أجندات متضاربة
تاريخ النشر : 2019-09-25 23:55

بالأمس القريب؛ الثلاثاء الموافق 24 سبتمبر/أيلول 2019، وفي القاعة الاحتفالية الكبرى للأمم المتحدة دق البروفيسور تيجاني محمد باندي مطرقته معلناً افتتاح مداولات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للمنظمة الدولية.
والبروفيسور تيجاني هو دبلوماسي نيجيري مخضرم وخبير في العلوم السياسية والإدارية، وقد جرى اختياره بالتزكية رئيساً للجمعية العامة خلفاً للسيدة/ ماريا فرناندا اسبينوزا غارسيس رئيسة الدورة السابقة.
وبالطبع كان أول المتحدثين في القاعة الشهيرة الأمين العام للمنظمة الدولية السيد/ أنطونيو غوتيريش والذي تحدث بلسان شعوب العالم مختصراً ذلك في جملة واحدة تستحق النظر والتدقيق؛ حيث قال: " إن الناس مازالوا يؤمنون بالأمم المتحدة "، ثُم تساءل إن كانوا ما زالوا "يؤمنون بنا!"، وأضاف: "هل يؤمنون بأن القادة سيضعون الناس في المقام الأول؟ نحن، القادة، يجب أن نعمل من أجلنا "نحن الشعوب".
وللتذكير بأن عبارة " نحن الشعوب " قد وردت في صدر ديباجـة " ميثاق الأمم المتحدة " الذي وُقع في 26 حزيران/يونية 1945 في سان فرانسيسكو، والتي نصت: ـ
" نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا
• أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف،
• وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،
• وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي،
• وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح ".
قبل سبعة عقود كانت هذه المقاصد التي قامت من أجلها الأمم المتحدة، ولكن السؤال اليوم هل لا زال الضمير العالمي يسعى إلى العمل وفقاً لهذه المقاصد؟
ربما تكون الإجابة متوافقة مع هذه المقاصد بالنسبة للعديد من الدول المنضوية تحت عضوية المنظمة الدولية، ولكن هل ينطبق الأمر على موقف الإدارة الأمريكية الحالية؟
لعل الأمر بالنسبة للمراقبين والباحثين في الشؤون الدولية واضح من أن هناك " أجندات متعارضة " بين الأمم المتحدة وبين الدولة "صاحبة المقر"، ويزداد وضوحاً مع الأيام، ولعل الدورة الحالية للجمعية العامة تشهد على أحدث شواهده!
فقد تجسد ذلك في حديث الرئيس "ترامب" أمس أمام الجمعية العامة؛ محدداً بأن "مصلحة الولايات المتحدة" هي المقصد الأول، مبيناً دون اعتبار لبنود "ميثاق الأمم المتحدة" من "العدو" ومن "الصديق" الذي يحترم "القيم الأمريكية"، مهاجماً "منظمة التجارة الدولية" التي أتاحت للصين أن تُحقق هذا المستوى من الانفتاح الاقتصادي!
رافضاً الحديث حول ظاهرة "الاحتباس الحراري" و "التغير المناخي"، بل ويسخر مما طرحته الطفلة السويدية "غريتا تونبرغ" في هذا الشأن؛ ومعلناً أنه لن يوقع "الاتفاقية الجديدة للحد من التسلح"!
ذلك لأن المستقبل كما يرى السيد "ترامب" "لا ينتمي إلى المنادين بالعولمة، بل ينتمي إلى الوطنيين".
ومظهر أخر من مظاهر "تضارب الأجندات" هو قيام "ترامب" بترأس قمة في مقر الأمم المتحدة حول ما أسماه "حماية الحرية الدينية"، فقد اتخذت إدارته عدة تدابير خلال العامين الماضيين لتعزيز آليات منع "الاضطهاد الديني" في دور العبادة، وهو ما يمكن مشاركته ضمن ـ هذا الحدث الكبير ـ كما وصفوه!
الحرية الدينية؛ لدى الإدارة الأمريكية الحالية التي بدأت في إشعال خيوط "حرب دينية" في القدس، بالاعتراف المزيف "أنها عاصمة للاحتلال"؛ وأن الاستيطان في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة "شرعي"، وأن "قرارات الأمم المتحدة ليست صالحة لحل النزاع، وأنه "لا يحق لأحد انتقاد "تل أبيب"، لا في المنظمات الدولية "المنحازة" ولا أمام المحاكم الدولية "التي يمنع قضاتها من دخول أراضي الولايات المتحدة".
ولن يكون تمويل لمنظمة تقوم بمهام إنسانية مثل " الأونروا " فهي تزعج "الحس الإنساني" لدى "ترامب"!
تُرى؛ هل هذا المشهد من " الأجندات المتضاربة " يُعبر بأن المنظمة الدولية قد شاخت بعد سبعة عقود، وأنها لم تعد قادرة على إرضاء "نزوات" صاحب المقر؟!
وهل يمكن للعالم المتحضر في القرن الحادي والعشرين في التخلي عن دورها في فرض النظام والسلم الدوليين؟!
وهل تدرك الإدارة الحالية ورئيسها فحوى رسالة الرئيس "ترومان" في يوم التصديق على ميثاق الأمم المتحدة حين قال: "إن ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعتموه للتو هو أساس صلب نبني عليه عالماً أفضل. وسيحمدها لكم التاريخ"، فهل يوافق "ترامب" على ذلك؟!
ولعل السؤال الأخير هنا؛ من سيصمد إلى العام القادم؛ "ترامب" الذي قد يواجه التحقيق في "الكونغرس" بتهم تمس أهليته للحكم، أمام الأمم المتحدة " العجوز التي تحتفل بعيدها الخامس والسبعين"، ورغم ذلك لا يمكن الاستغناء عنها؟!
إن غداً لناظره قريب!