انتخابات الكنيست الـ22 – ايلول 2019م .. توقعات واحتمالات
تاريخ النشر : 2019-09-17 00:08

مقدمة :
بعد نحو شهرين من إجراء انتخابات عامة في 9 نيسان/ أبريل 2019، قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، حل الكنسيت، والدعوة إلى انتخابات جديدة في أيلول/ سبتمبر 2019، بعد أن فشل، خلافًا لكل التوقعات، في تشكيل حكومة ائتلافية من معسكر اليمين الذي حصل على 65 مقعدًا من مجموع مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، وذلك بسبب التناقضات داخل هذا المعسكر، بعد أن وصلت المفاوضات بين نتنياهو وليبرمان إلى طريق مسدود بسبب “قانون التجنيد” الذي لا يستثني الشبان اليهود الحريديم من الخدمة الإلزامية في الجيش. ولم تؤدِّ القضية الفلسطينية، وأي من قضايا السياسة الخارجية، أو حتى الخلافات في السياسات الاقتصادية، دورًا في أزمة تشكيل الحكومة؛ إذ تمحورت حول موضوعين: العلاقة بين الأحزاب الدينية والعلمانية، ومحاكمات نتنياهو في قضايا الفساد.

وتخوض انتخابات الكنيست الـ22 القادمة 31 قائمة ، أقل بـ16 قائمة في الانتخابات السابقة ، حيث سجلت 47 قائمة، ويعود هذا التراجع الى إعادة الانتخابات بعد خمسة أشهر من انتخابات نيسان، وعدم قدرة قوائم منافسة صغيرة، على تمويل حملة ثانية خلال بضعة أشهر، مع معرفتها المسبقة بعدم اجتيازها نسبة الحسم. كذلك فإن عدد الكتل المرشحة للفوز بمقاعد برلمانية، سيهبط إلى 9 كتل، بدلا من 11 كتلة في انتخابات نيسان، بفعل التحالفات الجديدة.
وسنحاول من خلال تقدير الموقف التالي استعراض الخريطة الحزبية في اسرائيل عشية الانتخابات وتقديم صورة واضحة عن الموقف داخل الاحزاب وبرامجها السياسية وتحالفاتها ونتائجها المتوقعة في الانتخابات. وسنقدم عرضا للعوامل المؤثرة في تحديد نتائج لانتخاباتالكنيست ، وصولا الى استطلاع نهائي لاحتمالات تركيبة الكنيست الـ22.

وسنقوم باستعراض البرامج السياسية للاحزاب الاسرائيلية ، ما يساعدنا على قراءة التوجهات السياسية المرتقبة للكنيست الاسرائيلي وخاصة فيما يتعلق بالقضة الفلسطينية. كما سنقدم صورة استقرائية عن احتمالات تركيبة الائتلاف الحكومي القادم في ظل استمرار تعقيدات المشهد السياسي الاسرائيلي.

لا تزال الخريطة الحزبية الانتخابية في إسرائيل غير واضحة المعالم بالرغم من تكريس معسكري يمين فعليين، الأول يشمل الليكود ، شاس ويهدوت هتوراة وتحالف أحزاب اليمين الديني الصهيوني، فيما اندمج حزب كولانو بقيادة موشيه كاحلون داخل الليكود. أما المعسكر اليميني الثاني فيتكون من تحالف ازرق ابيض، وانضم إلى هذا المعسكر المناهض لنتنياهو، حزب يسرائيل بيتينو بقيادة أفيغدور ليبرمان. وفي الجهة الاخرى يوجد حزبان يساريان صهيونيان، حزب العمل وحزب ميرتس ، وانضم إليهما حزب اسرائيل الديمقراطية بقيادة إيهود براك. وأخيراً توجد الأحزاب العربية” . ويبدو السعي لتشكيل كتلتين كبيرتين، السمة الأبرز للمعركة الانتخابية الحالية، ومن شأنها أن تزيد من نفور الناخب الإسرائيلي.

بالرغم من أن هناك من يحاول تقسيم الخريطة الإسرائيلية إلى يمين يمثله نتنياهو وائتلافه الحاكم، ومعسكر المعارضة الذي يطلق عليه خطأ، اسم معسكر الوسط واليسار، وهي تسمية لم تعد ممكنة كلياً بفعل إصرار الجنرال غانتس من جهة والرجل الثاني في تحالفه موشيه يعالون على أن تحالف “ازرق ابيض” هو حزب يمين وسط، وأيضاً بفعل انضمام ليبرمان، ولو تصريحاً إلى المعسكر المناهض لمعسكر نتنياهو.

فشل توحيد كافة أحزاب المستوطنين في قائمة واحدة، سيقود لحرق عشرات آلاف الأصوات وهذا ما سيقلق نتنياهو الذي يسعى إلى تحقيق أغلبية 61 مقعدا ، من دون حزب ليبرمان.  
الاصطفاف بين القائمتين، المحسوبتين على “اليسار الصهيوني”، خلق طابع الانشقاق الطائفي اليهودي، فالقائمة الاولى تضم: تحالف حزب العمل وجيشر بقيادة اليهود الشرقيين عمير بيرتس، أورلي ليفي وايتسيك شمولي. في حين أن القائمة الثانية اسرائيل الديمقراطية – ميرتس تضم قيادات من أصول يهودية غربية ، وتتوقع التقديرات هذا الاصطفاف سيلعب دورا في الانتخابات المقبلة.

*الملف الفلسطيني :

صعّد نتنياهو حملة الترويج لسياسة ضم المستوطنات الاحتلالية، وتعهد بعدم إجلاء أي مستوطن وعدم إخلاء أي مستوطنة في الضفة الغربية، ونجح في أن يفرض أجندته السياسية- الأمنية المتعلقة بالضم على تحالف “ازرق أبيض” الذي يطرح نفسه كبديل له. واصبحت البرامج اليمينية الاستيطانية مركز الثقل في البرامج الانتخابية للاحزاب الاسرائيلية، مدعومة من قطاع عريض من الجمهور الإسرائيلي.

تسعى الادارة الاميركية الى دعم بنيامين نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية القادمة ، لان الرئيس ترامب معني ، باستمرار نتنياهو في الحكم ، مقابل تنفيذ الاجندة الامريكية في المنطقة والمتمثلة الضغط على ايران  وتصطدم الولايات المتحدة التي تريد أن تستخدم إسرائيل شرطياً له مهمات في حماية بعض الأنظمة وفي مواجهة النفوذ الإيراني، أن إسرائيل لا ترغب في مواجهة النظام الإيراني منفردة، بل تسعى إلى إقحام الولايات المتحدة وأنظمة عربية أخرى في هذه المواجهة. سوف يكون الرئيس ترامب الخاسر الاكبر في حال غياب نتنياهو ،لان ترامب يراهن على نجاحه في الانتخابات الامريكية القادمة .

توقعات مستقبلية :

 نتائج الاستطلاعات لا تزال ثابتة دون تحولات كبيرة ، وتتراوح بين فروق طفيفة في نتائج كل حزب ولا تتعدى المقعد او المقعدين. والمعركة الأساسية تدور حول العدد الإجمالي من المقاعد التي من المتوقع ان يحصل عليها كل من التحالفين الكبيرين الأول “اليمين” ويضم : الليكود ، يمينا ، يهدوت هتوارة ، شاس. والثاني معسكر يمين الوسط واليسار ويضم: تحالف ازرق ابيض، تحالف “العمل – غيشر” ، تحالف المعسكر الديمقراطي. ويبقى خارج التحالفين حزب “يسرائيل بيتينو”.

تتعزز فرصٌ نتنياهو لتشكيل الحكومة القادمة بسبب دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي اعلنت تأجيل الشق السياسي من صفقة القرن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية بهدف مساعدة نتنياهو على الفوز في الانتخابات، حتى لا ينشأ وضعٌ افتراضيٌّ تكون فيه اعتراضات إسرائيلية على بعض البنود.

فُرَص نجاح نتنياهو تُعادل فرص سقوطه، فبينما يركز جهوده على تحقيق نتيجة أكثر من 60 مقعداً لحزبه الليكود وحلفائه الطبيعيين من أحزاب اليمين الاستيطاني وأحزاب الحريديم، حتى تسقط حاجته إلى حزب “إسرائيل بيتنا” ، الا انه في المقابل من الصعب التكهُّن فيما إذا كان عدم تحقيقه مثل هذه النتيجة سيعني سقوطه، فقد تكون هناك أحزاب اخرى مستعدة للانضمام إليه، على غرار تحالف حزبي العمل وغيشر، أو أحد أحزاب تحالف “أزرق- أبيض”.
الائتلاف الحكومي القادم .. سيناريوهات واحتمالات :

1– السيناريو الاول : تشكيل حكومة يمينية ضيقة ، بقيادة نتنياهو وفق احد الاحتمالات :

أ – الاحتمال الاول :
يتجاوز حزب الليكود كل التوقعات وينجح في تشكيل تحالف حكومي بأغلبية 61 مقعداً من مقاعد الكنيست من دون حاجة إلى التحالف مع حزب اسرائيل بيتنا ، وهذا الاحتمال يبدو مستحيل في ضوء المعطيات السابقة والخريطة السياسية في اسرائيل.

ب – الاحتمال الثاني :

ينجح نتنياهو في إقناع ليبرمان بالمشاركة معه في حكومته الجديدة، وهذا الاحتمال يتطلب ليبرمان عن أفكاره وشروطه، وخصوصاً قانون تجنيد المتدينين، وهذا الاحتمال يبدو مستبعدا ايضا في ضوء تعقيدات الموقف بين الجانبين.

2– السيناريو الثاني :  تشكيل حكومة وحدة وطنية :

أ – الاحتمال الأوّل: حكومة وحدة برئاسة الليكود:

يطلب الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين من نتنياهو وغانتس تشكيل “حكومة وحدة وطنيّة”، لتجنب تكرّر سيناريو إعادة الانتخابات، هذا الاحتمال قد يكون النتيجة الممكنة الوحيدة لهذه الانتخابات، نظراً لعدم حصول الليكود مع أحزاب اليمين المتدين وأحزاب الحريديم على الأغلبية الكافية لتأليف حكومة، وبشأن عدم قدرة “أزرق أبيض” على تأليف حكومة مع الأحزاب التي على يساره، ومن دون الليكود سيكون بحاجة إلى حكومة تعتمد على أحزاب حريدية وعلمانية متناحرة، ويتعارض هذا الاحتمال مع موقف قادة “ازرق ابيض” الذين تعهدوا بعدم الانضمام لأي حكومة يرأسها نتنياهو، في ظلّ لوائح الاتهام التي تلاحقه، وكذلك سيكون قادة “ازرق ابيض”، أمام معضلة الانضمام لحكومة وحدة بتمثيل متساوٍ مع الليكود وشراكة في الحكومة والحصول على كافة الحقائب الوزارية التي ترتبط بالقضاء الإسرائيلي “لإنقاذه من الخطر”، لكن الظهور بمظهر من أعطى نتنياهو طوق النجاة.

ب – الاحتمال الثاني: حكومة وحد بالتناوب:
ستتقدّم “كاحول لافان” بمقترح تشكيل حكومة وحدة يتناوب على رئاستها غانتس ونتنياهو، باشتراط أن يكون غانتس أولا، حتى يخصّص نتنياهو وقته لملفاته القضائيّة والمحاكمات المحتملة، لكنّ من غير المتوقّع أن يوافق نتنياهو على مقترحٍ كهذا وسيرفضه لأنّه يتعارض مع توجهاته للتعامل مع الاتهامات ضده وهو في موقع رئيس حكومة، ولن يتنازل عنها أبدًا.

3– السيناريو الثالث: انقلاب من داخل الليكود على نتنياهو :
أعلن تحالف “أزرق أبيض” عن تأييده لإقامة ائتلاف مع الليكود ولكن من دون نتنياهو، الذي يواجه احتمال تقديم لائحة اتهام ضده بشبهات فساد. وفي حال رفض نتنياهو مساعيه لتأليف حكومة وحدة، سيقوم بالتوجه إلى عضو كنيست من الليكود وطرح سيناريو الإطاحة بنتنياهو.