تهويد نتنياهو... و "عورات" الرسمية الفلسطينية
تاريخ النشر : 2019-09-05 19:13

وزير الخارجية الإسرائيلي في لقائه الاخير مع نظيره السويسري طرح خطة مشتركة "لإسرائيل" وسويسرا للتعاون بهدف إيجاد بديل مناسب لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يمكن من خلالها إزالة مكانة اللجوء وتبديد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، في الوقت الذي أصدر تعليماته ببلورة وثيقة تعرض بديلا لنشاط الأونروا وبالتعاون مع دول أخرى، وادعى أيضا، أن الأونروا تديم مكانة اللجوء الفلسطينية، وتديم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما تديم المطلب الفلسطيني بحق العودة.
وفي وقت سابق ,هاجم وكالة الأونروا، وزعم أنها "هي المشكلة وليست الحل", كما ادعى "أن عناصر الأونروا في قطاع غزة تعاونوا ضد إسرائيل مع فصائل المقاومة والتي وصفها بـ"المنظمات الإرهابية".
و(القناة 12 الإسرائيلية) قالت: أنه نظرا للمكانة الخاصة لسويسرا، فإن "الاتفاق على التعاون بهذا الشأن قد يساعد في إحداث تغيير في هذا المجال المصيري"، خاصة وأن سويسرا تعتبر إحدى الدول الداعمة ماليا للأونروا، وقامت مؤخرا بتجميد تحويل الأموال في أعقاب تقارير تحدثت عن فساد داخل الوكالة بإدارة مديرها السويسري.
واتفقا الوزيران – الإسرائيلي والسويسري -على التعاون لفحص البدائل الممكنة لنشاط الأونروا، من خلال إشراك محتمل للولايات المتحدة ودول أخرىوطلب الوزير الإسرائيلي من ادارته في الخارجية الإسرائيلية إعداد وثيقة تعرض البدائل لنشاط الأونروا، حيث عقد الطاقم المكلف عدة جلسات، ويتوقع أن يقدم وثيقة بهذا الشأن في وقت قريب,ضمن اطارزعمه :"أن إقامة وكالة الأونروا هوحالة خاصة في قضية اللاجئين العالمية، وتهدف إلى إدامة قضية اللجوء الفلسطينية، ومطلب حق العودة للاجئين وأنسالهم" الذين يقدر عددهم بنحو 5.3 مليون لاجئ,كما ادعى أنه نشأت فرصة "لتغيير الرواية التي تحكى"، ووضع خطط ملائمة والدفع بها بحيث "تشدد على الجانب الإنساني وتحسين أوضاع اللاجئين في أماكن لجوئهم، بما يتيح إلغاء التفويض الممنوح للأونروا",هذا جوهرالحراك الدبلوماسي الإسرائيلي دوليا.
في ذات السياق, وعلى الأرض, يؤكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ضمن فعاليات"همروجته الجماهيرية", العمل بالقانون الإسرائيلي وضم كل المستوطنات في الضفة الغربية والقدس ,ما يمثل إعلان سياسي رسمي بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تعهد نتنياهو وخلال حملته الانتخابية بضمّ كافة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة عبر فرض السيادة اليهودية عليها، وقال خلال افتتاح العام الدراسي في مستوطنة ألكانا الجاثمة على أراضي المواطنين غرب محافظة سلفيت" تذكروا وأنتم في هذا المكان، أن هذه أرض إسرائيل، أرضنا لن نقتلع من هنا من أي أحد, سنفرض السيادة اليهوديّة على كافة المستوطنات كجزء من دولة إسرائيل".
هذه التصريحات والمواقف للحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية، هي بمثابة اعلان حرب على الشعب الفلسطيني واستمرار النهج العدواني العنصري والتوسعي بتشجيع ودعم من ادارة الرئيس ترامب في محاولة منهم لتصفية القضية الفلسطينية.
هذا السيناريو "المبرمج والمدروس", يؤكد ان الشعب الفلسطيني بحاجة إلى خطوات عملية وثورية على الأرض ,وان تبتعد قيادته الرسمية عن السفسطائية الكلامية والإعلامية, وان تتخذ قرارات سياسية وطنية من شانها تعزيز صموده على ارضه وحماية ممتلكاته, وان ترسم له طريق الخلاص الوطني من خلال روافع وطنية وجماهيرية تطلق إمكاناته وقدراته لمواجهة المشروع التصفوي لقضيته وحقوقه المشروعة, لان الخطر الحقيقي القادم, لا يمكن مواجهته بالمواقف الكلامية السفسطائية والخطب الرنانة والشعارات المستهلكة الاستعراضية, كما حصل في البيان "الاستعراضي" لحكومة السلطة, بإلغائها التصنيفات الخاصة بتقسيم أراضي الضفة الغربية الى(ا ب ج), حيث اعتبرت من تاريخه كل الأراضي تابعة لها, وستبدأ في البناء والاستثمار وفقا للمصلحة الفلسطينية؟؟!!.
خطوة "استعراضية" إعلامية سلطوية ولكن بدون مقومات وركائز، فقط للاستهلاك الإعلامي، والدليل على ذلك، ان سلطة نتنياهو لم تكلف نفسها مشقة الرد على "مسرحية سياسية" هدفها" الشعبية الوهمية". لان الرد العملي جاء على لسان نتنياهو حين أعلن اول سبتمبر2019 ان مستوطنات الضفة الغربية والقدس هي جزء من " السيادة الإسرائيلية".
هذه القرارات الفلسطينية "الإعلامية" لا تأتي أحادية ومنسلخة عن جملة الموقف والبرنامج الوطني والجماهيري الشامل والمتكامل والمستند الى الاجماع الوطني التوافقي و قرارات هيئاته التشريعية, لأنه حينها لا تكون اكثر من" زوبعة في فنجان",
خصوصا, ان إعلان نتنياهو بات يمثل بداية جديدة لمرحلة جديدة, سياسة تهويدية ميدانية للأراضي الفلسطينية, خاصة بعد ان تم فرض قوانين جديدة من قبل "الإدارة المدنية" في أساليب التعامل مع السكان الاصليين، وهو ما تتجاهله "القيادة الرسمية"، وبدلا من الذهاب لاتخاذ قرارات فعل عملية و سياسية,خرجت لتشرح أن القرار يمثل خرقا للقانون والاتفاقات, في الوقت الذي بدأ فيه نتنياهو بتنفيذ الخطة الأمريكية "مسبقة الصنع" بطريقته الإسرائيلية الخالصة، محددا "واقع سياسي وميداني" جديد, وما على السلطة الفلسطينية الا التكيف معه ؟!!.
ان موقف السلطة الرسمية الفلسطينية بات واضحا، لا لخطوة تصعيدية في وجه نتنياهو وسياساته, وانما الاستسلام للأمرالواقع, ربما كانت الامتيازات الشخصية و الفئوية البيروقراطية – "امتيازات بطاقات الشخصيات المهمة" – والنفوذ السلطوي لشريحة السلطة, اهم من امتيازات الشعب الفلسطيني وحقوقه!!!!.
أمام هذا المشهد من الحالة الفلسطينية الراهنة، حيث الانقسام الداخلي، وتآكل الشرعيات، وتغييب دور منظمة التحرير، وتعطيل مشاريع إصلاحها وتفعيلها، وغياب البرامج الوطنية التوافقية، ووحدة الحقوق المشروعة ووحدة التمثيل للكيانية الوطنية الفلسطينية كمعادل سياسي ومعنوي في ظل الشتات الجغرافي وتعقيدات القضية الفلسطينية وتشابكها مع بعدها الاقليمي, وانحسارالدورالشعبي والجماهيري وسببه ضعف أداء القيادة السياسي والمجتمعي, تبرز الحاجة الملحة لتبني استراتيجية فلسطينية شاملة، تعمل على استنهاض كل عناصر القوة داخل المجتمع الفلسطيني, وإعادة الاعتبار لقضيته الوطنية.
ان أي استراتيجية وطنية لا بد لها أن ترتكز على فكرة مواصلة النضال والمقاومة الوطنية بكافة اشكالها، بحيث إذا أخفق مسار كفاحي معين، يتوجب تبني مسار بديل، وأن يتأسس برنامج النضال الوطني على فكرة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وممارسة كافة أشكال المقاومة، والنضال ضد كل تجليات سياسات الاحتلال الاستيطانية والعنصرية، وأن تتواكب المقاومة الوطنية الفلسطينية في مساراتها الموازية والمتصلة على امتداد جغرافية التواجد الفلسطيني في الداخل والشتات,
فإذا كان الهدف المعلن لفلسطينيي الأرض المحتلة هو إقامة دولة مستقلة، وكانت مطالب فلسطينيي 48هي المساواة والعدالة وضد سياسة التمييز العنصري، ومطالب فلسطينيي الشتات هي العودة؛ فإن الاستراتيجية الفلسطينية الشاملة، يجب أن تتضمن هذه الأهداف العادلة، وتصوغ برامجها الكفاحية على أساسها، بحيث تحافظ على وحدة الشعب من خلال وحدة حقوقه،لأن تهميش أي فئة من فئات الشعب الفلسطيني داخل الوطن أو خارجه ستؤدي إلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة.
ان قضية اللاجئين، عمومًا، هي جوهرالقضية الفلسطينية، وهم، أي اللاجئين، وبالتحديد طلائعهم في الخارج، الذين أسسوا حركة التحرر الوطني الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وكان شعارها "العودة والتحرير والاستقلال" , الشعار الطاغي في برامج جميع فصائل العمل الوطني, هذا الحق الاستراتيجي والذي لا يتحقق إلّا في إطار تحرير فلسطين كلها، وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة في كل فلسطين التاريخية، ليس ورقة سياسية مطروحة للتنازل اوالمساومة, لا في اطار "حل الدولتين" الميت سريرياً,بسبب تعنت "إسرائيل" والمواقف الامريكية المنحازة واستحقاقات أوسلو, ولا في ترتيبات حل "الوضع النهائي" للمشروع الوطني الفلسطيني.
لأنه وبعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، بدأ تهميش حق العودة في الخطاب السياسي الرسمي الذي بدأ يتشكّل، كون الإطار الأمريكي-الإسرائيلي الذي ارتكزت إليه هذه الاتفاقات لم يكن قائما على القانون الدولي فضلا عن أنه تجاهل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.الامرالذي يستوجب العمل المنهجي والمكثف على تأصيل هذا الحق في الوعي الشعبي وفِي ثقافتنا الوطنية الجامعة لما يمثله من جوهر اساس للقضية الفلسطينية , وهو الحق الذي يجمعنا، بخلاف الحلول السياسية المتباينة.
ان برنامج "سلام اوسلو" كشف بأن الأونروا ليست في منأى عن الوسط السياسي، وإنما متورطة في الترتيبات السياسية المحلية والدولية المتغيرة , فالتأييد العلني الذي أبدته الأونروا لمفاوضات أوسلو السياسية، وخططها آنذاك والهادفة إلى "حل" نفسها، والخطوات التي اتخذتها لمساعدة السلطة الفلسطينية في بناء مؤسسات "الدولة" قبل حل مشكلة اللاجئين، كشف عن الصلات المعقدة بين المجالين الإنساني والسياسي.
لقد عطلت (أوسلو) منظمة التحرير الفلسطينية وأفرغتها من سلطتها وفعالياتها السياسية, والتركيز السياسي على السلطة واجهزتها على حساب اللاجئين،- رغم الولاء الذي تظهره السلطة الفلسطينية بشعاراتها لحق العودة، فإنها دفنت هذا الحق تحت عناوين سياسية متعددة - ما اسهم في نشوء مزاج سياسي تشاؤمي ولا سيما في أوساط اللاجئين في المنفى, في الوقت, الذي استمرت فيه الاونروا كمؤسسة ترمز إلى المصير السياسي المعلق للاجئي عام 1948 وحقهم في العودة المُهمَل والساقط فعليا بحكم المبادئ الناظمة لاتفاقات أوسلو, ولوجودها كمؤسسة دولية أهمية بالغة في ظل المناخ السياسي الراهن لأن: الاونروا طرف موقع على كافة قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم194 , وبرزت الأونروا- في ظل غياب جبهة وطنية تحتل فيها قضية اللاجئين مكانة مركزية- كمؤسسة تحافظ على إبراز قضية اللاجئين على الساحة الدولية، وتشير إلى أن ولايتها لا تزال قائمة, والأونروا وفي ظل غياب مؤسسات الدولة, تمثل الخازن الأوحد والأهم للذاكرة الفلسطينية التاريخية لأكثر من سبعة عقود, فقد احتفظت بسجلات اللاجئين منذ مطلع الخمسينيات وجمعت ذاكرة مؤسسية تشهد على هذا التاريخ الجمعي.
ومع ذلك، فهذه الأسباب وغيرها لا تبرئ الأونروا من التلاعب بها سياسيا من قبل القوى الدولية الكبرى ومشاريعها , وهوما يتطلب موقفا متيقظا من الفلسطينيين حيال توجهات الوكالة وسياساتها وبرامجها الحالية والمستقبلية.
لذلك , فان الإعلان من قبل السلطة الفلسطينية بانتهاء العمل بالمرحلة الانتقالية واستحقاقاتها، "وليس وقفها" او "تجميدها", هو الخيار الوطني الصحيح في مواجهة تداعيات المرحلة و مشاريعها المطروحة وجملة تطبيقاتها العملية وهو البديل السياسي الوطني لصفقة القرن الامريكية.
ان مواجهة صفقة القرن الامريكية وتطبيقاتها على الطريقة "البنيامينية"، يتطلب التوافق على استراتيجية وطنية شاملة وليست أحادية - (رزمة متكاملة)- تستند إلى حالة وطنية فلسطينية متماسكة وآليات ميدانية فعالة، لتصويب العلاقات الائتلافية داخل منظمة التحرير ومؤسساتها، وإعادة بناء هذه العلاقات على قاعدة الديمقراطية التوافقية والشراكة السياسية ويتطلب من القيادة الرسمية الفلسطينية مغادرة السياسة الانتظارية، وسياسة المماطلة والتسويف والشروع من دون تردد بخطوات فك الارتباط مع سلطات الاحتلال، والتحرّر من قيود أوسلو من البوابة السياسية أولا!! ومن ثم رديفتها البوابة الاقتصادية، رداً فلسطينياً متناسباً مع جرائم الاحتلال الاستيطانية و التهويدية للأراضي الفلسطينية والصفقات الأميركية المشبوهة, وتحديد العلاقة مع "إسرائيل" باعتبارها دولة معادية تحتل أراضي دولة فلسطين بالقوة, إلى جانب استنهاض المقاومة الشعبية والجماهيرية بكافة اشكالها، وتطويرها إلى انتفاضة شاملة على كل الأرض الفلسطينية، وعلى طريق التحول إلى عصيان وطني شامل، يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل لإلزام دولة الاحتلال باحترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية
نحن أحوج ما نكون إلى استراتيجية وطنية كاملة و متكاملة كجزء من سياسة الاشتباك مع صفقة القرن، والدخول في حوار وطني شامل لطي النتائج المرحلية لاستحقاقات أوسلو فلسطينيا, ومتطلبات تدويل الحقوق والقضية الوطنية الفلسطينية وخوض معاركها في المحافل الدولية.