تفجيرات غزة الإرهابية.. والأسئلة الخمس
تاريخ النشر : 2019-09-01 07:21

الوقائع:

فجر إنتحاريين إثنين من المشتبهين بإعتناق الفكر السلفي الجهادي أحدهما كان يستقل دراجة نارية، مساء يوم الثلاثاء الماضي الموافق 27/8/2019، نفسيهما في حاجزين للشرطة التابعة لحركة حماس في جنوب وجنوب غرب مدينة غزة، مما أسفر عن مقتل المنفذين وإستشهاد (نحسبهم عند الله كذلك) ثلاثة من أفراد الشرطة وجرح ثلاثة آخرين كانوا بالمكان.

وبعد مرور أقل من ساعة نفي الجيش الإسرائيلي علاقته بالتفجير، إذ أكد في بيان له أنه لم يهاجم أي أهداف في قطاع غزة لحظة وقوع الحادث، من جهته إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بالقوة منذ العام 2007، وعبر بيان صحفي مكتوب وزعته وكالات الأنباء المحلية بعد وقت قصير على وقوع الحادث، دعى فيه الشعب الى كبح جماح الشائعات وخلط الأوراق وإنتظار كلمة الفصل من وزارة الداخلية، كما دعى الشعب الى مساندة الأجهزة الأمنية في ضبط الأمن والنظام واستعادة الحالة الأمنية وافشال هذا المخطط اللعين.

وفي صباح اليوم التالي الموافق 28/8/2019، وقبل إعتقال أي من المشتبهين بالتورط في الجريمة، وجه السيد فوزي برهوم الناطق الرسمي باسم حركة حماس اتهاما مباشرا للمخابرات الفلسطينية بالمسؤولية عن الحادث عبر تغريدة له في حسابه الرسمي على تويتر.

وكانت أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة قد بدأت حملة اعتقالات منذ فجر يوم الأربعاء الموافق 28/8/2019، طالت العشرات من مدينة غزة لا سيما من منطقة الشجاعية والزيتون الذين يترددون على مسجدي الفضيلة والهوى، وكان من اللافت أن معظم المعتقلين ينتمون لأحد التنظيمات الفلسطينية الجادة الذي رفع (مشكوراً) الغطاء التنظيمي عن أعضائه وسمح لأجهزة الأمن بإعتقال كل من تدور حوله شبهة العلاقة بالجريمة.

ومساء نفس اليوم صرح السيد إياد البزم الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية خلال تصريح متلفز أنه تم كشف هوية المنفذين، وأكد أن هناك تقدم في التحقيق مشدداً على أن الجهة التي تقف خلف التفجيرين تتقاطع مع الإحتلال الإسرائيلي في سعيه لخلط الأوراق، ثم عاد وأكد يوم الخميس الموافق 29/8/2019، خلال تغريدة له في حسابه على فيسبوك أن الأجهزة الأمنية تمكنت من إحباط مخطط إجرامي خطير يرتكز على استهداف النسيج المجتمعي وضرب العلاقة بين الفصائل لإدخال غزة في أتون الفوضى والفلتان.

وخلال كلمة له أمام المشاركين في مسيرة العودة ظهر يوم الجمعة الموافق 30/8/2019، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي "إن الذين وجهوا الصغار وخططوا لهم لن يثنونا عن طريق الجهاد، وكان هدفهم الكبير أن ينالوا من فصائلنا ووحدتنا وقوتنا"، مؤكدا أن "يد العدالة ستصل قريبا لمن خطط ودبر ونفذ العملية الجبانة التي استهدفت الأبرياء".

ونشر موقع سما الإخباري عصر يوم السبت الموافق 31/8/2019، تحذيراً نقلاً عن موقع المجد الأمني الذي يُعتقد أنه يتبع لكتائب القسام، من تداول معلومات مجهولة المصادر حول تفجيري غزة، موضحاً أن الهدف من نشر الأكاذيب مجهولة المصادر هو تضليل مسار التحقيق الذي تقوم به أجهزة الأمن المختصة.

ماذا في الواقع تقول حماس؟

تظهر التصريحات الموضحة سابقاً أن التحقيق في الجريمة لم ينتهي بعد، وأن المخططين والموجهين لا زالوا أحرار وغير معتقلين وذلك وفقاً لتصريحات السيد الهندي واستنادا للتحذير الصادر عن كتائب القسام، الأمر الذي يعني أن يد العدالة وفقاً لأقوال السيد الهندي لم تصل بعد لأهم حلقات المخطط اللعين، وهذا بلا شك يتناقض مع تصريحات الناطق باسم وزارة الداخلية التي قال فيها أن أجهزة الأمن قد تمكنت من احباط المخطط الإجرامي الخطير.

كما تظهر التصريحات لا سيما تصريحات الناطق باسم وزارة الداخلية ان الإحتلال الإسرائيلي غير متورط مباشرة بالجريمة، إنما هناك جهة أخرى تقف خلف الجريمة لم يفصح عن هويتها بعد، تتقاطع أهدافها مع الإحتلال الإسرائيلي.

والأهم مما تقدم أن التصريحات تكشف عدم إلتزام البعض من قيادات حماس بدعوة السيد رئيس المكتب السياسي للحركة التي طلب فيها بعد وقوع الجريمة مباشرة وضع الموضوع  برمته بيد وزارة الداخلية وأجهزة الأمن، الأمر الذي تجلى في استعجال الناطق باسم الحركة في استخلاص النتائج وتوجيه الإتهامات للآخرين.  

وفيما تثير هذه التصريحات المتناقضة قلق كل ذي بصيرة من الفلسطينيين الذين هالهم ما جرى وما قد يجري لاحقاُ، إلا أن الملاحظة الأكثر إثارة للقلق والتي لا تبعث البتة على الإطمئنان للعقل الذي قدر له في هذه اللحظة من الزمن قراءة وتفسير ما جرى، تكمن في حرص الحركة على ابراز أن الهدف من هذه الجريمة هو النيل من الفصائل والوحدة والقوة، وكأن العلاقات الفصائلية وحال الوحدة الوطنية وقوة المجتمع في أحسن حالاتها!! الأمر الذي ينطوي على إستخفاف بعقول الفلسطينيين الذين يعيشون تداعيات دوس الوحدة الوطنية بل المناعة الوطنية بالنعال على مدى أكثر من عقد، والأهم من ذلك أنه ينطوي على تجاهل لحال الشعب الذين لم يعد قادراً على تأمين غذائه ودوائه، وحسبي أن تأمين الغذاء والدواء للشعب في هذه اللحظة من الزمن أهم من تأمين السلاح إذا كان السلاح هو عنوان القوة.

ما الذي ضربته الجريمة في المجتمع؟

لقد ضربت هذه الجريمة ياسادة إحساس المواطنين بالأمن والطمأنينة قبل أن تضرب هيبة سلطة حماس، وقد أتت هذه الضربة بعد أن فقد الشعب قدرته على توفير دوائه وغذائه، ويدرك الكل أن إستعادة الإحساس بالأمن والطمأنينة أكبر من قدرة حماس لوحدها أو فتح لوحدها أو الجهاد الإسلامي لوحده أو اي من الفصائل الفلسطينية، وربما تكون مهمة استعادة الإحساس بالأمن أكبر من قدرة جميع الفصائل إذا ظلت كما هي عليه الآن، عاجزة عن دفع الشعب للإيمان بإحساسه قبل عقله أنها حقاً الحامي الأمين للشعب والعقل الحريص على مستقبل أبنائه.

وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة أنه يتوجب على حركة حماس ومن منطلق أنها الجهة التي تتحمل في هذه اللحظة مسؤولية تفكيك خيوط هذه الجريمة أن تحرص في تحقيقاتها وكذلك في خطابها للشعب الإجابة على الأسئلة الخمس التالية:

1-         هل الجريمة رغم خطورتها وفظاعتها ليست أكثر من تقليد ومحاكاة لتنظيم الدولة (داعش) من قبل مجموعة من الشباب، الذين ظلموا وأهينوا وتم إزدرائهم ليس من قبل حكومة حماس وأجهزتها فحسب، بل من قبل الحركة ذاتها (وما أكثر هؤلاء الشباب في غزة)؟ أم هل الجريمة ليست أكثر من نداء من قبل مجموعة من الشباب المضلل لتنظيم الدولة للعمل في غزة أو إنطلاقاً منها؟

2-         هل تعتبر الجريمة بمثابة الإعلان عن بدء تنظيم الدولة العمل في غزة بعد أن اكمل التنظيم مراحل البناء والتجهيز والإعداد بعيدا عن رادارات أجهزة الأمن؟

3-         هل قرر تنظيم الدولة تحويل قطاع غزة الى ساحة عمل جديدة بعد أن كانت الملجئ الآمن وقاعدة الدعم اللوجستي له في سيناء؟ أم أن الجريمة ليست أكثر من تصفية حساب مع حركة حماس وعقاباً لها على تعاونها الإستخباري مع مصر الشقيقة في سيناء؟

4-         هل الجريمة كانت إختراقاً من قبل جهة أو جهات إستخبارية معادية لأحد تنظيمات محور المقاومة الكبيرة في غزة؟ ولماذا هذا التنظيم بالذات؟

5-           لماذا الآن؟ وهل هناك رابط بين الجريمة وما يحدث في الإقليم؟