الانتقال السوداني.. وكونفدرالية الدولَتين!
تاريخ النشر : 2019-07-28 14:39

إعلان «قوى الحريَّة والتَّغيير»، الصَّادر في الأوَّل من يناير 2019، أَولى، ضمن مهام الفترة الانتقاليَّة المرتقبة، «أهميَّة خاصَّة للعلاقة مع دولة جنوب السُّودان». وفي التَّاسع من يوليو الجَّاري مرَّت الذكرى الثامنة لتفعيل نتائج استفتاء السُّودانيِّين الجَّنوبيِّين بشأن تقرير مصيرهم في ما أضحت تُعرف، منذها، ب «دولة الجَّنوب» التي ما لبثت أن غرقت، للأسف، في أتون احتراب أهليٍّ لا يبقي ولا يذر، تسبَّب فيه من كانوا قد تسبَّبوا، أصلاً، في فصل هذا الجزء العزيز من السُّودان!

لذا، وعلى الرغم من أن نسبة التَّصويت لمصلحة ذلك «الانفصال /‏ الاستقلال» بلغت، وقتها 98.83%، فإن الذِّكرى مرَّت بلا احتفال رسمي أو شعبي، وهو ما ينطوي، دون شكٍّ، على دلالة لا تخفى، حيث ما ينفكُّ النَّدم ينهش ضمائر مَن دفعوا باتِّجاه الانفصال، وهللوا له، قبل أن يفيقوا على مشهد جُّثث الرِّفاق والرَّفيقات مثقوبة يعبرها الهواء، كالغرابيل، برصاص الرِّفاق والرَّفيقات، ومنثورة، تنهشها الضَّواري والجَّوارح عبر شوارع المدن وتعرُّجات الأحراش!

لكن، ولأن البكاء على اللبن المسكوب غير مجدٍ، فلا مناص من امتداد الأيدي الرَّحيمة لإطفاء هذا الحريق الوطني، وما اشتعل منه في دارفور والمنطقتين، وحول حزام السَّافانا المرشَّحة أكثر من غيرها لهذا الخراب، وبالأخصِّ «أبيي» التي جُحِدَت «مشورتها الشَّعبيَّة»، فما أجريت، كما كان ينبغي، بالتَّزامن مع الاستفتاء ودستور 2005، بحسب «نيفاشا»، فهل ثمَّة ما يبعث، الآن، على أمل جديد؟!

للإجابة ننظر في تقارب قبيلتي «المسيريَّة» الشَّماليَّة و«دينكا نقوك» الجَّنوبيَّة، حيث غلبتا مصالح المجتمعات المحليَّة في التَّعايش السِّلمي. فقد أوردت الأنباء، أواخر 2016، تأسيسهما لسوق مشتركة، ومواصلتهما لحوار اجتماعيٍّ يستديم سلاماً أهليَّاً بالمنطقة، علماً بأن تلك «الصِّيغة الشَّعبيَّة» لا تقتصر على ثنائيَّتها، بل تفتح الباب للكيانات الإثنيَّة الوطنيَّة، شمالاً وجنوباً، وبعرض كيلومترات حزام السَّافانا ال 750 غرباً وشرقاً، عملاً بمبادرة كنَّا طرحناها لما أسميناها «كونفيدراليَّة الدَّولتين المستقلتين آدم»، ونعيد اقتراحها كجزء من استحقاقات الفترة الانتقاليَّة، على النحو الآتي:

(1) في المستوى الرَّسمي:

(1/‏أ) تنشئ الدَّولتان «اتِّحاداً كونفيدراليَّاً» بينهما، أساسه سوق مشتركة، وعملة موحَّدة، وجنسيَّة مزدوجة جزئيَّاً:

(1/‏أ/‏1) تكون لهذا الاتِّحاد أجهزة مشتركة لخدمة قضايا محدَّدة.

(1/‏أ/‏2) تشرف على عمل هذه الأجهزة مفوضيَّة خاصَّة.

(1/‏أ/‏3) تكون لهذه المفوضيَّة رئاسة وأمانة عامَّة تداوليَّتان.

(1/‏أ/‏4) تكون «أبيي»، التي ستتمتَّع، بعد مشورة أهلها، بشكل من الحكم الذَّاتي، سواء أتبعت إلى الجَّنوب أو إلى الشَّمال، منطقة تمازج، وعاصمة إداريَّة للاتِّحاد.

(1/‏ب) تعمِّم الدَّولتان حُرِّيَّات «التَّنقل الإقامة العمل التَّملك»، داخل الاتِّحاد.

(1/‏ج) وتتَّفقان، بالنِّسبة لمن لن تشملهم الجِّنسيَّة المزدوجة، على امتناع «الدَّولة السَّلف» عن إسقاط جنسيَّتها عمَّن اكتسبوها بالميلاد أو التَّجنس، قبل حصولهم على جنسيَّة «الدَّولة الخلف» بالاختيار، تفادياً لخلق حالة «البدون».

(1/‏د) وتتَّفقان، بالنِّسبة لمن ستشملهم الجِّنسيَّة المزدوجة، على مراعاة أولويَّة منحها للمجموعتين الآتيتين:

(1/‏د/‏1) الشَّماليون الذين ارتبطت حياتهم بالجَّنوب، والجَّنوبيون الذين ارتبطت حياتهم بالشَّمال، تزاوجوا أو لم يتزاوجوا. إحساس هؤلاء بتهديد الانفصال لمصالحهم يفضي إلى التعانف والاحتراب.

(1/‏د/‏2) القبائل الحدوديَّة بين الدَّولتين، غرباً وشَّرقاً، ويقدَّر تعدادها ب 9 ملايين شمالي، و4 ملايين جنوبي. فإذا علمنا، مثلاً، أن قبيلة المسيريَّة الشَّماليَّة الموزَّعة على 9 أفرع، والبالغ تعدادها زهاء ال 135 ألف شخص يمارسون الرَّعي، ويمتلكون 10 ملايين رأس من الأبقار التي ترتبط حياتها بالتوغَّل، في موسم الجَّفاف، وراء الماء والمرعى، إلى الجَّنوب من «بحر العرب»، و«بحر اللول»، وصولاً إلى بانتيو، لأكثر من 6 أشهر في السَّنة، وفي مناطق تتبع لقبيلة دينكا نقوك الموزَّعة على 9 أفرع، أيضاً، والبالغ عدد أفرادها زهاء ال 75 ألف نسمة يمارسون الرَّعي، كذلك، إلى جانب الزِّراعة، فضلاً عن التِّجارة في مدينة أبيي، لأدركنا حجم الخطر الذي يمكن أن ينجم، غداً، عن اصطدام الرُّعاة المسيريَّة بحقيقة انعدام «رحلتهم الجَّنوبيَّة» لحظرها غير المستبعد من جانب حكومة الجَّنوب!

صحيح أن قاعدة القانون الدَّولي التي نبَّه إليها تحكيم أبيي في لاهاي، هي أن القبائل الحدوديَّة ينبغي ألا تضار من أيِّ ترتيبات بين دولتين. لكن هذه القاعدة التي تُنطق بإيجاز قد يحتاج تطبيقها ربَّما إلى عقود من التَّفسير، والتَّقاضي، والسِّجال الدِّبلوماسي في منظمات إقليميَّة ودوليَّة، وهو ما لا يُتصوَّر أن يتحمَّل المسيريَّة انتظار نتائجه، وهم ينظرون إلى الآثار الكارثيَّة المدمِّرة لحرمان قطعانهم من الماء أو الكلأ!

(2) في المستوى الشَّعبي:

(2/‏أ) يجري دفع شعبي واسع، في كلتا الدَّولتين، باتِّجاه تحجيم الانفصال، ومحاصرته في مستوى «قمَّة الهرم»، بحيث لا تتأثر به «قاعدته» إلا في أدنى الحدود.

(2/‏ب) ولأجل هذا يجب استنهاض حركة واسعة تستوعب النَّشاط المدني الهادف، في كلتا الدَّولتين، لتوحيد الطموحات الشَّعبيَّة، وتوجيهها نحو غايات واحدة.

(2/‏ج) في هذا الإطار، ولأجل الدَّعم النفسي بهذا الاتجاه، يجري تنسيق جهود الاتِّحادات الدِّيمقراطيَّة لعمَّال البلدين، ومهنييهما، ومبدعيهما، وطلابهما، ورياضييهما، وما إليهم، خصوصاً على صعيد المشاركات الخارجيَّة. عن الخليج الإماراتية