منطق المحتل أم منطق الثوره
تاريخ النشر : 2014-07-06 13:19

يبدو أن التصريحات غير الشعبية التي ادلى بها عدد من كبار المسؤولين الفلسطينين بما فيهم الرئيس , بهدف حماية الشعب من الذبح على حد تعبيرهم , قد تجاوزت هذا الاطار الى محاولة رسم وترسيخ ثقافة شعبية جديده تفرض على الشعب الفلسطيني , و حتما سيمتد تأثيرها الى الشعوب العربية , مستعينة بسياسة العصا والجزره . عصا الاحتلال والتذكير بالفارق الهائل بموازين القوى معه , وعدم قدرتنا على مواجهته ومقارعته في ظل آلته العسكرية المعززة باعتداءات عشرات الآلاف من المستوطنين , وجزرة الهدوء والاستقرار المعيشي بدعوى عدم جدوى المقاومة والانتفاضة , ونتائجها التدميرية الكارثية على الشعب والوطن .
اقتبس غيضا من فيض هذه التصريحات ,\" الانتفاضة فوضى ولها نتائج تدميرية كارثية على شعبنا !! لا طاقة لنا بقتال اسرائيل ومقاومتها , هدف عملية خطف الأولاد تدميرنا , تدمير السلطة , تحميلنا المسؤولية \". ومن ثم عدد من التصريحات لناطقين رسميين تعتبر ما جرى مسرحية أعدها الاحتلال لتبرير اجراءاته القمعية , ولاعادة احتلال الضفة , وكأن الضفة أرضا محررة لا تصول فيها قواته , ولا يعربد فيها مستوطنيه , في كل وقت وكل لحظه , في محاولة للايحاء بأن هذه العمليات حتى لو كانت من صنع مقاومين فانها لا تخدم الا الاحتلال .
ولتكتمل الصورة دعونا نلقي نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي , اذ كلما وضعت صورة لشهيد أو جريح , أو منزل مدمر أو حشد لقوات الاحتلال , او خبر عن عقوباته الجماعية , الا وتجد اكثر من تعليق يشير بأصابع الاتهام الى أن المقاومة هي المسؤولة عن ذلك , تلميحا او تصريحا , ولولاها لكنا بالف خير .
تحميل المقاومة مسؤولية الاعتداءات الصهيونية ليس امرا جديدا على اي حال . تصريحات الناطق باسم جيش الاحتلال في كل اعتداءاته على الدول العربية من غزة الى السموع , منذ 1948 وحتى 1967 , وهي تحمل ذات المعني . وهكذا نطقت منشوراته في اجتياحاته المتكررة للبنان , وما زال يكررها حتى اليوم بأن اعتدائاته هي رد على الأعمال \" التخريبية\" , وهو منذ نشأته يطبق على شعبنا سياسة العقوبات الجماعية . ذات الحجة استخدمتها اجهزة الأمن العربية حين لاحقت رجال فتح مابين 1965 و 1967 تنفيذا لتعليمات القيادة العربية الموحدة , التي اتهمت فتح بالتاءات الثلاث المشهورة المتمثلة بالتوريط والتوقيت والتنسيق , والتي تعني عدم التسيق مع الدول العربية , والتوقيت الخاطئ ,وسعيها لتوريط الدول العربية في حرب غير متكافئة مع العدو , والتسبب في هجماته على القري الحدودية . وقد زخرت ادبيات فتح ومبادئها ومنطلقاتها في تلك الحقبة بالرد على ذلك, وتبيان حق الشعوب بمقاومة الاحتلال , وأنه عبر تلك المقاومة فقط يتم تغيير موازين القوى .
ان من شأن هذه الثقافة الانهزامية لو عممت وسادت , أن تنسف منطلقات الثورة الفلسطينية المعاصرة برمتها , وسجلها النضالي بأسره , والتي كان الرئيس احد قادتها , ماذا لو طبقنا ذلك على عملية الدبويا في الخليل ذاتها 1980 , الم يقم العدو بذات الاجراءات القمعية من حصار وقمع واعتقالات وابعاد لرئيس بلديتها وبلدية حلحول وقاضيها الشرعي . الم تتسبب عملية دلال المغربي باجتياح لبنان 1978 . وعمليات المقاومة في الأغوار والجليل في قصف المدن الأردنية , والقرى اللبنانية وتهجير سكانها . وحرب الاستنزاف المصرية و مجزرة بحر البقر . هل نسلم بمنطق الناطق العسكري الاسرائيلي في تبريرة لاعتداءاته المستند الى لغة القوة ومنطق المحتل , ام نبقي على منطق الثورة وارادتها في التغيير .
ان اللوم كل اللوم يجب أن يوجه الى العدو الصهيوني وحده , فالاحتلال والاستيطان وطرد شعبنا وتشريده هو أساس الداء . والمقاومة بكل اشكالها , والثورة بتعبيراتها المختلفة هي رأس كل دواء . واذا كان من لوم اضافي فهو على انحراف الخط السياسي عبر سياسة المفاوضات العبثية التي لا تنتهي , وخواء الرؤية السياسية والاستراتيجية . حسبنا أن نذكر ان الاستيطان في ظل هذه السياسة قد تضاعف مئات المرات حتى كاد عدد المستوطنين في الضفة أن يناهز النصف مليون , جلهم استوطن في ظل مفاوضات السلام المزعوم , ولعلى ازعم هنا ان العدو قد تجرأ في ظل هذه السياسات على ما لم يكن يجرؤ علية في ظل عدم الاعتراف به ومقاومته . فالأولى أن تتجه سهام النقد الى السياسات التي قادت لمثل هذا الوضع , في ذات الوقت الذي يتم فيه استخلاص الدروس والتجارب من المسيرة النضالية بهدف نقدها وتطويرها واستخلاص العبر منها . ومحاربة الاتجاهات التي تهدف الى فرض ثقافة جديده , تزرع نهج الاستسلام والخنوع في ذاكرتنا وعقلنا الجمعي , حين تصبح هبات الشعوب جالبة للكوارث , والمقاومة نظرا لتفوق العدو أمر لا طاقة لنا به , وأعمال المقاومة مسؤولة عن آلام الشعب ومعاناته الناجمة عن تدابيرالعدو .
منذ الحرب العالمية الثانية انتصرت كل حركات التحرر الوطني وثورات الشعوب ضد الاستعمار وتحررت عشرات الدول وطردت المستعمر ونالت استقلالها . بقي شعبنا العربي الفلسطيني , ذلك انه لا يواجه قوة عسكرية محتلة فحسب , بقدر ما يواجه استعمارا احلاليا هدفه ان يحل المستوطن الصهيوني مكان المواطن الفلسطيني , الأرض والهواء وسماء الوطن لا يتسع لكلاهما , اما نحن واما هم . واذا كان شعبنا قد توحد أمام فكرة الدولة اليهودية , ورفضها بالمطلق .تلك الفكرة التي يعني القبول بها اعترافا بأن الصهيوني المحتل , هو صاحب المكان منذ بدء التاريخ وحتى اليوم , ونحن الطارئون المحتلون لأرض غيرنا التاريخية . وصان بذلك تاريخه وحافظ على حاضره , فانه مطالب اليوم برفض تشويه تاريخ ثورته المعاصر , ونسف الأساس الذي تقوم علية المقاومات وقوى التغيير , وترسيخ الشعور يالاستكانة والاستسلام , ورفض منطق المحتل , موقنا بأن شعبنا له الحق مثل كل الشعوب الأخرى في المقاومة ودحر الاحتلال . وهو حق كفلته كل الشرائع والمواثيق .