خطورة ألّا يفهم ترامب
تاريخ النشر : 2019-06-24 14:52

قد لا تتاح للولايات المتحدة والصين فرصة أخرى قريباً لإنهاء أو تهدئة الحرب التجارية المشتعلة بينهما، إذا فشل رئيسا البلدين في تحقيق هذا الهدف خلال مشاركتهما في قمة العشرين، التي تستضيفها اليابان يومي الجمعة والسبت المقبلين.

بات واضحاً بعد أشهر من حرب التعريفات الجمركية والإجراءات الاقتصادية العقابية، أن هذا النوع من المعارك يخسر فيه الطرفان. وغير صحيح ما يقوله الرئيس دونالد ترامب عن حصد المكاسب اعتماداً على أن الخزانة الأمريكية أصبحت متخمة بحصيلة الرسوم العالية على الصادرات الصينية. الأرقام الموثقة تؤكد أن المستهلك الأمريكي هو من يدفع ثمن هذه الزيادات وليست الشركات الصينية الموردة.

الحقيقة الأخرى التي تغيب عن ترامب أو يرفض الاعتراف بها، هي أن زيادة الرسوم الجمركية ليست الحل الصحيح للخلافات التجارية، وأنها محاولة بلا جدوى لإصلاح خلل قائم بالفعل. ويضرب الخبير الاقتصادي الهندي كاوشيك باسو النائب السابق لرئيس البنك الدولي، والأستاذ بجامعة كورنيل الأمريكية، مثلاً بسيطاً يوضح خطأ تفكير ترامب بشأن علاج العجز التجاري مع الصين الذي يدور حول رقم 400 مليار دولار سنوياً. يقول الباحث في تقرير نشره مركز بروكنجز للأبحاث السياسية في واشنطن، إنه عندما يشتري رجل احتياجاته من متجر، يحقق هذا المتجر فائضاً تجارياً في التعامل معه، في مقابل عجز تجاري من جانب المشتري.

ووفقاً لمنطق ترامب، فإن على هذا العميل أن يجبر المتجر على شراء سلع منه لتحقيق التوازن في العلاقة التجارية بينهما. هكذا يريد الرئيس الأمريكي أن يدير علاقته مع الصين. غير أن ما لا يدركه أنه إذا فعلت كل دولة ذلك، فسيعود العالم إلى عصر المقايضة، وسيتغير وجه الحياة والنظام التجاري العالمي الذي نعرفه اليوم، والذي يأخذ في اعتباره أن تسجل الدولة فائضاً مع شريك تجاري وعجزاً مع آخر.

ليس هذا فقط ما لا يفهمه ترامب، فهو لا يعي أيضاً أن الصين بعلاقاتها التجارية الهائلة والمتشعبة مع دول العالم، ليست هي الدولة التي يمكن عزلها أو معاقبتها اقتصادياً. وأن مشروعاً واحداً لها مثل مبادرة الحزام والطريق تشارك فيه 126 دولة و29 منظمة عالمية، يكفي للرد على ترامب.

معنى هذا أن أي عقوبات على الصين ستعود بالضرر على عشرات الأطراف الأخرى بما فيها الولايات المتحدة نفسها. ويؤكد تحليل أصدره مركز «اوكسفورد ايكونومست» هذه الحقيقة؛ حيث يثبت أنه لو فرضت واشنطن 25% رسوماً جمركية على وارداتها من الصين، وردت الأخيرة بإجراءات مماثلة فإن الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا سيتراجع بنسبة 5,.% في 2020.

لا يعي ترامب جوانب أخرى أبعد أثراً، منها أن قسماً كبيراً من الواردات الأمريكية من الصين عبارة عن مستلزمات إنتاج، وهو ما يعني أن زيادة قيمتها نتيجة للتعريفات الجمركية سيقفز في النهاية بثمن المصنوعات الأمريكية، وبالتالي يفقدها قدرتها التنافسية عالمياً. ولدى أمريكا نفسها تجربة مماثلة في الثمانينات خرجت منها خاسرة أمام اليابان، عندما خاضت معها مواجهة كتلك التي تخوضها مع بكين.

وللهند تجربة مهمة تؤكد التأثير السلبي للإجراءات الحمائية، فقد ظلت حكوماتها حتى 1991 تفرض رسوماً جمركية عالية لحماية الصناعة المحلية، إلا أن النتيجة جاءت عكسية. والسبب أنه تم حرمان المنتجين من مستلزمات إنتاج ذات جودة عالية، أو حصلوا عليها بأسعار باهظة. وفي الحالتين فقدت الصناعات الهندية قدرتها التنافسية خارجياً. لم يتحسن الوضع إلا بعد تخفيض الرسوم في إطار إصلاحات 1991-1993، وبناء عليه تحققت انطلاقة تنموية.

الحقيقة الأخرى التي لا يدركها ترامب ويرصدها التقرير، هي أن الطرف الذي يجب أن يشعر بالقلق لاستمرار الحرب التجارية هي أمريكا، وليست الصين التي تراهن على عنصر الوقت لكسب المعركة. ولديها ثقة أن واشنطن لن تستطيع ولن تتحمل فرض رسوم جمركية عالية لوقت طويل. أما إذا أصر ترامب على ذلك، فسيكون قد قرر الانتحار اقتصادياً لأنه ببساطة سيتخلى عن الموقع الريادي لبلاده في الاقتصاد العالمي لصالح الصين.

عن الخليج الإماراتية