استراتيجية تدمير روسيا
تاريخ النشر : 2019-06-03 13:34

من الناحية الرسمية، فإن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع روسيا، ولا تتعامل معها كعدو، ولكن عملياً تمثل موسكو العدو الأول والأخطر لواشنطن. بل إنها العدو الذي يشكل خطراً وجودياً حقيقياً عليها بحكم امتلاكها لأسلحة نووية تكفي لمحو نصف العالم إن لم يكن كله بما فيه القارة الأمريكية. لذلك فإن الجانب الأعظم من ترسانة الأسلحة النووية والتقليدية التي تمتلكها وتطورها الولايات المتحدة يوجه لأهداف روسية.

والوصف الذي تطلقه استراتيجية الدفاع القومي الأمريكية على روسيا باعتبارها منافساً استراتيجياً، ليس أكثر من تلاعب بالكلمات تفتضيه دواعي الكياسة الدبلوماسية في زمن السلم.

ولكن تظل روسيا في العقل الجمعي الأمريكي، وفي الأدبيات السياسية، ولدى مراكز صنع القرار، والمخططين الاستراتيجيين والعسكريين هي العدو الأول.

يتعامل كل هؤلاء مع روسيا باعتبارها شراً لابد منه. وإذا لم يكن من المتاح القضاء عليه فعلى الأقل يجب احتواء خطره وتقويض نفوذه واستنزاف طاقاته وإنهاكه إلى أقصى قدر. انطلاقاً من هذه المبادئ، جرى وضع خطط المواجهة مع الاتحاد السوفييتي طوال الحرب الباردة. ولأن هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحها ما زالت الولايات المتحدة تطبقها بطريقة أو أخرى حتى الآن. فإذا كانت الحرب الباردة قد انتهت فإن الخطر الروسي ما زال قائماً.

لذلك لم يكن غريباً أن تصدر في واشنطن قبل أيام نسخة منقحة من استراتيجية الاحتواء تلك في صورة ملخص لتقرير سري كانت قد أعدته مؤسسة «راند» البحثية، وهي واحدة من أكبر وأهم مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية في أمريكا. أهمية صدور التقرير عن تلك المؤسسة لا تنبع فقط من نفوذها الكبير لدى دوائر الحكم وصنع القرار التي تعتمد على توصياتها بصورة دورية، ولكن أيضاً لأن نفس هذه المؤسسة كانت قد شاركت في صياغة الاستراتيجية التي تبنتها الحكومات الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفييتي.

الخطوط العريضة التي كشف عنها التقرير توضح أن الاستراتيجية المقترحة، والتي يتم تطبيق جانب منها بالفعل، تستهدف استنزاف روسيا بإجبارها على تبديد مواردها الاقتصادية في سباق تسلح أو أنشطة عسكرية مكلفة في الخارج، تماماً كما حدث في الحرب الباردة. تحمل الاستراتيجية عنواناً معبّراً عن هذا التوجه هو التمدد الزائد وخلخلة التوازن الروسي. وتحقيق ذلك يكون من خلال العمل على عدة جبهات في وقت واحد.

نقطة الضعف الروسية الأساسية التي ترصدها الاستراتيجية هي الاقتصاد بسبب اعتماده على عائدات صادرات النفط والغاز.

لذلك فإن التوصية الأهم هي ضرب الاقتصاد من خلال زيادة الصادرات الأمريكية من الطاقة، والعمل على تخفيض الأسعار، والضغط على أوروبا لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي وتوفير مصادر بديلة.

بالتوازي مع ذلك، يجري تطبيق خطة بعيدة المدى لتقويض مستقبل روسيا من خلال تشجيع العمالة الماهرة والشباب الحاصل على مستويات رفيعة من التعليم على الهجرة للخارج، أي استنزاف العقول لحرمان روسيا من ثروتها البشرية.

محور آخر مهم في الاستراتيجية، يتعلق بالعمل العسكري من خلال الاستفادة من نجاح التجربة السابقة بجرّ روسيا إلى سباق تسلح محموم لا يقوى اقتصادها على تحمل أعبائه. والتوصيات الأساسية هنا هي نشر مزيد من القوات في أوروبا، ونشر وتطوير الصواريخ الهجومية بعيدة المدى، مع تكثيف الوجود العسكري البري والبحري حول روسيا.

في الإطار نفسه، يجري تعزيز المساعدات العسكرية المقدمة إلى أوكرانيا لإنهاك روسيا في مواجهات مستمرة، بشرط تجنب تصعيدها إلى حرب واسعة مع أوكرانيا، لأن روسيا قد تكسبها.

توصي الإستراتيجية بالعمل على محور آخر، هو المحور الإعلامي والفكري بهدف تعميق الخلافات والصدامات الداخلية في روسيا من ناحية، وتشويه صورتها خارجياً من ناحية أخرى. مع حرمانها من المشاركة في المنتديات العالمية، ومقاطعة الأحداث الرياضية التي تنظمها.

لا يتسع المجال لعرض باقي التفاصيل، لكنها باختصار خطة حرب حقيقية لتدمير روسيا، حتى لو لم تطلق فيها رصاصة واحدة.

عن الخليج الإماراتية