حكومة غزة تترك صاحب الحاجة يقرر.. وعمال يبيعون ذهب زوجاتهم للحصول على تصريح 
تاريخ النشر : 2019-07-23 22:21

أمد/ غزة – نسرين موسى: سجل تجاري تمنحه وزارة الاقتصاد لشابٍ بلغ للتو الخامسة والعشرين من عمره، بالكاد يتوفر له ثمن الرسوم التي دفعها للحصول على هذا السجل، يذهب بعدها إلى وزارة الشؤون المدنية للحصول على تصريحٍ لدخول إسرائيل، وبعد وقت يكون التصريح في جيبه، سرعان ما يتوجه به إلى داخل الخط الأخضر، باحثاً عن فرصة عملٍ هناك، علّه يغادر وأهله مربع الفقر الذي أغرقتهم فيه "سنوات الضياع"، التي عاشوها في زمن الانقسام البغيض.
العدد يزداد و"إسرائيل" تُسهل المرور والعمل لهم، وهي تعلم أنه دخل بتصريح، مسجلاً باسم تاجر، وليس عامل، ما قد يفتح "شهبة" الاستغلال "السياسي – الأمني"!
الوضع الاقتصادي في قطاع غزة له دور كبير في سلوك ذلك الطريق، فلا يوجد أمام الشباب فرص كثيرة سوى البحث عن طرق مختلفة تُخرجهم من النفق المظلم.
"أمد للإعلام" تناول آراء عدد من المحللين والمواطنين والتجار في موضوع بات مصدر قلق وأرق، لأن عدد الباحثين عن سلوك ذلك الطريق في تصاعد.
*محلل اقتصادي: حكومة غزة تترك الأمر لصاحب الحاجة يقرر
يقول المحلل الاقتصادي معين رجب لـ "أمد": "إسرائيل ليست صريحة في التعامل معنا، وتعلم أنها تدخل العامل تحت مسمى تاجر، وسمحت بخفض السن إلى 25عاماً بدلاً من 40 عاماِ، وهي معنية بذلك، ومطلوب من العامل تجهيز نفسه بصفته "المنتحلة" كتاجر يمارس التجارة من استيراد وتصدير"
ويضيف رجب: "في الأصل يجب أن نتعامل مع بعضنا نحن الجانبين بشكل شفاف وواضح، ماذا يمنع لو سمحوا لهذه الفئات الدخول بصفة إنسانية؟، نعلم أن إسرائيل لا يعتمد عليها ولا تفي بوعودها، وأن الحاجة تدفع الناس إلى ذلك، وربما تستغل هذا الوضع للحصول على معلومات منهم، فنحن نعلم أنها تبتز من يدخل عبر معابرها"
ويطالب رجب "حكومة حماس" بغزة، بضرورة المتابعة و"آلا تترك الأمر لصاحب الحاجة يقرر، ونحن لدينا نسبة بطالة عالية، وهي بالتالي لا تغلق الأبواب أمام الباحثين عن العمل، لكن نحن نتعامل مع عدو يبتزنا".
ويشدد رجب في حديثه، على أنه "يجب أن يكون هناك دور لمنظمات حقوق الإنسان، خاصة مع وجود اعتقالات كثيرة تحدث في جانب العمال على معبر ايرز".
وفي رده على سؤال لمواطنين، بإن "حكومة غزة تجني ما قيمته أربعين مليون شيكل جراء تلك السياسة"، يردف رجب:" هذا رقم تقديري لا نستطيع التعليق عليه، فكلما زاد عدد العمال يزيد الأجر".
وفي اتصال هاتفي مع الحقوقي د. فضل المزيني، لسؤاله إن كان هناك اعتقالات في صفوف العمال، أو يتم استجوابهم كما قال المحلل الاقتصادي رجب، أجاب لـ "أمد":" لم نصادف أي حالة في هذا الموضوع، خاصة أن المواطن يقوم بتلك العمليات بطريقة سرية".
المحلل السياسي د. عماد محسن يرى، "أن الشباب الغزي فقد الأمل في المستقبل، وانهارت أحلامه تحت وطأة البطالة والفقر، وتبددت آماله في الحصول على فرصة عملٍ في غزة، ومع انسداد فرص الهجرة إلى الخارج، باتت الأنظار تلتفت إلى العمل داخل الخط الأخضر، حيث فرص العمل المتاحة والأجور المرتفعة قياساً بالأجور في غزة". 
ويضيف محسن في حديثه لـ "أمد": "لا سبيل أمام الفصائل سوى التوحد، ومحاولة إنقاذ هذا الجيل، وتعزيز صمود الشباب من خلال إيجاد فرص عمل كريمة، قبل أن تنعدم الخيارات ويضيع هذا الجيل ومعه قضيته الوطنية".
*العامل سيخسر
يقول التاجر ناصر بربخ لـ "أمد": "العامل يتعرض إلى الابتزاز وليس لديه خيارات أخرى، وقد يضطر إلى بيع ذهب زوجته للحصول على تصريح يُدخله إلى "إسرائيل" بمسمى تاجر، وأحياناً يتم الرفض بذريعة أمنية، ناهيك عن حرمانه من امتيازات العامل الموجودة في قطاع غزة، مثل التامين الصحي والشؤون الاجتماعية ومساعدات وكالة الغوث".
ويتساءل بربخ في ختام حديثه: "لماذا لا تقوم الجهات المختصة بالضغط على إسرائيل لإصدار تصاريح عمال؟".
ولا يرى المحلل الاقتصادي د. ماهر الطباع في حديثه لـ "أمد"، أي خسائر نتاج ذهاب العمال الى "السوق الإسرائيلي"، فالذي يعمل هناك يجني يوميا 500 شيكل ولذا لن يبحث عن مساعدات وكالة الغوث وغيرها.
*مواطنون: الموضوع يحتاج إلى اهتمام ووعي كبير
السيدة أم فادي عوض من غزة ترى، أن "الموضوع يحتاج إلى اهتمام ووعي كبير من شبابنا، الذين نسوا أنها خطوة من خطوات تمرير صفقة القرن، حيث يتم الاستغناء عن وكاله الغوث، وتعمل على تعزيز الهجرة من غزة، واشغالهم بموضوع العمل داخل أراضي 48".
وتطالب عوض بحملة توعيه واسعة النطاق بين الشباب في قطاع غزة".
وفي تعقيب له على تدوينه تناولت الموضوع يقول المتابع نضال أبو شمالة:" إن موضع السماح للجيل الصغير، وبأعداد كبيرة بدخول الخط الأخضر أمر حساس وخطير للغاية، ومبرمج ومُعد له إعداد جيد من قبل أكثر من جهة في إسرائيل، أهمها جهاز الشين بيت (الشاباك) وشعبة الاستخبارات العسكرية وما يسمى بمنسق شئون الحكومة في المناطق، إضافة إلى وحدة الإعلام الرقمي في الإدارة المدنية الإسرائيلية من خلال ما يعرف بمكتب المنسق.
يضيف أبو شمالة: قد بدأت عملية الترويج التي يديرها الشين بيت وشعبة الاستخبارات العسكرية، من خلال استخدم الاعلام الرقمي، وخاصة الفيس بوك باستخدام منصاتها الإعلامية الممولة مثل مكتب المنسق، وجميع الصفحات التي تستعرض حجم المعاناة التي يعانيها سكان قطاع غزة، جراء الحصار وأعمال المقاومة (الأعمال الإرهابية كما تصفها تلك الصفحات).
يتابع أبو شمالة: "إن مديري تلك الصفحات وجدوا من اجل خدمة أبناء قطاع غزة من يريد تصريح عمل، تحويلة علاج، مساعدة مادية، رفع الحظر الأمني عنه، وغيرها من خدمات تدغدغ مشاعر الذين ضاقت عليهم الدنيا، وتحاكي الأوضاع المعيشية الصعبة، لتبدأ معها التعليقات والحوارات على الخاص، والمتابعين في شعبة الاستخبارات يحللون كل كلمة وما بين سطور التعليقات، ثم تنتقل الى مرحلة الاستدراج، والاسقاط الأمني في براثن الشين بين وبين مخالبة، كل هذا بحجة التخفيف عن سكان قطاع غزة ".
يختم أبو شمالة:" ولكن هذا حق يراد به باطل، وإنما الأهداف الحقيقية وراء تلك الحملات الإعلامية الإسرائيلية، والتي تبعها بالفعل إجراءات تسمح بدخول أعداد من العمال للعمل داخل الخط الأخطر، تهدف إلى تحقيق عدة أهداف أهمها:
"-استغلال حاجة العوز لدى الجمهور الفلسطيني، وإسقاط ما يمكن إسقاطه من أبناء شعبنا، ناهيك عن إفراغ المجتمع الفلسطيني من الكادر البشري، وطمس الروح الوطنية وقتل الإرادة الفلسطينية، وتدجين الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تنفيذ سيناريو صفقة القرن بشكل متدحرج".
ويقول أبو شمالة، "لسنا ضد العمل والكسب داخل الخط الأخضر، ولكن مطلوب توخي الحذر وخلق حالة تعبوية وطنية للشباب والعمال والتجار بالأهداف المسمومة، التي تقف خلف تلك التسهيلات الاسرائيلية الخبيثة، كما ويتوجب على منصات الاعلام الرسمية والفصائلية، ومؤسسات المجتمع المدني واتحادات العمال وخطباء المساجد ووزارة الداخلية وأجهزة الامن وكل المثقفين، القيام بحملات توعوية ضد صفحات المنسق والصفحات الاستخبارية، وصفحات الشين بيت الممولة المنتشرة على موقع الفيس بوك".
ويقول المواطن محمد عوض من غزة: " فتح السجل التجار سيعرضهم لقطع معونات وكالة الغوث، وما يجهله الكثيرون منهم الآثار القانونية المترتبة على فتح هذا السجل، والجزاءات التي تترتب على عدم مراعاة أحكام السجل، وعدم درايتهم بكيفية تنظيم وإدارة هذا السجل، سيجعلهم بعد مرور عام أو أكثر أمام مطالبات مالية ضخمه من الجهات المختصة، وسيجدون أنفسهم غرقى التزامات ومطالبات لم يحسبوا لها أي حساب ولم تخطر ببالهم".
يختم عوض: "لذا يجب على الجهات الوطنية، ونقابة المحاسبين القانونيين عمل ندوات توضح ما لك وما عليك، في حال إنشاء سجل تجاري لأن الأمر خطير وسيترتب عليه سلبيات كبيره تمس الوطن والشخص، صاحب السجل الذي لا يعلم كيفية إدارة هذا السجل.
ويُعلق الكاتب عماد أبو ستة في تدوينه له على الأمر ويقول: " إسرائيل تعلم أن هذا الكم الهائل من أسماء التجار غير صحيح، ورغم ذلك تمرر هذه الأسماء بل زادت العدد الى 5000 اسم".
لماذا إسرائيل لا تفتح باب العمل للعمال بشكل واضح؟، كل ذلك يتم تمريره باتفاق تلاقي المصالح من ناحية تخفيف العبء، وتقليل كشوفات مساعدات الوكالة وإنهاء خدماتها للكثيرين، وبالتالي يتم الاستغناء عن عملها بمحض إرادتنا، وهذا الدور هو أساسي لقضيتنا وفى المستقبل لن ترى إلا عدد قليل جدا ممن يستفيدون من هذه المنظمة الدولية، والتي يتم الضغط عليها دوليا لإنهاء عملها ودورها".