معاني هزيمة مرشح أردوغان
تاريخ النشر : 2019-07-02 19:08

عندما قرر أردوغان إلغاء النتائج الأولى لرئاسة بلدية اسطنبول وفوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، كان بعيداً عن التكتيك السياسي بامتياز! فهو افترض الفوز في إعادتها، وهذا قصر نظر سياسي. فكل انتخابات تحتمل الخسارة بنفس نسبة احتمال الفوز. هو لم يدرك طبيعة الموقف الذي سيضع فيه نفسه وحزبه في حالة عودة مرشح المعارضة. ثم إن مطلق رئيس في العادة يُفترض أن يكون رئيساً لكل الشعب ! لكن أردوغان بعقليته الإمبراطورية العثمانية الذي بنى قصراً تشبها بسلاطين بني عثمان، لا يحتمل الديمقراطية رغم تشدقه الدائم بها، وهو بقراره إبطال نتائج بلدية اسطنبول أثبت أنه دكتاتور حقيقي. لقد سبق له وأن قال علنا في خطاب له: «مَن يظفَر باسطنبول فإنه سيظفَر بتركيا كلها». لهذا، وبناء على ذات القاعدة يمكن القول: «إن مَن يخسرها سيخسر تركيا بأكملها»، وهي النتيجة التي بدأت تُلقي بظلالها عليه بعد الهزيمة المُدوية التي ألحقها جمهور المدينة بمرشح أردوغان بن علي يلدرم الذي بات من الماضي سياسيا بعد احتراق ورقته، فاذا بالنتيجة التي رفض الاعتراف بها في جولة آذار(مارس) الماضي التزاما بقواعد اللعبة الديمقراطية بفارق لا يتعدّى (13000 صوت) لصالح أوغلو تُوسِّع الهوة قافِزَة بالفارق الى (777 ألفاً) على نحو لم يكن بمقدورهما (أردوغان ويلدرم) سوى الإقرار بالهزيمة عبر العودة المُزيّفة للتغني بالديمقراطية واحترام إرادة الشعب»التي تجلّت مرة أخرى«وفق تغريدة أردوغان عقب إعلان النتائج.

ليس ثمة ما يدعو للشماتة، لكن لمعركة رئاسة بلدية اسطنبول نكهة أخرى يكاد يُلخِصها الجدل الذي تلا انتخابات آذار(مارس) الماضي عندما تقدم أوغلو على يلدرم. لكن عقلية صاحب نظرية«أنا أو لا أحد»كانت المُحرك الاساسي لسيناريو«الانقلاب على الصناديق»كما وصفَت المعارضة التركية ضغوط أردوغان (التي نجحت) بإلغاء الانتخابات وإعادة إجرائها في 23 حزيران/يونيو الماضي على النحو الذي كرّسته إرادة جمهور اسطنبول الذي صوّت لمرشح المعارضة احتجاجاً على رفض الحزب الحاكم خصوصاً رئيسه، المنتشي بتحويل النظام البرلماني المُكرّس منذ العام 1923 إلى نظام رئاسي. هذا التحوّل الذي أسهم ضمن أمور أخرى بالهزيمة الأخيرة، ما يُؤذِن ببدء رحلة الأفول السياسي للحزب الحاكم ورئيسه الذي لم يذق طعم الهزيمة منذ العام 2003، وجاءت الضربة الأقسى من المدينة التي شهدِت بزوغ نجم أردوغان.

أربعة أعوام تفصلنا عن العام 2023، وهو العام الذي سيشهد انتخابات رئاسية مُثقلة بالدلالات. خصوصاً أنه العام الذي تحلّ فيه الذكرى المئوية لقيام جمهورية أتاتورك على أنقاض دولة الخلافة، ونجاح مصطفى كمال في«استعادة» أراضي تركيا الحديثة بعد معاهدتي لوزان وسيفر. وهو -أيضا - العام الذي قد يكون فيه أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول الذي استعاد مقعده، هو الذي يقف في مواجهة أردوغان مرشحاً عن أحزاب المعارضة لرئاسة الجمهورية. وإذا ما سارت أمور المعارضة - حينذاك - كما حالها في مواجهة يلدرم، فإن هزيمة أخرى ستلحق بالرئيس التركي الذي سيكون قد مضى على وجوده في مقدمة المشهد التركي 20 عاماً.

من جانبهم اعتبر معلقون سياسيون عرباً وأجانب خسارة مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم«ضربة موجعة» للرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكون لها ما بعدها. وأن فوز مرشح المعارضة يمثل تغييراً في السياسة التركية ويحمل مؤشرات صعود شعبية المعارضة في مقابل هبوط أسهم الحزب الحاكم، وإن ذلك يمثل بداية جديدة لتركيا.

للعلم، كان قرار إعادة الانتخابات قد أثار انتقادات دولية واتهامات من المعارضة بتآكل سيادة القانون. ويعاني الاقتصاد التركي حالة ركود.وقد تلقي خسارة ثانية لحزب العدالة والتنمية مزيداً من الضوء على ما وصفه رئيس بلدية إسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو بأنه تبديد لمليارات الليرات في بلدية المدينة التي تبلغ ميزانيتها حوالي 4 مليارات دولار.

عن الخليج الإماراتية