المصالحة ورياحها التي لا تغيب
تاريخ النشر : 2019-07-16 15:22

يتراءى أمامنا أحلام تجري بسرعة ، نعتقد أنه الخلاص لشعب عانى الأمرين بسبب احتلال ملعون خنق أحلامنا ، لنجد أمامنا شعوب متثاقلة ، لنصحو على وهم قاتل وكأننا أمام واقع صعب ، بل أصعب مما نتخيل على كافة الأصعدة ، لدينا هم مستوطنات تأكل الضفة لحقها ضائقة مالية خانقة ، وحصار ، وانقسام دفن غزة وهي على قيد الحياة تتنفس أكسجين التراب المخنوق ، علها تبقي على الروح ، ليعيدنا التاريخ إلى ما قبل أوسلو ، لنظن أن المال هو أكبر همنا ، أو هم يعتقدون ذلك ، ولا يعلمون أن القضية همنا ، وأرضنا ومقدساتنا لا ننساها ، وإن توالت الأجيال جيل خلف جيل ، هو موروث الشعب الفلسطيني الذي عاهد القدس عليه بعد الله .
ولا بأس إن تراود السؤال الملعون على أذهان العالم كيف جاء الانقسام الذي قسم ظهورنا حتى هرمنا ، وانتكسنا انتكاسة العمر ، السؤال الذي يطرح نفسه مع كل أزمة صغيرة أو كبيرة ، لنعود إلى فشلنا في احتواء الأزمة ، أزمة تقاسم السلطة التي نتجت عن اختلاف ثقافتين ، وأيديولوجيتين ، لكن الحقيقة أننا أمام عقل عربي اقصائي لا يعرف كيف يحيك اللعبة السياسية بمنظومتها ، ومشتقاتها ، ولا يعرف كيف تستخلص العبر من التاريخ ، ومن السابقين ، وترجمتها على أرض الواقع بحلول ترضي كل الأطراف بتنازل من أحد الأطراف أو كلا الطرفين ، لندرك أن كل ذلك أصلة نتاج وتطور فكري اجتماعي تاريخي لم تصل له المنطقة العربية كلها لتزيد الأزمة لدى الفلسطينيين لأنهم حديثو التجربة السياسية ، وبذلك من المعروف أن النتيجة تعمق الأزمة ووجود الاحتلال المراقب للحالة الفلسطينية ليعمل على تعميقه أكثر لإدامة الانقسام ، واطالة عمره ، ليستثمر مشاريعه بطريقة أسهل وأقوى ، وأهمها فصل غزة ، والتخلص من حمل غزة الديموغرافي المؤرقة لإسرائيل .
لكنا أمام حالة فلسطينية لا تسر صديقاً ، ليشكل الانقسام هما لقضيتنا ومشروعنا الوطني ، وكم تفاءلنا للخلاص بعد إعلانات متكررة للمصالحة ، وكل مرة تفاءلنا ، وكم مرة حلمنا ، لتنتهي على فقدان الأمل ، ثم كارثة نفسية واجتماعية وسياسية لشعبنا ، ولم نكف عن مراهنتنا على وطنتينا ، التي هي جزء من موروثات الفلسطينيين ، بكل تكتلاته ، ومنظوماته ، وأحزابه وفصائله ، وتاريخه المعبق بقدسية الوطن ، ولأن الإرادة الفلسطينية يجب أن تنجح أولاً عن اخر ، على الإرادة الإسرائيلية ، التي تراهن طوال الوقت على فشلنا . 
لكن الزمن وما يحدث أفقدنا الأمل في المصالحة واتمامها، فما إن ينفتح باب حتى يتم إغلاقه بسرعة بعد محاولات من كل القوى المعادية والمضادة لإفشال كل ما يجري على الأرض من محاولات للصلح، لتساهم أيضاً القوى ذاتها التي تتراشق إعلامياً بلغة قاسية لتجرحنا أكثر ، وتزيد من حجم الأزمة بشكل أكبر ، ليتحقق حلم الاحتلال بتقسيم فلسطين كيفما يشاء ، لنعرف أن كل المحاولات والتدخلات لم تنقذنا من الانقسام الذي ينخر عظم قضيتنا حتى وصل نخاعها ، ولم نعد مؤسسة واحدة ولا مجتمعاً واحداً وهو الأمر الذي تمكنا بصعوبة من إنجازه بعد التشتت والنكبة حين تفرق مجتمعنا في شتى أصقاع الأرض وتهددت هويته الجامعة ثم أعيدت قبل خمسة عقود لنعود بالانقسام من جديد مشتتين بلا مؤسسة واحدة ولا سياسة واحدة .
لقد فشلنا في المصالحة ، وأخشى أننا لن نتمكن من الوحدة ، فقد أصبح عجزنا واضحاً أمام كابوس يؤرق قضيتنا ، وحياتنا ، وأصبح سبب كل بؤسنا ومصائبنا، لنخشى الهجرة ، والموت ، والفقر ، والعجز ، والخوف من أن يكون الانقسام قد تأبد بنا ، ونحن لا نعيش حياة أو ظروفاً طبيعية البته ، بل ما يحدث هو عبث لا يغفره التاريخ لنا .
قلت سابقاً ، وأكرر كما كل مرة أننا نحتاج إلى نظام سياسي يتوحد فيها النظام السياسي ، والجغرافيا ، وخارطة طريق تقطع كل الطرق الإسرائيلية لنطوي حقبة سوداء أنهكت وطننا ، ومواطنينا ، وقضيتنا التي انهكت ابتزازاً ، وتهديداً ، وتجريداً ، ولنغادر مربع الإهانة ، وترسيخ لعنة الانقسام التي تلاحقنا أينما حطت رياحنا . 
فقد بات واضحاً أننا بحاجة لمعجزة لنتمكن من مصالحة تعيد كل ما سلب منا ، لتبقى القضية يتيمة عاجزة مسلوبة ، ولنجرب أن نسمع كلمة شعب 
لا يمكن أن ينسى انتكاسته ، ولا نكبته ، ولا عظمة قضيته ، ولنتفق على انتخابات تجمع كلمة الشعب وكلمة فلسطين في صندوق يفصل الحق ، 
ولا يغيب إرادة قوم انتهكت كل حقوقه .