ما هو مفهوم \"دولة إسرائيل\"
تاريخ النشر : 2014-07-07 00:36

\"أن مفهومك لإسرائيل له علاقة بالحرب والسلم فإما أن تصوغ هذا المفهوم بالقوة وتفرضه على الجميع ليتعامل معه الجميع أو أنك تتعامل مع مفهوم اسرائيل كما صاغته شروط التأسيس ويفرضه الطرف الآخر والأمر ليس لعبة ولا حذلقة ولا تحسمه نقاشات المنتديات ولا المراجع والنصوص.\"

فحتى عام 1967م كان الفلسطيني يُعرف إسرائيل بأنها دولة مسخ نشأت على جزء من الأراضي الفلسطينية ويتعارف الفلسطينيون والعرب على هذه الأراضي بأنها أراضي مسلوبة وتعرف بأراضي 1948م.

هنا يتم حصر المسألة جغرافيا كما توارث العقل الفلسطيني دون تبصر كاف

نقول دون تبصر لأن الوعي والثقافة الفلسطينية كانا على اطلاع بكل ظروف نشوء إسرائيل ابتداء من الفكرة وحتى الشروع في ارهاصات التأسيس والتأسيس في العهد العثماني البغيض و ما قبل الإنتداب البريطاني وأثناءه.

هنا يتوجب أن نقول أن تعريفنا لإسرائيل في تلك الفترة جاء كما صاغته عمليا أمام عيوننا بساطير قواتهم العسكرية ، حيث أن الجغرافيا هنا تحددت من قبل العدو بقوة السلاح . ذلك أن العدو قبلها لم يكن يملك أية جغرافيا في بلادنا فحتى عام 1948 استولى الصهاينة على مليوني دونم من أصل سبعة وعشرين مليون ومئة وسبعة وعشرون الف دونوم تقريبا موزعة هنا وهناك ولم تكن تشكل جغرافيا بل ملكية عقارية فقط وقد تم تهويدها .

هو عدو مستجلب من الخارج وقام بعمليات قضم وتهويد هنا وهناك ثم انتقل إلى صياغة الجغرافيا لاحقا وفي الوقت الذي حددته شروط تلك المحطة وكانت بزعامة بريطانيا وأمريكا .

كانت حرب 1948 هي المسؤولة عن فرض الجغرافيا بمعناها الدقيق وكانت حربا اقتلاعية واستعمارية ومدعومة بالقوة العسكرية والتجهيزات البريطانية ووفقا لخططها في تتبع المشروع الصهيوني ونموه ووفق خططها الحربية وبسلاحها كذلك .

غير أن تحديد الجغرافيا كما في حرب 1948م ومع انه تم بالقوة ، إلا انه لم يكن متطابقا مع الصكوك التي اسست إسرائيل بناء عليها .

إسرائيل لم تكن دولة مجاورة ولا موجودة أصلا لا بشريا ولا سياسيا قبل صكوك تأسيسها ، وعندما حازت على الجغرافيا فمن أجل أن توجد، وهي لم تنشأ في مكان آخر ، وهي لم تأت على شكل زحف قوات من الخارج (كما المغول مثلا) أو قبائل وجيوش نزحت من مكان وقامت بفتوحات في الأراضي المجاورة .

هي رسميا بدأت من وعد بلفور عام 1917م الذي نص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وصك الإنتداب 1922م الذي خوّل بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور

هذا التحديد لا يتعارض مع المرحلة التي سبقت ذلك في العهد العثماني وخاصة عهد السلطان عبد الحميد سيء الصيت والسمعة . المقصود هنا الترسيم الدولي من خلال وعد بلفورر الذي وافقت الدول الأوروبية وامريكا عليه قبل صدوره ثم الترسيم الدولي بقرار عصبة الأمم عام 1922 والذي تم من خلال صك الإنتداب .

الترسيم هنا كذلك شمل وضع حدود لفلسطين تعرف بالحدود الإنتدابية .

دلالة ذلك أن تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين يعني جغرافيا في حدودها الإنتدابية التي تمثلها خارطة فلسطين التي يُعرفها البعض بأنها خارطة فلسطين التاريخية .

إذن فرْض الجغرافيا عام 1948 م لم يكن نهاية المطاف بل كان مجرد محطة في سياق تنفيذ المشروع الصهيوني كما صكوك تأسيسه . آخذين بعين الإعتبار أن قوة العدو هي التي حددت الجغرافيا . وأن مفهوم إسرائيل الذي تعاملنا به منذ 1948م هو قد نتج عن حدود القوة العسكرية والطاقات الإستيعابية للصهيونية كما كانت عام 1948 وكما فرضها وحددها ووصل اليها العدو في ذلك الوقت .

ولو كنا نحن فرضناها أو ساهمنا في تقييد قدرات العدو في تحديد الجغرافيا لكان ربما لنا ان نتعامل مع المفهوم كأمر واقع ساهمنا في تحديده .

هي حدود قوة العدو وطاقاته البشرية والإقتصادية ولم يكن أمامه جيوش تحارب وأما جيوش الدول العربية فكانت كذلك بقيادة الإنجليز وتحت السيطرة .

تقدم المشروع الصهيوني المعادي لشعبنا عام 1967 وقد تقدم بالقوة العسكرية. ووقفت القوات العسكرية حيث تريد وبلا منازع وعلى كافة الجبهات وأصبحت هناك خارطة جديدة تديرها إسرائيل مدعمة بقوتها العسكرية وشملت كل فلسطين كما شملت كل سيناء وجزء كبير من هضبة الجولان وأراضي أردنية .

يهم الموضوع هنا الأراضي الفلسطينية . حيث باشرت إسرائيل في تهويد القدس بعد ضمها كما باشرت في استعادة أراضي كفار عصيون واهدمت القرى الثلاث وهجرت سكانها .. أي باشرت في استكمال برنامج المشروع الصهيوني في فلسطين كلها وفي الجزء الذي احتلته عام 1967 ووفقا لطاقتها الإقتصادية والبشرية محمية بالقوة العسكرية من جهة الحدود ،ومدعمة بالقوة العسكرية في الداخل الفلسطيني في الضفة والقطاع ومع القوة العسكرية يعمل المال والسماسرة وقانون الطواريء والمحاكم العسكرية والسجون ومخلفات الحكم الأردني فيما يخص الأراضي والتعامل مع الأراضي .أي هي التي أعادت تحديد الجغرافيا وفقا للحدود المعروفة بالحدود الإنتدابية وتصرفت منذ اليوم الأول على هذا الأساس .

كان تصرفها استكمالا لمشروعها وفق مواثيق وصكوك التأسيس ووفق الحدود التي رسمت لإقامة مشروعها عليها مدعومة بالقوة العسكرية .

وكان الرفض الفلسطيني يرفض هذا المشروع برمته وعلى كل الجغرافيا الفلسطينية .

كان تأسيس وإرهاصات المقاومة المسلحة الفلسطينية بعد عام 1948 تعبيرا عن رفض الوجود الصهيوني على أراضي فلسطين عام 1948م وبعد ذلك تأسس ما يعرف بالثورة الفلسطينية المعاصرة والتي رفعت شعار تحرير فلسطين المحتلة عام 1948م ثم وبعد عام 1967م رفعت شعار تحريرها من النهر إلى البحر رفضا لنتائج الحروب ومن أجل دحر العدو وتطهير الأرض الفلسطينية كلها ، وظهر عنوان التحرير الشامل ...

عقل الرفض الفلسطيني ظل يعرف فلسطين بأنها كل الأراضي المتعارف عليها بالحدود الإنتدابية الواقعة بين الأردن شرقا والبحر المتوسط غربا ، وانها كلها لنا دون انتقاص وكان يسميها الوطن السليب وتحريرها يملأ عليه كيانه كله .

هنا كان الصراع محتدما وهو بالطبع ليس صراع حدود بل هو صراع من أجل الوطن إما لهم وإما لنا ، بينما هم يستولون على الجغرافيا كلها ويقومون بالقضم والتهويد والإستيطان ، ونحن نقاوم من أجل طردهم وإزاحتهم عن كل الحيز عن كل الجغرافيا .

وكما صيغت صكوك تأسيس إسرائيل متمثلة بوعد بلفور وصك الإنتداب ووثائق تحديد فلسطين كما صاغت مفهوم إسرائيل ، كذلك صاغ الفلسطينيون والعرب الميثاق القومي الفلسطيني وبعده الميثاق الوطني الفلسطيني وفيه تم تعريف فلسطين وتحديدها وتم تعريف الفلسطيني كذلك وبما يتعارض كلية مع صك الإنتداب ووعد بلفور ويرفضهما تماما ( من يرغب يراجع النصوص)

أين المشكلة في المفاهيم :

بعد حرب عام 1967 برز مفهوم \" إسرائيل \" بما يفيد الدولة في حدودها قبل حرب 1967 بما عرف بحدود الرابع من حزيران أو بما اصطلح عليه الأراضي المحتلة عام 1948م مع بقاء القول بأن فلسطين لنا وأن الصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود . ولكن هذا التعبير هو نوع من التسلل واختراق المفاهيم وتعديل المصطلحات وهو ذو دلالة مفاهيمية نعم ولكنه يؤسس لأبعاد سياسية ومواقف سياسية مما أوجب في حينه معارضته . وكان هذا يتم فعلا من قبل فريق من قادة الرأي والقادة السياسيين الأكثر تنورا والأكثر صلابة والذين اسسوا فيما بعد تيار الرفض الفلسطيني .

ومن أجل ابراز خطورة الأمر نقول : أن من يعترف بإسرائيل مهزوما أو متواطئا أو من باب الوهن المسمى العقلانية ، إنما هو يعترف بإسرائيل كما في نصوص تكوينها المدعمة بقوة جيشها وليس له خيار فرض تعريفه الخاص بما يتعارض مع هذا.

إن من يريد فرض تعريفه لإسرائيل إنما يفرضه على أصوات المدافع والصواريخ ، ليفرضه ليس علينا كما هو حاصل الآن بل على العدو ومساندي العدو .

إن قادتنا السياسيين الرسميين المتنفذين وقادة الرأي المتساوقين معهم ، قد كفوا عن فرض مفهومهم لإسرائيل وحدود إسرائيل ومصالح إسرائيل على إسرائيل وهم يجهدون ليل نهار لدفعنا للقبول بمفهوم إسرائيل كما هي دولة استعمارية أستيطانية واقتلاعية تقوم بتهويد فلسطين من النهر إلى البحر .ويغطون أنفسهم بشارات الثوابت الوطنية وهم عاجزون عن فرضها بل كفوّا عن العمل لفرضها ومنعوا العمل الهادف إلى فرضها وفسحوا المجال للمفاهيم الصهيونية لإحتلال عقلنا .

هنا تكون المهمة خطيرة جدا .

هنا يتوجب مراجعة المفاهيم كما المواقف .لأن المفاهيم الوطنية لا تنعزل عن الفعل النضالي لحمايتها وفرضها .

يتبع