تحذيرات تلوث بحر غزة لم تنفر مصطافيه
تاريخ النشر : 2019-07-03 10:02

ينزح مواطنو قطاع غزة نحو بحره هرباً من صيفه الحار وانقطاع الكهرباء، رغم التحذيرات بتلوثه ببكتيريا خطرة نظراً لاستمرار تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة طوال اليوم. 

ويشهد بحر غزة على طول ساحله البالغ ٤٢ كيلو متراً اكتظاظاً للمواطنين في مناطق محصورة بعيداً عن أماكن مصبات الصرف الصحي التي تصل يومياً لـ 120 ألف لتر مكعب وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» وذلك بواقع 70 بالمئة من المياه العادمة، والتي تتواصل منذ سنوات بذريعة الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي ونقص الوقود جراء الحصار الإسرائيلي، مما يعيق تشغيل مضخات معالجة المياه العادمة.

ووفق تقرير صادر عن سلطة جودة البيئة في غزة، أن نحو 73% من شاطئ القطاع، لا يصلح للسباحة. وتنتشر على طول الساحل يافطات تحذيرية تم الإعلان عنها من الجهات الرسمية، تمنع المواطنون من السباحة والاستجمام في تلك المناطق، مما يجعل الشاطئ كئيباً ويبعث القلق على وجوه رواده، مما ينطبق عليهم المثل الشعبي «هم يبكي، وهم يضحك».

تحذير وترقب

وتتحدث السيدة فاطمة بحسرة، «البحر مليء باليافطات التحذيرية، وحالنا أصبح كالذي يجلس في منطقة ملغومة ويترقب خطر الانفجار في أية لحظة، لا نستطيع النزول إلى البحر خوفاً من تعرضنا وأطفالنا للأذى».

أما المواطنة شيرين، تقول «للأسف الناس لا يكترثون لتلك التحذيرات، ويذهبون بأطفالهم للاستحمام في مياه البحر الملوثة، وما أن يصاب أطفالهم بعدة أمراض أهمها الأمراض الجلدية، لحظتها تجدهم يرمون كل المسؤولية على عاتق البلديات، فلماذا لا نقوم نحن بوقاية أنفسنا أولاً، ولا مانع أن نأتي للبحر، المهم أن لا نسمح لأطفالنا بالسباحة، حتى تصبح المياه نظيفة». 

كل شيء في قطاع غزة أصبح متغيراً نحو الأسوأ، هذا حال غزة وبحرها الأزرق الذي أصبح مائلاً نحو السواد، نحو الحزن القاتم ليعيد المشهد بافتتاحية أغنية الشيخ إمام بـ«البحر غضبان ما بيضحكش، أصل الحكاية ما تضحكش، البحر جرحه ما بيدبلش».

«ليست غزة أجمل المدن..ليس شاطئها أشد زرقة من شواطئ المدن العربية،‏‏ وليست غزة أغنى المدن.. ولكنها تعادل تاريخ أمة، لأنها أشد قبحاً في عيون الأعداء، وفقراً وبؤساً وشراسة...» هكذا وصفها الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

ويشكو المواطن نهاد من ازدحام المواطنين على شاطئ بحر شمال قطاع غزة، الذي بالكاد تجد منطقة نظيفة، قائلاً: «مناطق البحر النظيفة محدودة جداً وهي تقترب من الجدار الفاصل بين غزة وأراضي الـ48 إلى منطقة الواحة غرب بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة».

ويضيف المواطن حسام: «يكتظ المواطنون في أيام العطل الرسمية وخاصة أننا في إجازة نهاية العام الدراسي، لذلك نذهب مع أبنائنا لقضاء ساعات طويلة على بحر القطاع هرباً من انقطاع الكهرباء تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة».

أوضع غزة الصعبة

ويوضح الشاب أبو خالد حيث كان بصحبة عدة شبان على شاطئ بحر الزوايدة وسط قطاع غزة، «إنني اذهب لبحر الزوايدة كون المنطقة بعيدة عن مصبات الصرف الصحي». ويضيف: «في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة نضطر للذهاب للبحر لقضاء يومنا، ونبحث عن مناطق نظيفة من الشاطئ الذي بالكاد نجدها»، مستدركا: «لا أستطيع استئجار شاليه يحوي بركة سباحة نظراً لتكاليفه الباهظة حيث يتراوح استئجار الشاليه لمدة ١٢ ساعة ما بين ٥٠-٢٠٠ دولاراً أميركياً» .

وتنتشر في قطاع غزة شاليهات عديدة قريبة من شاطئ بحر قطاع غزة وتعود ملكية بعضها لمواطنين والبعض الآخر لرجال أعمال. ويقول صاحب احد الشاليهات جنوب مدينة غزة رفض الكشف عن هويته، أن «البلديات ووزارة السياحة والآثار بالقطاع تفرض رسوماً كبيرة بدءاً من افتتاح الشاليه، وكما تعرفون أن الطلب على الشاليهات يبدأ من أواخر شهر أيار وحتى نهاية آب من كل عام». 

وأضاف: «نحن نتفهم الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمواطنين ولكن لا نستطيع تخفيض الإيجار لأقل من ٥٠ دولاراً كل ١٢ ساعة، لأن التكاليف كبيرة علينا من تغيير المياه في برك السباحة وتشغيل مولد كهربائي في حال انقطاع الكهرباء، ونحاول تعويض التكاليف والضرائب الكبيرة التي ندفعها سنوياً». 

بدورها، حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة المصطافين من السباحة في مناطق ملوثة، لتأثيرها على صحتهم. مضيفة أن «عدد مصابي الأمراض المعدية أو الجلدية من جراء السباحة في مناطق ملوثة في ارتفاع، لكنها لم تصل إلى أمراض خطيرة». 

ووفق تقرير أعده خبراء إسرائيليين ونشرته صحيفة هآرتس في(4/6/2019)، أن انهيار البنى التحتية في غزة وتلوث مياه البحر تعرض المياه الجوفية ومياه البحر للخطر، وكذلك شواطئ الاستجمام ومنشآت التحلية. ويحذر التقرير من خطر تركيزات البكتيريا في المياه، وتطور البعوض الذي يمكنه نشر فيروس حمى النيل.

وقال مدير منظمة «ايكوبيس الشرق الأوسط»، جدعون برومبرغ، «بدون عمل سريع سنصل إلى وضع انتشار أوبئة وتلوثات من شأنها أن تزهق الكثير من الأرواح سواء في «إسرائيل» أو في غزة».

تحسن واضح

من جهتها، قالت شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، إن «العمل جار لربط محطات المعالجة بالتيار الكهربائي على مدار الساعة بمنحة قطرية، وهي خطوة في حال إتمامها ستساهم في حل هذه المشكلة المتكررة كل عام من خلال ضمان عمل محطات المعالجة على مدار اليوم».

ونوه مدير عام الصحة والبيئة في بلدية غزة عبد أبو القمبز، إلى أن بحر غزة هذا العام سيشهد تحسناً واضحاً عن الأعوام الماضية. ودعا المواطنين للابتعاد عن أماكن صب المصارف الرئيسية حتى لو كانت مغلقة تفادياً لحدوث طارئ فني، وكذلك الابتعاد في السباحة عن المياه الراكدة، للابتعاد عن مسببات الأمراض.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن كمية المياه الصالحة للاستخدام في القطاع قد تصل إلى صفر في العام المقبل.