إلغاء حق العودة من أهداف مصادرة الأراضي
تاريخ النشر : 2014-07-09 16:47

إذا عدنا بذاكرتنا وأوراقنا وأرشيفنا والوثائق المتاحة، حول كيفية استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية منذ عام 1948، نجد أن إسرائيل استخدمت جميع الوسائل، وتشريع القوانين، وبكافة الأساليب للسيطرة على أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، وأقامت دائرة أطلقت عليها ما يسمى بـ \"دائرة أراضي إسرائيل\" لتحويل أراضي الفلسطينيين إليها، فهي تريد هذه الأراضي والسيطرة عليها كجزء من سياستها لتحقيق حلمها بإقامة دولتها على جميع أرض فلسطين من البحر إلى النهر، وكي لا تبقي أرض لتجسيد حق عودة اللاجئين إليها، بسيطرتهم على أرض فلسطين التاريخية، وإنشاء المستوطنات عليها لاستيعاب هجرة اليهود الجدد، وتطبيق قوانين وأنظمة جديدة إلى جانب القوانين التي كان معمول بها في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين حينا، والقوانين العثمانية حيناً آخر، وإغلاق الطريق أمام إعادة هذه الأراضي والعقارات إلى أصحابها الفلسطينيين، وبخاصة اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من ديارهم، كذلك مصادرة أراضي الفلسطينيين الذين لم يغادروا وطنهم، حيث اعتبرت السلطات الإسرائيلية بعضهم بـ \"الغائبين\" وفقاً للقوانين العنصرية التي شرعتها.

لا نريد العودة إلى حقبة تأسيس الحركة الصهيونية، والمؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل عام 1897، إلا أن الحركة الصهيونية، أقامت عدداً من المؤسسات قبل عام 1948، ومن هذه المؤسسات: الوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية، والصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي والمعروف باسم \"الكيرن كاييمت لإسرائيل\"، هذا الصندوق مارس شراء الأراضي قبل إقامة إسرائيل، ومنذ عام 1953 تحول هذا الصندوق بقرار من الحكومة الإسرائيلية، لتوسيع نشاطه للعمل وشراء الأراضي في جميع المناطق الخاضعة للاحتلال بما في ذلك الضفة الغربية قبل وبعد عام 1967، ويشكل حجم أراضي هذا الصندوق 13% من أراضي فلسطين تجاوزت 2.5 مليون دونم.

لقد دمر الاحتلال عام 1948 نحو (500) قرية عربية، وطرد سكانها وبعثرتهم في شتى أنحاء العالم، دون أن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها حول مشكلة اللاجئين ودون الانصياع لقرارات الشرعية الدولية بعودتهم إلى ديارهم، ولكي تغلق الطريق أمام عودتهم، حتى الذين بقوا في وطنهم وفرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، تم الإعلان من قبل الاحتلال بأن هذه القرى وأراضيها مناطق عسكرية مغلقة، وفقاً لأنظمة الطوارئ الانتدابية من عام 1945، والهدف منع أصحابها من العودة إليها، وبالتالي توزيع أراضيهم على المستوطنات القائمة، والمستوطنات التي ستقام فيما بعد.

لقد عانى فلسطينيو الداخل الأمرين من مصادرة معظم أراضيهم، ومن سياسة التمييز العنصري التي تمارس ضدهم، في كافة المجالات، وعرقلة تخطيط قراهم، ووضع خرائط هيكلية لها، حيث أصبح البناء غير المرخص ظاهرة عادية، لعدم منحهم رخص البناء، مما أدى ويؤدي إلى هدم المئات من منازلهم، بعد أن ضاقت بهم مسطحات البناء، وفي ظل هذه السياسة الإسرائيلية، فإن اللاجئين خارج وداخل فلسطين، يعيشون في المخيمات، في ظروف قاسية، دون إبقاء إسرائيل أية نافذة أمل من أجل عودتهم لوطنهم وبيوتهم وأملاكهم.

في الوقت الذي كان الاحتلال الإسرائيلي يقوم بطرد الفلسطينيين من وطنهم وتدمير قراهم، عملت سلطات الاحتلال على قدم وساق لإصدار سلسلة من القوانين والأنظمة كان أولها: قانون أموال وأملاك الغائبين الذي صدر عام 1950، وإذا كان هذا القانون يطال اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين خارج فلسطين، إلا أنه طال جزءاً من عرب الداخل المتعارف عليهم بعرب الـ 1948، إذ أن كل من لم تشمله عملية الإحصاء الإسرائيلية التي جرت بتاريــــخ 1-9-1949 وجنسوا بالجنسية الإسرائيلية، يعتبرون بالحاضر الغائب، بعد أن انتقلوا من قراهم التي هدمت إلى أماكن أخرى، بلغ مساحة أراضيهم نحو ثلاثة ملايين وربع المليون دونم، أما العقارات فبلغت (25.416) ألف بناء، تحتوي على(57.497) دار سكنية، و(10.729) محلاً تجارياً وصناعياً، كما طبق قانون الغائبين على سكان المثلث، الذين ضمت مناطقهم لإسرائيل بموجب اتفاقية الهدنة التي عقدت في رودس، بين إسرائيل والأردن، في شهر نيسان من عام 1949، رغم وجود بند في هذه الاتفاقية ينص صراحة على التزام إسرائيل بالمحافظة على حقوق سكان هذه المنطقة، فتوجهوا إلى المحاكم الإسرائيلية، وأقرت المحاكم لصالحهم، إلا أن النيابة العامة استأنفت للمحكمة العليا التي رفضت قرارات المحكمة المركزية، وحكمت لصالح الدولة.

لقد كان ومازال الشغل الشاغل لإسرائيل الاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين سواء كان من خلال التشريعات، أو بالبلطجة والتزوير والوسائل الأخرى، فقد شرعت أكثر من خمسة قوانين تتعلق بالأراضي، منها تفعيل قانون الطوارئ البريطاني من عام 1945، والذي بموجبه فرضت الحكم العسكري، والإعلان عن مناطق مغلقة، لا يسمح لأصحاب الأراضي بدخولها، هذه الأنظمة منحت وزير الدفاع صلاحية الإعلان عن مناطق بعرض (10) كم على امتداد الحدود من جميع الجوانب كمناطق عسكرية مغلقة، وقانون آخر لمصادرة الأراضي البور التي منع أصحابها من دخولها منذ منتصف تشرين 1948، وتسبب بتركها وعدم زراعتها نتيجة الحرب، بحجة عدم استغلالها، كما شرعت قانونا للاستيلاء على عقارات في ساعات الطوارئ عام 1949، لإسكان المهاجرين الجدد في منازل الفلسطينيين المصادرة، وقانون التقادم الذي صدر عام 1958، وقانون الإنشاء والتعمير الذي صدر عام1953 لاستملاك الأراضي، كما تم إنشاء سلطة التطوير بهدف نقل أملاك الغائبين لهذه السلطة، وحسب المصادر الإسرائيلية فإن من أهداف هذه التشريعات إضفاء الشرعية لملكية إسرائيل لهذه الأراضي، والحقيقة أن كل هذه الإجراءات والقوانين غير شرعية.

في شهر كانون الأول من عام1952، رفض الكنيست مشروع قانون تقدم به النائب العربي رستم بستوني، يدعو لإلغاء صفة الغائب عن المواطنين العرب الموجودين في إسرائيل، وإعادة أملاكهم إليهم، إلا أن الكنيست رفض ذلك، واستناداً إلى هذه القوانين، فقد صادرت إسرائيل بذريعة المنفعة العامة (1200) دونم من الفلسطينيين في الناصرة، بذريعة بناء مكاتب حكومية لخدمة المواطنين، لكن تبين فيما بعد بأن هذه الأراضي استخدمت لبناء آلاف الوحدات السكنية لليهود، والتي أصبحت فيما بعد باسم الناصرة العليا، ومثل هذه الأمثلة كثير.

إسرائيل ما زالت مستمرة بمصادرة أراضي فلسطينيي الداخل حتى اليوم، وما يجري حالياً من مصادرة عشرات آلاف الدونمات من أراضي النقب، هو جزء من السياسة الإسرائيلية، رغم قيام عرب الداخل عام 1976 بانتفاضة يوم الأرض التي تكرس سنوياً ذكراها من مظاهرات واجتماعات واحتجاجات ضد مصادرة الأراضي، بهدف تهويد الجليل، وبناء المزيد من المستوطنات، لزيادة الخناق على عرب الداخل، وما يجري حاليا في الضفة الغربية ومنذ احتلالها عام 1967، من مصادرة للأراضي، وإقامة المستوطنات، هو صورة طبق الأصل عما قامت وتقوم به إسرائيل في منطقة 1948، فإسرائيل لا تحترم القانون الدولي، ولا قرارات الشرعية، بل تعتمد على القوة والمزيد من القوة، لفرض سيطرتها على كل الأراضي الفلسطينية، ويبقى السؤال: ما العمل؟