موحدون ضد الصفقة...منقسمون على القضية تلك هي المهزلة!
تاريخ النشر : 2019-06-17 08:33

كتب #حسن_عصفور/ لا يبدو في عالم السياسة الحديث، أن هناك كمية من التناقضات التي يصعب ادراكها، كما هو المشهد الفلسطيني، ليس من حيث التعددية والتنوع السياسي الفطري والحزبي غير ذي هوية، حيث تتوالد فصائل من فصائل لخلافات ليس لها بعد وطني، فتلك مسألة قد نجد لها مثيلا في عالمنا متعدد القارات.

 ولكن أن تقرأ يوميا، ومنذ أشهر عدة، بيانات لكل الأطراف الفلسطينية، بمختلف مسمياتها، لها حضور فاعل، ام يافطات لخدمة فصيل آخر، أنها تقف ضد الخطة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط "صفقة ترامب الكبرى"، وهي ليست "صفقة القرن" كما يروج لها إعلاميا لمزيد من التضليل، وتذهب بعيدا لتجد أن هذا "الكل" يهدد ويتوعد بأنهم سيسقطون تلك الصفقة، رغم انها أوشكت على تحقيق كل "الأماني اليهودية"، لأول مرة في التاريخ حيث تتشكل "دولة اليهود" في فلسطين التاريخ، ضمن منظور توراتي، بمساعدة كاملة من الإدارة الأمريكية.

التهديدات التي لا تنتهي من جموع "المركبات الفلسطينية" لم تترك اثرا واحدا يمكن التعامل معه بجدية، او بذي بال، ليفكر القائمين على تنفيذ الخطة، حيث تتعامل تلك "المركبات" وكأن الخطة الأمريكية كما سبق أن عرضت الإدارات السابقة مشاريع أو مبادرات، متجاهلين أنها خطة تنفيذية بدأت رسميا في مايو 2018 بإعلان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس مع الغاء القنصلية في القدس الشرقية لتصبح جزءا منها، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، متزامنا مع فعل تهويدي متواصل في المدينة والضفة.

خلال عام وأكثر على تنفيذ الخطة الأمريكية، باتت "الحصة الإسرائيلية" على وشك النفاذ بحيث تحقق كل ما لها، في انتظار مواءمة ذلك مع البعد الإقليمي في "ورشة البحرين"، التي تعيد ملامح لمؤتمر مدريد متعدد الأطراف عام 1991، بشكل ترامبي، دون أن تدفع إسرائيل ثمنا لأي مما حصلت عليه، أي أنها أخذت ما لها ولم تدفع ما عليها، في تلك الخطة.

فيما تتسابق مركبات المشهد الفلسطيني على إعلاء الصوت أن "الكل الفلسطيني" من فتح بطرفيها (م7 وتيار) وعباس الى حماس ومن لها فصائلا، يقفون ضد "الصفقة الأمريكية" ولن يسمحوا لها أن تمر... ومن هنا تبدأ الكذبة الكبرى ليس بعدم السماح بمرورها فقط، بل لأنهم عمليا باتوا أدوات مساعدة جدا لتنفيذ ما بقي من أركانها.

لو أن هذا الادعاء، بأن "الكل متحد" ضد صفقة ترامب، ما تأخرت لحظة واحدة كسر كل حواجز الانقسام، مهما كانت "التنازلات" من هذا لذاك، فكل من طرفي الانقسام بات أكثر حرصا على ما له من حصة سياسية منحها الواقع الانقسامي، بحيث بات أقرب الى عملية انفصالية كيانية، شمالها تديره حركة فتح (م7)، وأجهزتها بكل ما يتناقض مع سلوك مواجهة صفقة ترامب، فيوميا تزداد الهوة بينها وغالبية أهل الضفة والقدس، سلوكا ونهجا وأجهزة، وغربة تتعمق مع أزمة مالية "مصطنعة" لها بعد سياسي لم يعد مجهولا...فقدت تحالف القوى المركزية في منظمة التحرير واستبدلته بتحالف "هامشي".

فيما حماس، تدير سلطتها في قطاع غزة بالحديد والنار، ولا تسمح لأي كان المساس بها، اعادت تشكيل "حكومتها السرية"، لتدير الحياة المدنية والأمنية منفردة، والعجب أنها تنكر تماما وجود "حكومة سرية"، وكأن الإدارة العامة تدريها "ملائكة الرحمة"، منطق يكشف هزالة التعامل مع الشعب الفلسطيني الى درجة الاستغباء.

"الكل الموحد" ضد الخطة الأمريكية، يعيش حالة "فسيفساء سياسية" متناثرة، عندما يتعلق الأمر بالقضية الوطنية، كيف يمكن ان تكون موحدا ضد أخطر مشروع سياسي ليس لتصفية القضية الوطنية فحسب، بل لتهويد الأرض والتاريخ من خلال إقامة "دولة اليهود"...

صراعنا كان مع اغتصاب واحتلال، تداخل منذ العام 2004، بعد اغتيال الخالد ياسر عرفات، مع عملية التهويد التوراتي، وخلال فترة قد تكون أقصر من حركة تفكير تلك المركبات الفلسطينية، سيتم الإعلان الرسمي عن "دولة اليهود" على 85% من أرض فلسطين التاريخية لتدمج بين المشروع الصهيوني التوسعي والمشروع التوراتي التهويدي.

الانقسام كان الأداة التنفيذية للمشروع التوراتي التهويدي، ودونه ما كان له أن يرى النور...الانقسام كان مخطط أمريكي صهيوني وبعض أطراف عربية، تمكنت من تمريره فلسطينيا عبر "اشكال مختلفة"، ولم يعد هناك كثيرا من الأسرار في ذلك منذ قرار عباس بإجراء انتخابات 2006، التي كانت هي بوابة النكبة الوطنية الكبرى الثالثة، فمنحت إسرائيل "جائزة القرن"، بتقاسم ما تبقى من فلسطين أرضا وفصائلا.

الانقسام هو قاطرة تنفيذ "صفقة ترامب"، ومن لا يدرك ذلك يكون أداة لخدمته بوعي وليس بغير وعي...لذا الخطوة الأولى تبدأ من هنا، وغيرها كلكم أدوات لخدمة مشروع التهويد التوراتي...

ملاحظة: فضيحة سياسية، بأن يستقبل لبنان رسميا وفدان تمثيليان لفلسطين في ذات اليوم، وفد يمثل فتح (م7)، وآخر يمثل حماس وتحالفها الذي بدا يتسع ليشمل فصائل تقيم في دمشق للمرة الأولى...الغريب صمت عباس وتياره كليا على تلك الفضيحة، وعاش القرار الوطني المستقل!

تنويه خاص: يبدو أننا سنشهد قريبا تطور "البعد المنكافاتي" بين سلطتي عباس وحماس، هذا يعتقل صحفي وذاك يعتقل إعلامي...ياااه كم أنتم صغار!