الخليج العربي.. العقدة والمصالح
تاريخ النشر : 2019-08-06 19:14

تبدو الأوضاع على ضفتي الخليج العربي هي التكثيف الأعلى لأزمة الأمة العربية والإسلامية بكل عناوينها التجزئة والتبعية والتدخل الأجنبي.. وهذا المشهد هو الوضع المثالي لاستمرار حضور المصالح الاستعمارية في المنطقة والأمة وحتى يتغير هذا المشهد الى عكسه بمعنى ان تصبح لدينا حالة عربية تكاملية متآخية ومستقلة وذات سيادة فان هذا يحتاج إلى تغيير عقليات وعقائد ورؤى وعمل جبار على الصعيد النفسي والعقلي والمادي وهو ما لا يمكن حدوثه في المدى المنظور لذلك يبدو الحديث الأكثر وجاهة هو الذي يعالج عقدة الراهن ويضع تصورات بأقل الخسائر لكل طرف في الخليج.
سعت الدول والإمارات والسلطنات العربية في اقليم الخليج باستثناء اليمن الى تشكيل مجلس تعاون خليجي يتم فيه تنسيق المواقف والسياسات تجاه دول المنطقة وقضاياها وترتيب ايقاع العلاقات بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية.. لكن مجلس التعاون الخليجي لم يكن مهيئا لتعميق البناء الداخلي على صعيد المجتمع والمؤسسات نظرا لتباينات موضوعية وذاتية بين دوله..فدولة مثل الكويت برلمانية وفيها حرية الصحافة وتعدد الأحزاب والتيارات الفكرية تقابلها دول مغلقة بأمير او ملك يعتبر المواطنين رعيته والثروة ملكه في غياب حريات الصحافة و عدم السماح بوجود الأحزاب و قمع الرأي الآخر.. لذلك لم يكن هذا المجلس الا لجنة من المسئولين الأمنيين والسياسيين للتعامل مع الخارج وعندما واجه المجلس تحديات بينية صغيرة تشظى وتلاشى ولم يصمد في مواجهة التحديات الداخلية او الخارجية وتناثرت مواقفه فعاد كأنه لم يكن ولم يتبق فيه الا مؤقتا البحرين والسعودية على اعتبار ان البحرين حديقة الترفيه الخلفية للسعودية ريثما تنجز هيئة الترفيه في السعودية هياكلها ومشاريعها..
لا يمكن إدراج دول الخليج وسلطناته تحت التعريف العلمي لمصطلح الدولة فهو اقرب الى نظام القبيلة المسيطرة على رقعة من الجغرافيا تدير أمورها بالريع الاقتصادي وهنا بالضبط تكمن عقدة الخليج التي تفسر كل التصرفات والسلوكات التي تبديها دول الخليج تجاه الآخرين وتجاه بعضها بعضا.. ومن هنا كان تعامل الأمريكان مع هذه المشيخات بنظرية الحلب التي أفصح عنها الرئيس الأمريكي ومنهجية الاستفزاز بصنع بعبع خوف مستمر لها مرة الناصرية ومرة الشيوعية ومرة إيران وبعدها العراق والآن إيران والحركات الإسلامية وتسلم هذه المشيخات اذنها لمراكز البحث والتحليل في واشنطن تتلقى منها الاستشارات والخطط والتي تمعن في تهويل الأخطار المحتملة ضد العائلات الحاكمة.
كانت دول الخليج على مدار عشر سنوات تعتبر ان العراق خطها الأمامي في مواجهة تحرك الثورة الإيرانية ودعمته بقوة لإسقاط الحكومة الإيرانية.. ثمان سنوات من الحرب الرهيبة التي ألحقت خسائر فادحة على الجانب العراقي والإيراني توقفت الحرب على غير إرادة من الأمريكان والغربيين المستفيدين المباشرين لاستمرار الحرب والمشعلين لها والمحافظين على استمرارها.. حينها أسرعت الإدارات الغربية والأمريكية بالذات الى إشعال حرب جديدة جرت اليها المنطقة كلها لتدمير العراق بأموال العرب فسقط الخط الأمامي لدول الخليج في مواجهة إيران وأصبحت هذه الدول في تسارع مع الزمن لتحجيم التمدد الإيراني وإرباكه واستنزافه فكانت حرب سورية والعراق واليمن الداخلية فأنفقت دول الخليج مئات مليارات الدولارات لإخراج إيران وحلفائها من سورية والعراق واليمن.. والمعركة مستمرة ملتبسة في الدول العربية الثلاث لم تحسم بعد لدخول عوامل اخرى في المشهد على رأسها الروس ومطامعهم وسياستهم الدولية المستحدثة.. وهنا تتعقد أدوات الاشتباك وتضطرب آليات الصراع ولم يبق في مجلس التعاون الخليجي سوى السعودية فقط في مواجهة التحديات الكبيرة في اليمن والعراق وسورية بعد ان انسحبت الإمارات من اليمن ومن سورية والعراق وانصرفت لتفاهمات امنية إستراتيجية مع إيران بخصوص مضيق هرمز وباتجاه تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
في مقابل دول الخليج العربية تقف إيران التي تسعى بكل دأب الى امتلاك قوة عسكرية نوعية ومد نفوذها في أكثر من إقليم عربي وتعزيز المليشيات الموالية لها في لبنان واليمن والعراق وكذلك القوى المسلحة السياسية في البحرين وسورية وتفعيل هذه القوى وتحريكها الى درجة التهديد المباشر للمصالح الأمريكية في حال أي عدوان أمريكي على إيران الأمر الذي يعني ان إيران نقلت المعركة الى ساحات أخرى هي بلدان عربية مجاورة للجزيرة العربية بإمكانها إلحاق القلق والرعب في مؤسسات المملكة السعودية..
تدير إيران لعبتها الأمنية في الخليج بناء على المصالح مصالح الدولة الإيرانية الصرفة فبعد ان انسحب الأمريكان من اتفاقية النووي الإيرانية اتبعت الإدارة الأمريكية ذلك بسلسلة من العقوبات للاقتصاد الإيراني المنهك وتصعد الإدارة الأمريكية الأمر شيئا فشيئا في محاولة لجر إيران لتفاوضات جديدة لن يكون التفاهم على الملف النووي أهمها بل حجم دور إيران في المنطقة والموقف من إسرائيل وصفقة القرن.. يجيء الرفض الإيراني والسير مع أمريكا الى حافة الهاوية في محاولة أخيرة لكسب بعض أطراف الإقليم المتضررة من استمرار حالة التصارع مع إيران والتلويح بمخاطر تتهدد جميع من في المنطقة من خلال أنصارها المنتشرين في البلدان العربية المحيطة.. وبالفعل أتت سياسة إيران أكلها فهاهي الإمارات العربية تنسحب من الموقف السعودي وتجري مفاوضات وتتوصل الى اتفاقيات مع إيران الى درجة ان مدير مكتب الرئيس الإيراني أكد على ان الإمارات ترغب فعلا في التوصل الى اتفاقية مع إيران.
تفكك مجلس التعاون الخليجي وتفكك التحالف العربي و وبقيت السعودية وحدها في مواجهة أخطار محدقة حولها.. وهذه النهاية خططت لها امريكا بإتقان بالإضافة الى الضغوط القضائية والبرلمانية تجاه السعودية ليتكامل الابتزاز الى حده الأعلى كي تتحول كل إمكانات البلد الكبيرة الى الخزينة الأمريكية التي تشكو من جوع حقيقي اذ بلغت الديون المستحقة على الخزينة اكثر من 15 تريليون دولار.
هذا هو المشهد الذي يدعو دويلات الخليج الى التنازل عن القدس والتساوق مع صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل ولكن مشكلتهم ان الصهاينة لا يكتفون بحد معين بل سيطلبون منهم المزيد ومن يدري فقد يكون العودة الى خيبر عما قريب هدفا معلنا.. حفظ الله الأمة ونجاها من شر المخططات الأجنبية