ثمرة \"الفوضى الاميركية \": \"وهم دولة ارهابية \" لافشاء الفوضى.
تاريخ النشر : 2014-07-03 11:44

 جاء اعلان \"الدولة الاسلامية\"  من قبل الجماعات الارهابية التي رعتها اميركا نشأة  و توجيها و تمويلا ، جاء في السياق الطبيعي للعدوان الذي  تشنه اميركا على المنطقة منذ نيف و ربع قرن ، عدوان تقلب بين الحروب ب\"القوة الصلبة\" و الفتن ب\"القوة الناعمة \"  ابتغت اميركا عبرها اشاعة \"الفوضى الهدامة\" (اسمتها خلاقة)  للاطاحة  بمعالم المنطقة و هدم  كل ما فيها تنفيذا للمشروع الصهيواميركي الهادف الى تثبيت \"اسرائيل\" و استباحة  ثروات المنطقة .

فالفوضى التي شاءتها اميركا ، باعلان صريح اطلقته يومها وزيرة خارجيتها رايس ، هدمت اسس اكثر من دولة في الشرق الاوسط و انتجت \"دولة الفوضى\" التي اعلنتها \"داعش\" مدعية  بانها \"دولة اسلامية \" ، و هي في الحقيقة دولة ارهابية لا صلة لها بالاسلام من قريب او بعيد ،  فاسلامها هو الاسلام الذي صنعته لها اميركا و اجهزة الاستخبارت الغربية ، اسلام التكفير و القتل و التهجير و التدمير، و لذا تكون تسميتها الصحيحة \" دولة الاجرام الارهابي \" ،  منتج الفوضى الاميركية .

و مع اعلان هذه \"االدولة الطرفة \" التي لا تمتلك ان تكون دولة و لا تقوى  على ارساء اسس دولة قابلة للحياة ، لانعدام قدرتها على الاستجابة  لمقتضيات  انشاء الدول و للانتظام  دوليا   و الالتزام  بقواعد قانونية ارسيت  حتى تبلور منها القانون الدولي العام الذي بات يحكم الى حد ما العلاقات الدولية ؛ مع عجزها هذا عن ان تكون دولة حقيقية  ، بطرح السؤال حول  خلفية الاعلان و الاهداف التي رمى اليها و تداعياته ، خاصة بعد تحديد  خريطتها الاولية بما يتطابق مع  خريطة حدود \"منطقة االفوضى الاميركية \" المعلنة  منذ العام 2006 (بعد اضافة فلسطين المحتلة اليها ) .

و لكن الاجابة على هذا السؤال تفرض اولا العودة الى الظروف التي قادت الى \"الاعلان الوهمي \" و هنا نجد ان اهم ما ما يميز المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة ، هو اخفاق  اميركي تراكمي لثلاتة عقود تقريبا ، وضعت اميركا خلالها اكثر من خطة و اعتمدت خلالها اكثر من استراتيجية بغية وضع اليد على المنطقة و ارساء النظام العالمي الاحادي القطبية ، و اضطرار اميركا و قبلها ربيبتها اسرائيل الى الخروج من مناطق الاحتلال في لبنان و غزة و العراق و افغانستنان ، ثم فشل اميركا بالاطاحة بالدولة  السورية و عجزها عن تحقيق  الضربة القاتلة للمقاومة التي  تنسب اليها معظم هزائمها و اخفاقها في تفكيك المحور الذي يعتمد ثقافة المقاومة و يرعاها و ينشرها ضد المشروع الصهيواميركي .

لقد استغلت اميركا حاجات شعوب عربية في دول لم تصل الى تحقيق ما تصبو اليه تلك الشعوب من ديمقراطية و حرية و اشباع حاجاتها  العصرية رغم الثروات التي تمتلكها ، و استغلت شجاعة فئات من هذه الشعوب في الخروج على الحاكم طلبا للاصلاح و التطوير، و سارعت الى وضع اليد على الحراك الشعبي هنا و هناك ، و حولته من حركة احتجاج ذات بعد سياسي اصلاحي ، الى حركة تمرد و فوضى ذات بعد امني عسكري تدميري ، و بعد ان كانت عبارة \"الثورة \" و \"طلب الاصلاح\"  هي المتداولة  في توصيف مجريات الاحداث في  هذه االدولة او تلك ، تقدم وصف المسلحين و الارهابيين و المتطرفين على اي وصف اخر  خاصة في البلدان التي تريد اميركا الانتقام منها في سياق حربها التدميرية ، و تجلت سلوكيات اميركا التدميرية تلك بابشع صورها في سورية حيث رعت و ادارت الاعمال الارهابية التي تفشت  على اراضيها و التي تسببت بافظع الاجرائم و الارتكابات بحق البشر و و الشجر و الحجر فيها ، لكنها عجزت عن اسقاط الدولة ، و اخفقت في انتزاع قرارها المستقل فكانت الهزيمة الاستراتيجية للمشروع الاميركي على الارض السورية ، هزيمة من الحجم الذي فرض نفسه على الرئيس الاميركي و اجبره على الاقرار به  .

في ظل هذا المشهد ، مشهد \"الفوضى العارمة\"  الممتدة  من شمالي افريقيا الى بلاد الشام اعلن  احد الفروع الرئيسية لتنظيم القاعدة (التنظيم  الارهابي الاميركي ) اقامة \" دولة الخلافة الاسلامية \" على جزء من سوريا و العراق ، اعلان احدث  ردود فعل متناقضة، بين عدم اكتراث و لا مبالاة علنية من جهة ، و اهتمام اتسم بالذعر نوعا  ما من جهة اخرى . فهل لمن لم يكترث او لمن ابدى الاهتمام مبرر  في اعتماد هذا السلوك او ذاك؟

في رصد و تحليل للاعلان و ردود الفعل عليه نستطيع ان نصل الى تشكيل قناعة وزانة بانه  فعل  لم يأت من فراغ، لا بل يقع في سياق الخطة الاميركية الرامية الى افشاء الفوضى التي تعول عليها اميركا الان من اجل  :

1)    افشاء حالة الخوف و الذعر في كامل المنطقة ، و حرمانها من اي نوع من الامن و الاستقرار بما يجهض طاقاتها و يمنع اهتمامها بمشاكلها الحقيقية و المخاطر التي تتهددها و طليعتها الخطر الصهيوني الجاثم في فلسطين ، لا بل يبرر الدولة اليهودية التي تريدها اسرائيل في مقابل وهم الدولة الاسلامية .

2)    استفزاز من لم ينخرط من شعوب  المنطقة و دولها في الحرب حتى الان و دقعه الى الميدان ليكون جزءا منه فيناله التدمير الذي عجزت اميركا عنه بقواتها الذاتية .

3)    انتاج بيئة رسم خرائط جديدة لدول المنطقة او التهويل بها .

4)    دفع دول المنطقة و شعوبها للاستعانة او الاستغاثة باميركا لانقاذها من \"الخطر الداهم \" .

5)    حجب الانجاز الاستراتيجي الكبير الذي حققته سورية و محور المقاومة في الميدان و السياسة .

دونما اسهاب في سرد   ردود الفعل و السلوكيات التي اعقبت \"مسرحية الموصل الداعشية\"  وصولا الى اطلاق وهم  \"دولة الخلافية الاسلامية \" ، و هي سلوكيات فيها  الكثير مما يستجيب للامال الاميركية المعقودة على \"الغزوة المسرحية و الاعلان \" ،  يكفي ان نذكر ب:

1)    السلوك الكردي الممهد للانفصال في شمال العراق .

2)     تعثر العملية السياسية العراقية مع اخفاق مجلس النواب في انجاز الاستحقاقت الدستورية .

3)      الحديث عن عودة اميركية عسكرية \"محدودة \" الى المنطقة للعمل ضد \"داعش\"  في سورية و العراق من غير اتفاق او تنسيق مع الدولة سورية فيما يعتبر  التفاف على رفض مجلس الامن الذي رفض اصدار قرار تحت الفصل السابع يجيز اللجوء الى القوة العسكرية ضد سورية .

4)     عرض العضلات الاسرائيلي للتدخل لحماية الاردن و الدفاع عن المصالح الاسرائيلية عبرها

تكفي الاشارة الى شيء من ذلك لاقول ان بعضا  مما ارادته اميركا عبر \"داعش\"  و ارهابها بات في مدى النظر  ، و ان داعش تلعب  حاضرا  دور صدام حسين في غزو الكويت الذي استدعى اميركا الى الخليج ، و دور \"القاعدة  الام \"  التي استدعت اميركا الى افغانستان ، و بالتالي تستدعي \"داعش\" باعلانها اليوم اميركا لتنشيط الفوضى التي تمكنها من حرمان المنطقة من استثمار انتصارها و التنعم بامنها و ثرواتها . فالسلوكيات التي ذكرنا شيئا منها لا تقود الى استقرار و لا تحقق امنا لاحد ، ان لم يتم التصدي لها و اجهاضها .
اذن علينا ان ندرك ان المهمة الرئيسية باتت اليوم مواجهة \"الفوضى الاميركية \" ، ما يستوجب  عدم الانزلاق الى ما تريده اميركا من نظرية \"الفوضى الهدامة \"  ، و ان اهم مدخل للمواجهة يكمن في التزام الموضوعية في النظر للاشياء   و التعامل مع الاحداث  و المكونات باحجامها الحقيقية ، فليست  داعش و لا دولتها الوهمية غير القابلة للحياة ، ذاك الخارق  الذي يملك قدرات افتراس الجميع حتى يبرر الذعر ، و ان ما حققته في الميدان لم يكن بقوة تملكها بل لمؤمرات و خيانات ارتكبت ، و ان دولة الاكراد الانفصالية في شمال العراق اذا قامت هي دولة لن تكون قابلة للحياة رغم الدعم الاسرائيلي المطلق لها في ظل رفض ايراني و تركي و سوري لها ، و ان اخفاق العرايين اليوم في اعادة تشكيل السلطة يمكن تلافيه غدا و هو الارجح .
نعم لا داعي للذعر من جهات لا تملك قدرات عسكرية لاحتلال مدينة فكيف يخشى منها على ست دول تملك مليوني عسكري في جيوش منظمة ، لكن  اليقظة و الحذر و الاحتياط امور واجبة  و الاوجب من ذلك امتلاك  العزم على مواجهة المستجد دون الاستغاثة بمن هو المحرك لتلك المخاطر و المخاوف و هنا اذكر من لا زال حتى اليوم خارج مسرح الفوضى بان مساهمته في مناهضتها قبل ان تصل اليه يوفر عليه خسائر اقتحامها الباب عليه  .
عن البناء اللبنانية