محاور إقليمية تتقاسم المنطقة العربية
تاريخ النشر : 2019-08-17 19:37

في مرحلة الفراغ الاستراتيجي بسبب غياب الدولة العربية المركزية الرائدة أو الجبهة العربية المتماسكة أصبحت المنطقة العربية مستباحة تتصارع عليها ثلاث محاور إما بالأصالة أو الوكالة.. ومن الواضح أن هذه المحاور لا تلتقي على مشترك فيما بينها وان كانت النتيجة هي التقاسم في ميزان ترتيبات سياسية قد تشهدها الخريطة السياسية في المرحلة القادمة.. ومن الواضح انه لن يستطيع أحدها فرض هيمنته على المنطقة إنما سيكون تقسيمها هو الاحتمال الأكبر.. او بمعنى أصح لن يسمح لأحدها التفرد بالمنطقة.
وهنا نسرع إلى القول انه لابد من الوعي بدور الولايات المتحدة الأمريكية - وأوربا الاستعمارية في ركابها- ونظيرها التقليدي في القطبية العالمية روسيا والصين في ترتيب المنطقة وتشغيل المحاور الإقليمية او دفعها الى اشتباك محسوب.. ومع التأكيد ان المحاور الثلاثة لا تتساوى في أدوارها إلا أن الخطورة قائمة بفعل تنافسها هذا مع الأخذ بعين الأولوية الخطر الصهيوني وبدون ذلك فان أي مبررات ستكون بمثابة تضليل لصانع القرار وللرأي العام في آن واحد.
المحور الأول: محور تتزعمه إيران ويشمل سورية النازفة- إلى حد ما- ومجموعات شيعية في العراق والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان ومجموعات شيعية في البحرين وشرق السعودية وقد يضم اليها مجموعات شيعية أفغانية.. ويرفع هذا المحور في حركيته الحالية شعارات كانت لعقود طويلة محل إجماع الأمة لاسيما موضوع فلسطين والتصدي للتدخل الأجنبي وضرورة طرده من المنطقة.. ولكن هذا المحور لم يستطع التمدد في فسيح جسم الأمة وظل محصورا في لون مذهبي محدد... وحتى الآن صراعه الدامي محصور في داخل الأمة.. وهنا لا أتحدث عن الأسباب إنما اكتفي بالتوصيف.
المحور الثاني: محور تتزعمه تركيا وهو محور يمتد واسعا في المنطقة العربية لاسيما في النخب الثقافية والاجتماعية فيما يسمى الإسلام السياسي الذي استطاع ان يكون جسم الربيع العربي الأكبر وتمكن من الوصول الى الحكم في مصر وتونس وأصبح ذا حضور كبير ومهم في ليبيا كما انه دخل المعركة بكل ثقله في سورية وله تدخلات مهمة في العراق.. ويتحرك هذا المحور في ظل تهدئة إستراتيجية مع الغرب الاستعماري بل وتقاطعات تكبر وتصغر من مكان إلى آخر.. وتعتبر تركيا ونموذجها الاقتصادي والسياسي ملهم هذا المحور.
المحور الثالث: محور تحاول إسرائيل تكريسه علنا بعد ان قطعت فيه أشواطا سرية بعيدة امنيا وتجاريا مستفيدة من حالة التوتر الإقليمي المريب.. محور تعلن إسرائيل انه استراتيجي يضم دولا عربية وازنة في الإقليم بعد ان أصبحت علاقة النظام العربي مع إسرائيل تعبيرا عن مدى سير النظام في طريق كسب الغطاء الأمريكي.. والمحور هنا يرتكز الى جسم- الكيان الصهيوني- يتمدد يوميا وبمنهجية لتوسيع رقعة القاعدة المركزية وربط المنطقة باستراتيجياته الأمنية والاقتصادية جاعلا من الإعلان عن التصدي لإيران عنوانا له، واستطاع هذا المحور ان يخترق الربيع العربي وينقض عليه في أكثر من مكان ويحوله الى كارثة على المنطقة وبوابة لتقسيمات جديدة..ولهذا المحور دور في مشاريع انفصالية في المنطقة من كردستان إلى جنوب السودان و سواها..
بين هذه المحاور صراع لحسم الهيمنة على المنطقة العربية لاسيما مناطق التنازع والصراع كسورية والعراق وفلسطين وليبيا واليمن.. وفي حين كانت المعركة واضحة المعالم في سورية وكان كلام ولي العهد السعودي واضحا للسوريين: اخرجوا الإيرانيين وخذوا منا ما شئتم للإعمار.. وقد سبق للسعودية والإمارات الدفع بمئات مليارات الدولارات لمجموعات النصرة والمجموعات المسلحة الأخرى وتزويد المسلحين بالمال والسلاح وتحركت إسرائيل تزود مجموعات من المسلحين بالإحداثيات والمستشفيات والدعم.. في حين وقفت إيران مع الدولة السورية ومعها مجموعات شيعية من لبنان والعراق والأفغان تقاتل باستماتة وفي الجانب الأخر حاول الأتراك ومحورهم جهدهم ان ينتزعوا السيطرة على المعارضة من القوى الأخرى ليتحكموا في صياغة الخريطة السياسية لسورية إلا أن نتائج الصراع الدامي أفقد تركيا حضورها بشكل كبير كما انه اثبت لمحور إسرائيل -قيد الإعلان- أنه لا يمكن ان تتحكم في تشكيل الوضع في سوريا، وكذلك يواجه المحور الإيراني لحظات صعبة بعد ان جير الروس كل الانتصارات لهم وحددوا إحداثيات للتواجد الإيراني وكشفوا الغطاء عن الأهداف الإيرانية في سورية فتعرضت لقصف جوي إسرائيلي من حين إلى آخر مما يعني إخراج إيران من دائرة النفوذ في سورية..
وفي اليمن كان تدخل الإمارات والسعودية العنيف بحجة مواجهة المحور الإيراني مكلفا للغاية وقد أصبح الإماراتيون والسعوديون أهدافا لعمليات مسلحة بعد ان توزعوا مناطقه على نفوذهم الأمر الذي دفع الإمارات الى الانسحاب، والسعودية الى التفكير بوضع حد للازمة بعد ان ضمنا تدمير احتمال عودة وحدة اليمن وأصبح اختراقهم للوضع اليمني كبيرا وهذا في حال تكريسه سيكون انتصارا كبيرا لمحور إسرائيل كما سيتم تطويق النفوذ الإيراني ويكون قد أصبح واضحا فشل المحور التركي الذي حاول إرسال مندوبين الى اليمن لتنشيط العلاقات الاقتصادية معه ووضع قدما له في اليمن بعد أن ركز له قدما في الصومال والسودان..
أما العراق بعد ان أعلن عن الاتفاق لسحب القوات الأمريكية منه اثر مقاومة أسطورية تطور التصارع بين المحاور على عين الإدارة الأمريكية التي رأت في تصارع المحاور فرصة إستراتجية لضبط العراق كيلا لا ينفلت.. تيار موال لإيران ، وآخر السعودية ونشبت تنازعات كثيرة وواضحة في المشهد السياسي الذي هو عبارة عن افتراءات وتلفيقات كما كان لإسرائيل دور مباشر في شمال العراق وفي وسطه باستهداف قياداته وعلمائه.. ولم تكن تركيا بعيدة عن المشهد العراقي وحاولت كثيرا الحصول على هيمنة على جزء منه وأصبحت موئلا للمعارضة العراقية الا انه يمكن القول ان محور إيران أكثر المحاور حضورا في العراق.. ويمكن مراقبة الأوضاع الأخرى ذات الاحتكاك وتصارع المحاور والتي يمكن الحسم بالقول انه لن يكون نصيبها استقرار.
تعيش هذه المحاور حالة توازن قوة او ضعف بنيوي الى حد كبير في اتجاه بعضها ولازالت جبهات الصراع كالرمال المتحركة.. ماذا يعني هذا؟: بوضوح ان هذا يعني أن الصراع على أرضنا العربية موزع على ثلاثة محاور متنازعة.. و قد يكون لبعض أطراف المحاور ومركزيتها علاقات اقتصادية وتجارية فيما بينهم كما هي العلاقة بين تركيا وإيران مثلا... او بين تركيا وإسرائيل.. وإنما التصارع بينهم في ساحات الاشتباك على الأرض العربية.
من الواضح انه سيكون صعبا ان ينتصر محور من المحاور المطروحة ويفرض نفسه ويغيب المحورين الآخرين او فلنقل على الأقل ان الصياغات الكبرى للمنطقة معمولة بهذه الطريقة لكي تستنزف المنطقة ثرواتها في شراء السلاح غال التكلفة وتقديم خسائر فادحة في الأرواح والمجتمعات وليس من منتصر فيها.
إن صراع المحاور الثلاثة تجاه بعضها البعض سيستمر الى أمد بعيد وهو سيكون الوصفة الأكثر مثالية بالنسبة للأمريكان الذين يوزعون الأدوار او يدفعون بالبعض الى ادوار ما.. ومن غير الواضح ان ينتصر احد المحاور انتصارات إستراتيجية على المحورين الآخرين ولن يكون مقبولا له ان ينتصر.. هنا تصبح الحقائق مكشوفة ان المنطقة العربية منطقة تطاحن واستنزاف وسيظل الأمر كذلك حتى يتم تحرك دول عربية وازنة تفرض على الجميع إخلاء الساحة من الصراع الإقليمي والدولي..
من الواضح ان فراغ المنطقة العربية أغرى العدو الكيان الصهيوني و طمع الصديق والأخ تركيا وإيران في التدخل في كل بلد عربي بتقسيمه وتشتيته.. و هنا لابد من المبادرة العربية بخطاب وموقف عربيين يعيدان التوازن للمنطقة بعلاقات أخوية تكاملية مع تركيا وإيران فهما جزءان أصيلان في المنطقة وبتشتيت للمحور الإسرائيلي حيث لا شرعية لوجود الكيان الصهيوني وبإسقاط أطرافه وبتفتيت الاصطفاف الطائفي.. وهكذا نخرج من التمزق والتناحر ليوضع كل شيء في مكانه.