حرية الإعلام أولاً
تاريخ النشر : 2019-05-30 17:00

كثيرا ما يتناول بعض الإعلامين ركائز السياسة الإعلامية لهذا المنبر أو ذاك، لهذة المؤسسة أو تلك، وحتى ان بعضهم يدعي الحديث بإسم الوطنية والقومية كلها، بإعتباره يعمل في إحدى مؤسساتها، أو أنيطت له مهمة ما تتعلق بالإعلام الرسمي في هذا البلد أو ذاك.

مفهوم الإعلام واسع وسع فضائه، ومسؤولياته، وإلتزاماته تجاه الشخص أو المجموعة أو المؤسسة أو المنظومة السياسية التي يعمل من خلالها، ويعبر بواسطتها عن الشرائح والفئات والطبقات والنخب السياسية التي يمثلها، عن افكارهم، وعن خلفياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والدينية والثقافية عموما. لا سيما وأن إستقلالية المنابر الإعلامية بمختلف مستوياتها وخصوصياتها، هي إستقلالية نسبية، لإن من يقف خلف هذة او تلك من المؤسسات، هو من يملي رؤيته، وبرنامجه، وحدود المسموح من عدم المسموح بالإعلان عنه، أو الكتابة حوله. وبالتالي لا يوجد في اي مؤسسة إعلامية حرية مطلقة، ولكن لا بد من الحرية الكفيلة بالإبداع، لا الحرية المقيدة بسياسة المتربع على كرسي المنبر الإعلامي: فضائية، إذاعة، موقع اليكتروني، جريدة أو مجلة .. إلخ

وارتباطا بما تقدم، لا يمكن لكائن من كان ويعمل في الإعلام يستطيع الإدعاء، بأنه حر ومطلق اليدين، ولكنه في ذات الوقت، معطى حرية التعبير عن الموقف الذي يريد وفقا للمعايير المهنية، وإنسجاما مع مركبات الموقف، أو الموضوع المثار، ولا يمكن للجالس على رأس المنبر كبح وخنق حرية التعبير لإعتبارات وهمية خاطئة وقاصرة عن رؤية الأبعاد الضرورية للمهنية الإعلامية. وفي حال تعارض الشخص المسؤول مع سلامة التحليل والقراءة أو الكيفية، التي يعرض فيها الموقف على شاشة الفضائية أو أثير الإذاعة او صفحات الجريدة والمجلة او الموقع الأليكتروني، على الإنسان الذي يحترم نفسه، ان يناضل مع زملائه وأقرانه لتصويب الخلل بالوسائل المهنية، وعدم الإستسلام لمشيئة إنسان لا يملك المؤهلات الكافية والمناسبة للإشراف على مؤسسة تصنع وتبني راي عام، والتوجه لكل ذي بصيرة لإحداث النقلة النوعية في مركبات المؤسسة، لإن بقاء الحال على ما هو عليه، يعني الإصطدام المتواصل بين الغث والسمين، بين الصواب والخطأ، بين المهنية واللامهنية، بين المقيد لنفسه، والمنفتح على العالم، والمتحرر من النواميس والصنميات. وبالمحصلة لن تتمكن المؤسسة من العمل بروحية سليمة، مما سيدفع الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.

وعطفا عليه، كل حديث عن المهنية، والتخطيط، والبرمجة، والسياسات، والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير في المؤسسات العاجزة، والمغلقة الباب على نفسها، والمقيدة للحريات، مجرد كلاشيهات شكلية، لا تمت للحقيقة بصلة. وتتعمق المأساة، والمصيبة عندما يحتل شخص ما (إمرأة أم رجل) موقعا مقررا في منبر من المنابر، لا يمتلك المؤهلات والقدرات الإعلامية المهنية بحدودها المطلوبة، ويمنح الصلاحيات على هذا المنبر أو ذاك، عندئذ تمسي الإشكالية أعمق، وأكثر تعقيدا، وتقع المؤسسة المعنية تحت سيف التخبط، والإرباك، والفرضيات غير الواقعية، والإشكاليات بسبب وبدون سبب مع المرؤوسين، أو العاملين الأساسين، والذين لا يخضعون لهيمنة الواقف على راس المنبر، لكنهم مضطرين للتعامل معه للإعتبارات الإدارية واللوجستية. مما يضع المنبر الإعلامي في أتون أزمات متعاقبة، تؤثر على هويته، ومكانته، ودوره بين المنابر الأعلامية الأخرى، ويحيله لركام وحطام.

وبإختصار شديد، ودون إستطراد، الإعلام، مطلق منبر إعلامي، ورغم اهمية ومكانة ودور دافع الأموال، أو إذا جاز التعبير المنتج، والواقف خلف هذا المنبر، إن كان منبرا خاصا أو عاما، فإن الشرط الأول للإعلام، كي يكون ناجحا، ومنتجا، ومفيدا، وبغض النظر عن خلفيات صاحب القرار، هو الحرية الإعلامية، حرية التعبير ضمن الضوابط العامة للمؤسسة؛ لا مجال لمنبر من المنابر إن اراد الواقفين خلفه له النجاح والإنتشار، إلآ ان يتمتع بالحرية، والمهنية، والتخطيط المسؤول، لا التخطيط الشكلي الفارغ، الذي يحف أصابع الإعلاميين على مقاس اجندتهم الشخصية والضيقة.

لا إعلام دون حرية الرأي والتعبير، لا إعلام دون مسؤولية شخصية وعامة، لا إعلام دون مهنية في هذا المجال أو ذاك، لا إعلام ناجح دون إفساح المجال للكتاب والمبدعين لإستشراف المواقف والرؤى السياسية والإقتصادية والأمنية، لا إعلام ناجح دون تجاوز سقف الموقف المتداول داخل الصندوق، لا إعلام ناجح دون إبداع وإشتقاق الرؤى والمواقف حتى لو وقع المجتهد في الخطأ، لا إعلام ناجح دون ثورة دائمة على التابوتات وصنمية ما قاله هذا المسؤول أو ذاك، لا إعلام ناجح دون التمرد على الذات، والخروج على المواقف المدجنة والمعلبة، لا إعلام ناجح إلآ بالتجديد والتغيير الدائم.