إسرائيل: انتصار بمرارة الهزيمة لنتنياهو
تاريخ النشر : 2019-06-08 13:53

من لم يقرأ كتاب الأمير لميكافيللى، الذى يعتبر مؤلفه فى نظر الكثيرين من علماء السياسة مؤسس »علم السياسة الحديث« باعتباره علما يتمحور حول السلطة والحكم، يستطيع من خلال تتبع مواقف بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات الأخيرة وبعدها، أن يلمس أثر الميكافيللية السياسية فى تكوينه، وعلى نحو خاص ذلك المبدأ المعروف «الغاية تبرر الوسيلة» وهو المبدأ الذى يمثل أحد أهم النصائح التى قدمها ميكافيللى فى هذا الكتاب المشهور الذى أثر فى البعض من ساسة وقادة القرن العشرين وما قبله، يكمن الفارق بين الظروف التى كتب فيها هذا الكتاب فى عصر النهضة، والذى لم تكن فيه الديمقراطية قد ولدت بعد، بل كان عصر الإمارات الوراثية، فى حين أن نتنياهو يمارس السياسة فى إطار ديمقراطية برلمانية الحكم فيها هو صوت المواطن الذى يدلى به فى الانتخابات.

كان قرار نتنياهو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة قبل انتهاء ولايته، مسكونا بهاجس تعزيز مكانته فى مواجهة الاتهامات التى تلاحقه من قبل المدعى العام المتمثلة فى خيانة الأمانة وتلقى هدايا من رجال أعمال وشبهات فى صفقة الغواصات الألمانية؛ وكان يرى فى ذلك أن فوزه فى هذه الانتخابات سيمنحه الفرصة لتمريرالقانون الفرنسى أى تشريع على شاكلة هذا القانون الذى يحول دون محاكمة رئيس الوزراء فى أثناء ممارسة ولايته، وما إن أسفرت انتخابات الكنيست الحادية والعشرين عن فوزه بأغلبية توصيات الكتل البرلمانية اليمينية التى أوصت بتكليفه بتشكيل الوزارة.

انتهت مشاورات تشكيل الحكومة والحصول على الأغلبية فى الكنيست إلى الفشل بعد نهاية الثمانية والعشرين يوما وهى المهلة الأولي؛ وبعد نهاية الأربعة عشر يوما وهى المهلة الثانية التى يكفلها القانون للمكلف بتشكيل الحكومة؛ وذلك بسبب إصرار حزب إسرائيل بيتنا بزعامة اليمينى أفيجدور ليبرمان على تصديق الأحزاب الدينية المتشددة على قانون تجنيد المتدينين فى الجيش الإسرائيلى أسوة ببقية المواطنين الإسرائيليين، وبالإضافة إلى تمسك ليبرمان بالقضاء على حماس واتهام حزب الليكود بالرضوخ للأحزاب الدينية المتشددة.

ولكى يحول نيتانياهو دون تكليف رئيس الدولة لشخصية أخرى من الكنيست لتشكيل الحكومة؛ فضل اللجوء إلى إجراء انتخابات جديدة بعد أن صدق الكنيست فى القراءة الثالثة على قانون مقدم من حزب الليكود لحل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة فى السابع عشر من سبتمبر، لكى يصبح الكنيست الحادى والعشرون الأقصر عمرا فى تاريخ مؤسسة الكنيست، منذ إنشائها، حيث لم تستمر إلا لأقل من شهرين؛ كما يصبح نيتانياهو شخصيا الثالث من بين أولئك الذين كلفوا بتشكيل الحكومة ولم ينجحوا فى مهمتهم بيريز 1990، وتسيبى ليفنى عام 2008.

توحدت المعارضة فى مواجهة محاولة نيتانياهو لتكتيل أعضاء معسكره لسن قانون يقلص صلاحيات المحكمة العليا ويمنحه حصانة ضد الملاحقة القضائية؛ تجلى ذلك فى مظاهرة السبت 25 مايو، حيث جمعت هذه المظاهرة كافة أحزاب المعارضة الإسرائيلية ورفع المتظاهرون صور نتيناهو مع صور رجب طيب أردوغان، فى إشارة إلى تحول نيتانياهو إلى الحكم الفردى المستبد على حساب القواعد الديمقراطية وحكم القانون.

وترتيبا على ذلك اجتمع الفشل فى تشكيل الحكومة مع محاولة نيتانياهو تغيير النظام القضائى المعمول به، بالإضافة إلى اللجوء لحل الكنيست بعد أقل من شهرين على تشكيله، ليمثل قمة المأساة التى يعانيها نيتانياهو، تلك المأساة التى حولت انتصاره فى انتخابات الكنيست الحادية والعشرين، إلى هزيمة معنوية ومهينة للسياسى الإسرائيلى، الذى كان على وشك تقلد ولاية خامسة فى إسرائيل تجعله يتفوق على بن جوريون مؤسس الدولة فى بقائه فى هذا المنصب.

يعتقد نيتانياهو أن ذهابه إلى الانتخابات مجددا قد يضمن له الفوز فيها مرة أخرى مع معسكر اليمين، وبافتراض إمكان حدوث ذلك وهو على أى حال ممكن- فإن نيتانياهو قد خسر السباق مع الزمن على ما يبدو؛ فمراهنته الأولى فى الكنيست الحادية والعشرين كان يرتبط نجاحها بنجاحه فى تشكيل الحكومة والحصول على الأغلبية المطلوبة فى الكنيست قبل حلول موعد جلسات الاستماع وتتابع حلقات المساءلة القضائية عن لائحة الاتهامات الموجهة ضده، أما فى هذه المرة فيبدو أن الوقت ليس لصالح نيتانياهو، لأن الانتخابات للكنيست الثانية والعشرين، ستجرى فى 17 سبتمبر، ولو كلف بتشكيل الحكومة حتى بافتراض نجاحه فى هذه المهمة فإنه يكون قد دخل فى شهر أكتوبر أو مطلع نوفمبر عام 2019، وهو بالتحديد موعد جلسات الاستماع وتتابع حلقات محاكمته، وإذا ما تبين أنه مذنب ومدان سيصدر بحقه أحكام، وتكون الصورة قاتمة أمامه، فمن من الأحزاب والتكتلات البرلمانية على استعداد لدعم رئيس وزراء فقد الثقة والاعتبار ومهدد أن يكون وراء القضبان؟ من المرجح أن يعيد الجميع النظر فى أمر استمرار الائتلاف على ضوء المعطيات والمتغيرات الجديدة.

أما فيما يتعلق بالصفقة الأمريكية المسماة «صفقة القرن» فإن مصيرها فيما يبدو مرتبطا بمصير نيتانياهو، ففى وضعه الحالى فى انتظار الانتخابات والمحاكمة، لا يملك الانخراط فى أية قضية تتعلق بالسلام مع الفلسطينيين، كما أن الصفقة بطبيعتها الغامضة وما تسرب عنها من أخبار، وما رافق الترويج لها من قرارات، فتكاد تكون مصنوعة خصيصا لنيتانياهو ومفصلة تفصيلا على مقاسه وأفكاره، ومن ثم فإن الفشل والمحاكمة لنيتانياهو سيضع هذه الصفقة فى الثلاجة حتى إشعار آخر، وهو ما يعنى التأجيل على الأقل لعام آخر، وأن تذهب سدى كل الجهود التى بذلت من أجل حفز نيتانياهو على الاستمرار والبقاء، الاتفاق الذى سبق هذه الأزمة كان يتمحور حول إرجاء الإعلان عن الصفقة حتى تشكيل حكومة نيتانياهو الخامسة ومن ثم فقد دخلت الصفقة ومعها نيتانياهو فى نفق يبدو أنه مظلم.

وحتى الآن يبدو أن صفقة القرن الأمريكية، قد تكون »صفقة القرن القادم« على حد تعبير صائب عريقات مسئول ملف المفاوضات فى منظمة التحرير الفلسطينية.

أما فيما يتعلق بنيتانياهو، فإن العد التنازلى لسقوط الأسطورة التى صنعها لنفسه أو صنعها مؤيدوه فى الداخل والخارج قد بدأ، وتحول صديقه اللدود أفيجدور ليبرمان من صانع الملوك إلى هازم لطموحاتهم والمقصود، طبعا ارتباط مصير نيتانياهو برضا ليبرمان.

عن الأهرام