفقدان أحد أطرافه.
قال "أحمد" في حديثه مع "أمد للإعلام"، إنّه تقدم للزواج عدة مرات، وتم رفضه من قبل الأهالي نتيجة فقدانه لأحد أطرافه السفلية برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف، أنّ "الفتاة هذا أمر يخص الفتاة نفسها وأهلها ويعود لهم، مرسلاً رسالته "من لديه عقل لا يرفضنا فنحن بشر مثلنا مثل غيرنا، ولكننا قدمنا أعضاءنا فداءً للوطن، وهذا شرف لنا".
أمّا الجريح "عبد الله جمال نصر" 30 عاماً، أصيب برصاص قوات الاحتلال شرق رفح بتاريخ 14/5/2018 و10/8/2018، برصاص متفجر في اليد والبطن.

وفي مقابلة مع "أمد للإعلام"، أكد  نصر: أنّ حياته تراجعت للوراء، كنت أعمل في صيانة الجوالات، وبعد الإصابة رفض صاحب العمل أن أكمل عملي والآن أنا عاكل عن العمل، أنتظر مساعدة مالية من هنا وهناك
وفيما يخص بالزواج، قال: إنني تقدمت لفتاة أحببتها منذ 4 أعوام ورفضت عائلتها لأنني مصاب، وبدلوا نظرتهم بالنسبة لي، ورفضوني بشكل كامل، مشيراً "أشعر بيأس كبير بعد رفض عائلة الفتاة التي أريدها، ولا أريد الزواج بعدها".

وأرسل رسالته للأهالي بغزة قائلاً: إنّ الجريح أصيب بشرف من الاحتلال الإسرائيلي، وليس بأمر سيئ ليتم رفضه من قبلهم، فهو انسان من لحم ودم، وممكن عندما تحتويه وتوافق على زواجه من ابنتك تكتمل الحياة ويد على يد نخرج من دائرة اليأس للجرحى

وتابع، برسالته للفتيات "عندما يتقدم لكي مصاب فهو لديه إرادة أقوى من الجميع، ونحن أصبنا برصاص الاحتلال، ومتوقع من الجميع أن يقع بهذا الامر، في أي حرب ممكن أن يحدث صاروخ ونصاب جميعنا".

وفي السياق ذاته، أوضح المصاب على جهاد محمد الطويل 30 عاماً، أصيب بتاريخ 7/12/2018، مرتين برصاص قوات الاحتلال، والأخيرة كانت في اليد اليسرى قرب بوابة أبو قطرون شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، مؤكداً: "يدي والبتر واحد هناك، قطع في العصب والكف".

وأكد: أنّ "حياتي قبل الإصابة كانت أفضل ولكن بعد الإصابة أصبحت الدنيا سوداء في وجهي، نفسيتي تدمرت، لا أستطيع أحمل شيء لأن اصابتي في يدي اليمين، كنت أشتغل قبل الإصابة في شركة وعندما أصبت انقطع عملي نتيجة الإصابة

وحول الزواج بفتاة لبناء حياة جديدة، شدد، "لم أتقدم ولكنني على الوضع الذي أنا فيه "سيتم رفضي بكل تأكيد"، الشاب وهو سليم الفتاة تتكبر عليه، فكيف لو كان لديه جزء من أعضاءه مشوه"، سأستمر في التقدم حتى الحصول على فتاة تقبل الزواج بي.

الشاب نادر أبو منديل 26 عاماً، مصاب بتاريخ 15/5/2018، بمفصل اليد شرق مخيم البريج، أحب فتاة لمدة 3 أعوام ونصف، وعندما أصيب في مسيرات العودة بدأت المشاكل بيني وبينها وطلبت مني عدم الخروج والمشاركة في المسيرات

وأضاف: "تقدمت لها رسمياً ورفض أهلها إعطاءها لي، وهذا شيء مؤسف ، نحن جرى قدمنا روحنا للوطن ونحن تحت احتلال".

الفتيات بين الرفض والقبول

حبيبة محمود السكافي، 23 عاماً، حكيمة ومسعفة متطوعة على الحدود الشرقية بمنطقة ابو صفية، وهي فتاة مخطوبة لشاب سليم، لكنها لا تعارض أن تتزوج الفتاة من شاب مصاب أو مبتور إحدى أطرافه، مؤكدة لـ"أمد": "عملت في الميدان وشفت كتير وكمان انا عانيت وكنت مصابة الحمد لله بسيطة، بس هالشباب يلي انبتر منهم طرف من اطرافهم  ما ذهبوا سهوا أو لعبا، بل بسبب جهات متعددة ".
وأضافت "السكافي"، أول دافع لهؤلاء الشباب، هو حب الوطن يلي مزروع بكل شخص وكل مواطن في قطاع غزة سواء كبير او صغير وهاد فطرة، والثانية هي الكبت والوضع يلي بيعيشوه الشباب في قطاع غزة حدث ولا حرج ما حنحكي كتير لانه كثير نحكى فيه ".
وحول الشباب التي بترت أعضاءهم برصاص قوات الاحتلال أكدت: "هؤلاء الشباب تحملوا وجع البتر، وتحملوا فقد طرف كان يعمل فيه أغلب اعماله اليوميةـ فبالتأكيد سيخاف الله  في الفتاة التي سيتزوجها، وستكون له سند وعون".

وأوضحت: "ما حيغلبها معو بالعكس لو هي غلبته سيتحملها لانه تحمل وجع اكبر من هيك، فبالتالي اكيد لو اني لست مخطوبة وتقدم لي شاب مبتور باي طرف حتى لو كل الأطراف فأنا اتقبل وبشدة مؤيدة لهذه  الفكرة "، ناصحةً الفتيات: لو تقدم لها شخص من هذه الفئة انها تقبل".

ونوّهت: "نظرتي لهذه الفئة من الشباب نظرة احترام وتقدير واني لأرفع القبعات احتراما لهم ولما قدموه للوطن، هم قدموا ارواحهم للوطن فأكيد انهم يقدموا شيئاً ليغيروا، والتغيير بأيديهم".
في رأي مختلف عن بقية الفتيات التي قابلنهن، الفتاة ايمان فايز اللوح 20 عاماً، رفضت رفضاً تاماً الزواج بشاب مبتور الأطراف أو مصاب، قائلة: "هؤلاء الشباب لم يعودوا للوطن بشئ، فهو سار مع مؤامرات سخيفة عشان نصير جيل مبتور الاقدام وتطبق صفقه القرن وما يضل حد يجاهد"- على حد قولها

وأكملت "اللوح" حديثها:  "المصاب عندما ذهب وأصيب، مين سأل عنه ودور عليه المسئول ابنه لو تصاوب بطلع برا و بتعالج برجع احسن من قبل لكن هو لا هيضل لما رجله تخرب و تروح لهيك ليش من الاول راح يلي فيه مخ ما راح وعرف الحجر مش هيرجع القدس".

وتابعت: "حجر مقابل قناصة  ليس عدلاَ، الله قال " لا ترموا ب انفسكم الى التهلكة"، هم مغيبين عقليا تحت شعار الوطن، فالوطن ليس بحجر مقابل قناصة بتمنى نوقف هالشي لانه كتير خسرنا شباب صغار العمر وقف قدامهم اذا كان بحب المشي تعوق اذا كان بحب لسباحه بطل يعرف"، وأنا أرفض الزواج بأي منهم".

ياسمين الناعوق 25 وهي صحفية ملازمة بمسيرات كسر الحصار، قال: إنّها توافق من الزواج بتلك الفئة التي قدمت للوطن ويجب أن نحتضنهم، لأنهم هم من فقدوا اطرافهم من أجل ان نسير نحن، ونكمل معهم الدرب، والمبتور هو إنسان مثلنا".

وأشارت، إلى أنّه "في بلدنا كل منا متوقع ان يفقد قدميه او عينيه او يصاب إصابة عميقة، فالأجدر بنا ان نكون الدرع الحامي لهم لنكمل المشوار سوياً".

أمّا الفتاة نائلة  مصطفى زعرب 23 عاماً، وهي خطيبة شاب مبتور القدم، أكدت أنّها مبسوطة جداً بارتباطها بالشاب المصاب ببتر في القدم اليمنى وهو جمعة رمضان النجار. مشيرةً إلى أنّها لن تتخلى عنه وستبقى سنداً له طوال العمر.