الخائفون من الانتفاضة الثالثة
تاريخ النشر : 2014-06-19 11:12

تفيض الانتهاكات الإسرائيلية في الأيام الماضية وتزيد على طاقة أي وسيلة إعلامية لرصدها أو تقديمها؛ لقد فجّر الجنود الإسرائيليون أبواب البيوت والناس نيام، وطردوهم من أسرّتهم، وناموا عليها، وأكلوا طعامهم، واعتقلوا أبناءهم، وأعاقوا حرياتهم، وقتلوهم، ويعدونهم بالعودة إلى الحواجز الإسرائيلية التي تجعل مسيرة نصف ساعة تستغرق ست ساعات. كل هذا بسبب عملية خطف لم تكتمل أركانها القانونية بعد.
وآثار الانتهاكات الإسرائيلية لا يحلها شيء، كما أنّ آثارها على الشبان والأطفال قادمة. وبالتالي، فإن رد الفعل مقبل، والتحذير من أن يكون رد فعل غير مثمر، وغير عقلاني هو السلوك غير المثمر وغير العقلاني.
هناك قناعة لدى شرائح ليست قليلة بأنّ الإسرائيليين يستدرجون الفلسطينيين إلى انتفاضة ثالثة، وبالتالي أنّ انتفاضة فلسطينية هي مصلحة إسرائيلية. ويقوم هذا الافتراض على أنّ الانتفاضات السابقة كانت مصلحة إسرائيلية، أو أنّ توقيت الانتفاضة الآن هو مصلحة إسرائيلية. أضف إلى ذلك أنّ هناك "فرضية" بأنّ البنى السياسية، والتنظيمية، والاجتماعية الفلسطينية غير مهيّأة لانتفاضة ثالثة.
هناك فرضيات كثيرة، وصلت حد أن يطرح أكاديمي فلسطيني أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اصطنع الحادث، ليبرر سياساته وعقيدته الصهيونية العدوانية. وبالتالي، يصبح رد فعل فلسطيني أمراً محتملاً.
ردود الفعل هذه بحد ذاتها تحتاج تحليلا وفهما.
أولى مشكلات هذه الأسئلة (وهذا ليس بالضرورة انتقادا لمطلقيها)، أنّها تعبير عن شعور بأنّ أقصى ما يمكن أن يفعله الفلسطيني هو رد الفعل. وفي هذه الفرضية إدانة ضمنية للمستوى القيادي الفلسطيني، لأنّها تعني ضمناً أنّه لن يكون هناك رد على هذا المستوى، رغم أنّ دوائر "السلطة الفلسطينية" هي أكثر من يطرح التخوف من فكرة الانتفاضة الثالثة، وهي تعني الخوف من أن يتولى الشارع رد الفعل في ظل غياب قيادي قادر على الردع، وعلى إقناع الشارع.
ثانية المشكلات، تتعلق بفكرة أنّ الانتفاضة الثالثة هي بالضرورة استنساخ للانتفاضتين السابقتين؛ وأن الانتفاضة الأولى كانت قائمة على ظرف اجتماعي وسياسي وتنظيمي لم يعد موجودا، وأنّ الثانية كان فيها انزلاق إلى مواجهات غير محسوبة. والواقع أنّ الرد على هذه الفرضيات والتساؤلات، سواء عبّرت عن قلق مشروع أو عن هروب من المسؤوليات هي، أولا، أنّ عدم القيام برد فعل، أو اقتصار رد الفعل على بيانات الشجب والحديث في الإعلام والدبلوماسية الدولية، أمر مستحيل. السلوك المثمر والعقلاني هو تولي تقرير رد الفعل المناسب في قوته وتفاصيله.
كما أنّ في الحديث عن الاستنساخ عجز عن فهم ديناميات الظاهرة الاجتماعية في حالة المواجهة الشاملة، وعدم تنبه لمتغيرات العصر. ليس بالضرورة تكرار آليات وأنظمة عمل أي تجربة سابقة، وكل مرحلة تفرض آلياتها وطرقها.
وبمثل أنّ العصر لم يعد عصر البيان الورقي الذي كانت تعده وتوزعه القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة العام 1987، ولم تعد كتابة فعاليات الانتفاضة وتعليمات القيادة على الجدران مهمة؛ بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، والفضائيات، وأجهزة الهاتف الخلوي، فإنّ هذه الأجهزة، وتراجع الفصائل وتبدل أدوارها في المعادلة، أنتجت آليات جديدة للتنظيم والتواصل والتحرك، يمكن أن تتفاعل وتنتج البديل التنظيمي والنموذج القيادي الجديد والعملياتي، بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات.
سمعت قبل أشهر، في الإعلام، نشطاء فلسطينيين يقولون إنّ الانتفاضة الثالثة ليست بالضرورة هي الخيار، بل نمط مقاومة شعبية مبرمج مختلف. وهذا الطرح ربما يكون مناسبا عند الحديث عن سياسات إسرائيلية للفصل العنصري، وجدران فصل، وبناء مستوطنات. ولكنه لن يبقى مناسباً أو كافياً عندما تصبح الطلقات الإسرائيلية وقنابل الغاز في كل شارع.
نادرا ما يتوقع أحد رد الفعل الشعبي؛ من حيث نوعه، وتوقيته، وقوته. ولكن الصحيح أنّ هناك من يبقى جاهزاً دائما ليكون قادرا على تنظيم وتوجيه وتجميع ردود الفعل، وتلافي السلبيات؛ سواءً بتوفير البنى التنظيمية والأفكار التي تؤثر في تحديد نوع رد الفعل وقوته، أو من حيث الاستعداد للعمل في اللحظة المناسبة التي تندلع فيها الشرارة ليكون هناك "قيادة" قادرة على العمل.
عن الغد الاردنية