التفاوض الداخلي الفلسطيني ضرورة
تاريخ النشر : 2019-08-14 14:28

متى اتحد الفلسطينيون سيصبحون لاعبا أساسيّاَ في مشكلة فلسطين والأوضاع في الشرق الأوسط.

منذ ظهور ما يعرف اليوم بالقضية الفلسطينية قبل قرن من الزمن تقريباَ، لم يمر على الشعب الفلسطيني، رغم الاحتلالات والجرائم والاستيطان والمجازر والتهجير، زمن أسوأ وأخطر وأكثر يأسا وأقل إنجازا من العقد الأخير من عمر شعبنا.

عندما سلّمنا الأتراك العثمانيين للاحتلال البريطاني في العقد الأول للقرن العشرين، وبدأ سلب أرضنا وزرع المستوطنات صمد الشعب وكتب سجلّاَ مشرفاَ في كتاب التاريخ. كنّا يومها شعباَ ونضالاَ واحداَ وهدفا واحدا.

وعندما سلّمنا الإنكليز للمؤامرات الصهيونية والأميركية سقينا أرض بلادنا بدم غال. كنّا يومها أيضاَ شعباَ واحداَ ونضالاَ واحداَ وهدفا واحدا.

كذلك خلال سنوات النزوح والنضال التي أخذتنا لعهد منظمة التحرير ممثلاَ وحيدا للشعب الفلسطيني. ثم أرغم نضالنا حكومات العالم كافة للاعتراف بنا وانطلقنا في ثورات وانتفاضات الشعب على الأرض الفلسطينية. كنّا لا نزال شعبا واحدا ونضالا واحدا وهدفا واحدا. وبالرغم من كل الأخطاء والخطايا أجبرنا العالم على احترامنا والاعتراف بحقوقنا والتغرم بتضحياتنا.

اليوم لسنا وطناً واحداً، ولا شعبا واحدا، ولا نضالا واحدا، ولا هدفا واحدا. ولا أحد يحسب لنا حساباَ، نحن اليوم أعداء بعضنا، وحلفاء أعدائنا، وكلنا والغ في دم شعبنا وكرامته وحريته. فهل ينفعنا رضاء أميركا أو تسهيلات إسرائيل أو أموال المتعاطفين؟

ينظر الشعب الفلسطيني اليوم حوله لشعوب عربية تثبّت نظمها السياسية ومبادئ احترام الوطن والمواطن وضمان تداول السلطة. أشهر معدودات من لقاءات تم الاتفاق بعدها أو على طريق الاتفاق على ترسيخ خطوات الانتقال من حال إلى حال. نحن نحرث منذ ثلاثة عشر عاماً للتوصل إلى صيغة طريق تعيد الوحدة لشعبنا ووطنا. ما الذي يملكه القادة والسياسيون في تونس والسودان والجزائر ولا يملكه قاداتنا؟

نجحت القيادات والأحزاب السياسية والنقابات والقوات المسلحة في تلك البلدان العربية باتباع الخطوات الأهم لإعادة الحكم إلى الشعب، وليس للمصالحة والتقاسم. وهي الاتفاق على برنامج مشترك، ثم اختيار شخصية مستقلة لاستلام الحكم لمدة قصيرة يتم خلالها الترتيب لانتخابات تشريعية ورئاسية، ومن ثم تشكيل حكومة وفق نتائج الانتخابات تحكم البلاد.

أليس ذلك ما فعله الفلسطينيون بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات؟ التفسير الوحيد لفشل قياداتنا الحالية واضح ولا يحتاج إلى عناء، وهو أن تلك القيادات الحالية لا تريد أن تتنازل عن سلطة اكتسبوها بالسلاح أو الإرث.

الحقيقة المؤلمة هي ليست عجز الفصائل الفلسطينية عن التوصل لاتفاق، بل هي تصميم الفصائل الفلسطينية على عدم التوصل إلى اتفاق

الحقيقة المؤلمة هي ليست عجز الفصائل الفلسطينية عن التوصل لاتفاق، بل هي تصميم الفصائل الفلسطينية على عدم التوصل إلى اتفاق

يخسر القادة الفلسطينيون بطرفيهم الرابطين على حكم شعبنا نصف قوتهم وحججهم ومنطقهم في أي مفاوضات عندما يفاوضون باسم جزء من الشعب وقطعة من أرضهم ولا يمثّل أحدهم كل فلسطين أو كافة شعبها.

يخسر القادة الفلسطينيون بطرفيهم أيضاَ في جنوب ما تبقى لنا من وطن وشماله، باقي ما تبقى له من قوة وحجج، من حيث أن مفاوضيهم يدركون أن تلك القيادات الفلسطينية قد انتزعت الحكم انتزاعاَ، والشعب الفلسطيني لم ينتخب أو يختار أيّاَ منهم، اللهم إلاّ توافقهم جميعاَ على منصب الرئيس الفلسطيني.

تسعد إسرائيل بالتفاوض مع وفدين فلسطينيين، أحدهما بشكل مباشر، والثاني من وراء حجاب. يمثلان شعبا واحدا منقسما، ووفق أجندات وملفات مختلفة لكل منهما. مغلّفة بتكرار مطالب شعارية، مثل الانتهاكات للمسجد الأقصى والقدس والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات.

تتطرق المفاوضات الحقيقية التي يمارسها الطرف الفلسطيني بشقيه الجنوبي والشمالي مع إسرائيل إلى ملفات أخرى متنوعة أكثر أهمية، مثل إدخال البترول والكهرباء، وإعادة الأموال التي تصادرها إسرائيل، وحسم ديون الكهرباء الإسرائيلية للضفة الغربية، وإدخال أموال التبرعات، وفتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد البحري، ووقف هجمات البالونات الحارقة.

هل يناقش الطرفان الفلسطينيان مع الجانب الإسرائيلي شروط إعادة اللحمة للشعب والأرض الفلسطينية؟ أو استكمال قرارات اتفاق السلام الذي وقّعته إسرائيل مع السلطة الوطنية الفلسطينية؟ أو كيفية الإعداد لانتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية؟ أو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تدين الانتهاكات الإسرائيلية؟

ليس بالطبع لأن الاتفاق على إثارة هذه الملفات قرار فلسطيني داخلي ولا علاقة لإسرائيل به ولا يبدو أن الفلسطينيين بقيادتيهما مهتمين بإثارة هذا الموضوع، بل وليس هناك قناعة فلسطينية أو إقليمية أو دولية بأن للفلسطينيين خطة سياسية أو مبادرة للتفاوض عن الموضوعات الأساس. لماذا يستمر السباق الثنائي الفلسطيني للتهدئة أو للتفاوض مع إسرائيل؟

الحقيقة المؤلمة هي ليست عجز الفصائل الفلسطينية عن التوصل لاتفاق، بل هي تصميم الفصائل الفلسطينية على عدم التوصل إلى اتفاق.

إذا أو متى اتحد الفلسطينيون سيصبحون لاعبا أساسيّاَ في مشكلة فلسطين والأوضاع في الشرق الأوسط، بدلاَ من الجلوس المهين في مدرجات المتفرجين، سوف نصبح أقوى. أقوى في الصدام أو في التفاوض.

وإذا أو متى توافق الفلسطينيون على سيادة القانون، سيزدادون قوة. وإذا اختار الشعب الفلسطيني قيادته بانتخابات نزيهة سيطمئن لحياته وعيشه وأهدافه وسوف يحترمه العالم بأسره.

عندما تعمل الفصائل والأحزاب لمصلحة الشعب وليس لمصلحتها الشخصية سوف يدعمها المواطنون. الفصائل والأحزاب التي تبحث عن حلفاء في الجوار أو البعد للاستقواء على بعضها البعض لا تستطيع حماية الشعب، وغير قادرة على تحقيق أهدافه، لا بالتفاوض ولا بالسلاح.