أجل مؤامرة
تاريخ النشر : 2014-07-06 11:57

سُئل أحدهم «ماذا فعلت في الثورة الفرنسية»؟ فأجاب «لقد بقيت حياً». اتهمت الثورة الفرنسية ابطالها واحداً بعد الآخر. أرسلوا خصومهم إلى المقصلة صفاً صفاً، ثم رأوا رؤوسهم تتدحرج عليها صفاً صفاً. قلَّدتها الثورة البولشفية فوسَّعت دائرة الرمي بالرصاص، واضافت إلى الإعدام منفى سيبيريا، حيث لا يرى ولا ينبت إلاَّ الصقيع.
ثورات العنف تبدأ بالدماء وتنتهي به. لكن للثورة، وحتى للإنفصال، لغة أخرى. سقط الاتحاد السوفياتي وبقايا العتاة في اوروبا الشرقية من دون نقطة دم واحدة. السائل الوحيد الذي أُهرق كان «الليموناضة» التي وزِّعت على المبتهجين بسقوط الستار الحديدي وجدار برلين، وتلك الاسماء المهترئة بالظلم والفساد والدوس على كرامات البشر.
نجت ثورة تونس من الدخول في دائرة العنف. ووضع عبد الفتاح السيسي حداً مبدئياً للانزلاق نحو العنف الكامل. وبقيت سوريا وليبيا والعراق في آبار الدماء وبحيرات القتل. أضاعت الثورات نفسها في تقليد من ثارت عليهم: تمجيد السلطة والعبث بالمال العام. تجاوزت داعش واخواتها شبّيحة النظام السوري في كل الفظاعات لتصل إلى تجاوز السماء والأرض وإعلان الخلافة.
والخلافة كانت مرحلة ذهبية ساد فيها التسامح وعم التعدد وازدهرت العدالة وتقدم العفو. وقد تكاثر التكنّي بعظماء التاريخ فيما الأمة تعيش اصغر مراحلها الإنسانية وتنهار تحت سيف التفتت. ولقد امضيت العمر أسخر من نظرية المؤامرة، مقتنعاً بأن المتآمر الحقيقي هو المنفِّذ، والمؤامرة هي الجهل. لكنني اليوم أميل إلى الاقتناع بأنه لا يمكن إلاَّ أن يكون هناك عقل تآمري خلف نشر كل هذا الدمار والقتل والموت. لا يمكن أن يكون كل هذا النحر، وكل هذا الانتحار، من صنع أهل الأرض انفسهم. لذلك، يجب أن تلاحظ أعداد الغرباء والاجانب الذين لا تعني الأرض لهم شيئاً ولا الناس يعنون لهم شيئاً. من الفيتو الروسي، إلى البلادة الصينية، إلى الجلف الإيراني، إلى آلاف الشيشانيين والافغان والباكستانيين والاوروبيين، لم يكن للدور الاجنبي هذا الحجم في اي مرحلة من مراحل التاريخ.
ليس هناك شيء عفوي في داعش واخواتها. كل رعب لا يمكن تَصوّره، تُصوره حرفياً أصحاب خطط جهنمية في القتل والتشريد وتفريغ البلدان. هذا كان اسلوب الأنظمة من قبل، إلى أن وصل الشيشان ورفاقهم تحت عنوان الخلافة. وبالطريقة التي سيطروا فيها على المدن سيطروا على ذوي الاسماء الذهبية.
عن الشرق الاوسط السعودية