غياب "الشراكة الشعبية" بوابة التكفير الفكري والمجتمعي!
تاريخ النشر : 2019-08-31 09:27

كتب حسن عصفور/ فتحت عملية "تفجير غزة" الانتحارية نقاشا متعدد "الرؤوس" في المجتمع الفلسطيني، كونها فعل شاذ بالمعنى الوطني العام لاستهداف فلسطيني بفلسطيني، تحت شعارات لا تنتهي من التضليل، ولا تنقص أطراف ذلك النوع من العمليات، الذريعة لتبرير ما يذهبون اليه.

مثل تلك العمليات، هي تجسيد مكثف لنمو المفاهيم المتطرفة – المنحرفة فكريا واجتماعيا، قد حاولت بعض الجهات ان تهرب من مواجهة الحقيقة، التي أنجبت مثل هذه "الشواذ"، الى البحث عن أسباب "غيبية"، كما هو السلوك الدائم، عند العجز أو محاولة العمل لاكتشاف الحقيقة التي أنجبت تلك الظواهر.

ولعل أكثر مبررات تلك الفعلة الشاذة، غياب البعد الديني عن المجتمع، ودعا أنصار هذا التبرير "العاجز" الى تكثيف حركة بناء المساجد وزيادة الدروس الدينية، وهذا مبرر يبرز عند أي منعطف يصعب تفسيره من سلطة الأمر الواقع، أو محاولة البعض استغلاله لتعزيز "السلطة الدينية"، متجاهلين أن عدد مساجد قطاع غزة، نسبة وتناسب قد تكون الأعلى في العالم.

تلك "الأفكار" لم تقدم يوما "حلا عمليا" لأي من أزمات المجتمع، بل منها ما يغذي ذلك النهج بثوب "إصلاحي" أو تصويبي، ولذا بدلا من الغرق بحثا عن مبررات منحرفة، بات من الضروري ان تراجع القوى السياسية، وخاصة الفصائل ذات المرجعيات الدينية، والمسلحة سلوكها وأداءها، والتفكير فيما أصاب وأخطأ.

بات ضرورة كبرى، اجراء تقييم شامل وجذري بعيدا عن "حساسيات التحزب"، الذي يمثل بذاته مفرخة للتطرف بكل مظاهره، علة يكسر "رتابة التفكير السائد"، لإعادة ترتيب العلاقات الوطنية – المجتمعية، في مناخ أكثر صحة، ينطلق من قاعدة أن "الاختلاف حق"، وليس منحة من حاكم، او مسؤول في فصيل.

ولعل أبرز عناصر تغذية الانحراف الفكري والاجتماعي، الذي يؤدي الى الانتحارية او القتل الظلامي، انعدام العمق الشعبي أو بالأدق "الشراكة الشعبية" مع مختلف المكونات القائمة، والاكتفاء باعتبار "الفصيل – الحزب" بديلا عن المجتمع، وكل منها ينطق باسم الشعب ونيابة عنه، رغم انعدام التواصل الحقيقي بين الغالبية الشعبية وتلك الفصائل – الأطراف السياسية.

غابت "الشراكة الشعبية" لصالح "العسكرة" المجتمعية، التي أصبحت سمة بارزة في قطاع غزة، وكانت حاضرة بقوة في الضفة خلال فترات سابقة، بل ان البعض اعتبر "البندقية" هي الرد الشامل على كل أزمات الشعب والمجتمع، دون أن تتطور معها والى جانبها "مفاهيم ثورية" لتطوير – تصويب التشوهات التي ترافقها، في محطات متعددة.

"تفجير غزة" الانتحاري، يفتح الباب لمراجعة النمو الكثيف لزيادة البعد العسكري في الفصائل الفلسطينية، وخلق أجنحة موازية لها "سلطتها الخاصة"، التي يحرم المساس بها، وكأنها "مظهر مقدس" يمنع الاقتراب منه أو الاعتراض على أي من سلوكه، وكل من يحاول الاقتراب من تلك "الكائنات" سريعا ما يصبح تحت دائرة التخوين، ولو أحسنوا الرد يدخل في مسار التفكير.

العسكرة الحزبية، دخلت مسارا افرز كثيرا من الظواهر الخطرة، بل والتي تحمي كل أشكال "التطرف أو الانحراف"، كونها خارج النقد أو المراجعة، علما بأن كثيرا ممن يحتلون "مواقع مقررة" في تلك الأجنحة فاقدين للوعي السياسي العام، ما يترك أثره السلبي على العلاقة بين أعضاء تلك الأجنحة ومحيطها الشعبي.
يوما أطلق الزعيم الصيني الكبير ماوتسي تونغ مقولة "السلطة تنبع من فوهة البندقية"، مقولة احتلت مكانة بارزة في تاريخ حركات ثورية، ولكنها أنجبت كثيرا من "الكوارث"، ما اد الى عمل تقييم ومراجعة والتخلي عنها.

في قطاع غزة، تحتاج القوى كافة، لمراجعات جذرية، حول أهمية انتشار الأجنحة المسلحة، وضرورة وجوده بتلك "الفوضى غير المنظمة" بلا قانون أو مرجعية سوى حزبها وربما قادتها المباشرين.

مراجعة لمسيرات الحصار، وهل استمرارها ضرورة أم انها وصلت الى محطتها الأخيرة، لها ما لها وعليها ما عليها، مراجعة تمنح "الحق الوطني" ما له، وأيضا "الحق المجتمعي" ما له.

مراجعة لما غاب "العمق الشعبي – الشراكة الشعبية" عن الحدث السياسي، ولم تعد كثيرا من القضايا المركزية تثير الغضب الشعبي، وهل أصبحت الفصائل منقطعة الصلة عن "عمقها"، تبدو وكأنها "زائد" في الحياة العامة، بعد ان كانت ضرورة لا بد منها.

ليس جرما إعادة التفكير والبحث في الخطايا من داخل أدوات التأثير، وليس بالهروب الى غيرها.

دوما قالوا، بداية علاج الانحراف في معرفة المسببات الحقيقة له وليس صناعة مسببات لتبرير تعميق الانحراف.

الخطأ سمة بشرية، لكن الإصرار عليه يصبح له مفهوم آخر...غير انساني!

ملاحظة: أخطات حماس بعدم توضيح بعض حقائق العملية الانتحارية، وتركت للإعلام العبري نشر ما يصله، من مصادر يبدو انها "موثوقة جدا"، فكل ما نشر حتى ساعته "دقيق جدا"..."الضبضبة" مش شطارة!

تنويه خاص: تسارع بعض الدول في افتتاح مكاتب لها بالقدس الغربية، يمثل صفعة لبلادة الرسمية الفلسطينية، ليس بالتغريدات وتصريحات مللها بات مملا يمكن مواجهة اختراق خطير!