خسارة الجميع
تاريخ النشر : 2019-09-08 12:19

خسرت نقابة المعلمين معركتها الحقوقية في جولتها الصاخبة التي فجرتها يوم الخميس 5 أيلول 2019، رغم شرعية مطالبها، وقد تكون محقة، فالخسارة البشعة والانطباعات السلبية لدى قطاعات واسعة من شعبنا تعود إلى تمادي سلوكها الاحتجاجي الذي مس مصالح وأوقات شرائح متعددة من الأردنيين تضرروا ووقعوا في ضائقة لا تحتمل، ليس لهم ذنب في أن يقعوا فيها أو أن يدفعوا ثمنها، فقد مكث وانحشر الناس في سياراتهم ساعات طوال، ولم يتمكن عشرات الالاف من الوصول إلى مراكز أعمالهم أو العودة إلى بيوتهم، بسبب إغلاق الشوارع وتكدس الناس محبوسين غير قادرين على الحركة وضيق الاختيار تحت رحمة جو الصيف الحار، والمأساة أكثر لدى الطريق الصحراوي المغلق حيث الوفود السياحية من الأجانب الذين مكثوا الساعات الطوال على الطريق الصحراوي بدون خدمات، رغم الرجاء الذي قدمه الأدلاء السياحيون المرافقون لقادة الحراك النقابي، في أن يسمحوا للحافلات السياحية وركابها بالمرور، لوجود كبار بالعمر من الألمان والإسبان وشمال أوروبا لا يحتملون الحر والضيق وعدم توفر الخدمات وبدون تناول الطعام والشراب لساعات طويلة.

وقائع مباشرة حينما تسمعها كنماذج من المعاناة التي أصابت الأردنيين في يوم « الخميس الأسود « كما أطلقت عليه جارتنا المسنة التي اضطرت للعودة إلى الشميساني مشياً على الأقدام من جبل الحسين، كانت خلالها تجلس تحت مظلة شجرة أو مدخل بيت لتستريح فترة من الزمن ومن ثم تعود لمواصلة مشوارها مع أن ابنها وزوجها لم يتمكنا من الوصل إليها بسيارتيهما .

خسرت النقابة تعاطف القوى السياسية التي سبق وأكدت انحيازها لمطالب المعلمين، ولكن إجراءات النقابة التي سببت الأذى والتعطيل وكأنها عقوبات مدروسة، دفعت أطرافاً عديدة من القوى السياسية كي تقف محايدة نسبياً.

في النضال السياسي لا يكفي أن تكون مطالبك عادلة وشرعية حتى تحصل عليها، بل عليك أن تستعمل الأدوات العقلانية الواقعية المناسبة حتى تحظى بأوسع مدى ممكن من المريدين والمتعاطفين والمتضامنين، فالشعب الفلسطيني قضيته عادلة وهو يُناضل منذ أكثر من خمسين عاماً عبر ثورته المعاصرة ولكنه لم يحقق أهدافه بعد رغم شرعية نضاله وعدالة مطالبه، وملايين المصريين خرجوا إلى الشوارع خلال ثورتي كانون الثاني يناير 2011، وحزيران يونيو 2013، ومع ذلك لم يحقق مراده بعد، والربيع العربي فشل في ليبيا واليمن وسوريا والعراق في تحقيق تطلعات شعوبها، ولذلك لا يكفي أن تكون مطالبك عادلة حتى تنتزعها وتنتصر .

مطالب المعلمين في تحسين أحوالهم المعيشية محقة مثل مطالب كل أبناء شعبنا، وشرعية، ولكن الظروف الحالية صعبة والحصار السياسي والمالي الذي نعاني منه يعود إلى صواب قرار الدولة الأردنية في عدم التورط في حروب العراق وسوريا واليمن، ورفض التورط والبطش بالإخوان المسلمين وإخراجهم عن القانون ورفض الاستجابة لمطلب باعتبارهم تنظيما إرهابيا غير شرعي، ولذلك علينا أن ندفع ثمن خياراتنا السياسية .

ويحيط بنا حروب بينية دمرت سوريا والعراق واليمن وليبيا، وأضعفت مصر والجزائر، وسلمنا من هذه الموجة العاتية من الدمار والخراب والانقسام الداخلي، ولذلك على قادة الحراك أن يتصرفوا بحكمة وتعقل بدون أن يتخلوا عن مطالبهم، ويمكن تحقيقها بالتدرج والمرحلية وتوازن بهدف الحفاظ على تماسكنا الداخلي وأمننا الوطني .

وعلى الحكومة أن تتصرف بسعة صدر وبالحوار والتوصل إلى حلول واقعية وتلبية المطالب الأكثر إلحاحاً لحاجات الأردنيين وفي طليعتهم شريحة المعلمين ما أمكن ذلك، ونحن إذ نعرف بدقة دور حركة الإخوان المسلمين وتأثيرها على هذا القطاع المهني لأن أبواب المدارس والجامعات والمساجد كانت مفتوحة لهم حصراً طوال مرحلتي العهد العرفي والحرب الباردة، فتمكنت من تعزيز نفوذها طوال خمسين سنة مضت لأن الدولة تعاملت معهم كما وصفهم الراحل الحسين، باعتبارهم « حزب الدولة « ولذلك يمكن التعامل معهم وجلبهم إلى طاولة الحوار، كي يؤدي الإخوان المسلمين دورهم ويتحملوا المسؤولية في هذا الوقت العصيب .

الوضع صعب ويحتاج لعقال فهل تنتصر إرادة الأردنيين بالحكمة والقواسم المشتركة وروح المسؤولية ؟؟ .