الحذر من مقاربات الانفصال
تاريخ النشر : 2019-01-16 17:26

تصاعدت حدة التوتر مؤخراً بين الحركتين الكبيرتين فتح وحماس وقد تجاوزت آليات تقييد الحريات عبر الاستدعاءات والاعتقالات على خلفية ذكرى احياء الانطلاقة في كل من الضفة وغزة لتصل إلى مرحلة جديدة عنوانها الاجراءات المؤسساتية والقانونية والادارية والتي تنزع صفة الشرعية عن الطرف الآخر .

بعد قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي قامت كتلة الاصلاح والتغيير على اثر اجتماع عقدته في مقر المجلس في غزة بنزع الاهلية الدستورية والسياسية عن الرئيس محمود عباس وقامت العديد من منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة مع حركة حماس بإصدار بيان تطعن في شرعية توليه لمجموعة 77+ الصين وكانت قد قامت السلطة بسحب موظفيها من معبر رفح وتهدد بمزيد من الاجراءات على حركة حماس ضمن آليات الفعل ورد الفعل بين الطرفين .

تنبع خطورة ما يحدث باحتمالية تحويل الانقسام إلى انفصال بما يهدد وحدة المشروع الوطني ويساهم وبغض النظر عن النوايا في تمرير صفقة ترامب الرامية إلى خلق كيان سياسي في قطاع غزة يستند إلى مبدأ السلام الاقتصادي دون ان يرتقي إلى دولة ذات سيادة، وان يتم إدارة شؤون السكان بالضفة عبر ادارات محلية تتكرس بها عمليات التجزئة والتفتيت على ان تقوم دولة الاحتلال بضم مساحات واسعة من اراضي الضفة 

وتنبع الخطورة ايضاً بالتنازع على التمثيل بما يهدد مصداقية القضية الفلسطينية ويقوض من وحدة وشرعية النظام السياسي برمته .

على ضوء حالة الاستعصاء والانسداد بأفق المصالحة الوطنية بعد التدهورات السلبية الاخيرة التي تمت في سياق العلاقات بين فتح وحماس تبرز بعض الافكار من بعض الكتاب والسياسيين والمثقفين و التي تحاول ان تقدم مقاربات لمعالجة هذا الاستعصاء تحت شعار التفكير خارج الصندوق .

واحدة من هذه الافكار تتركز في ان يتم تحديد ادارتين منفصلتين واحدة في غزة والثانية في الضفة وان يربطهما اتحاد فدرالي مشترك ، ومقاربة اخرى تقترح بأن يتم ترحيل السلطة إلى قطاع غزة  لتدير شؤون السكان وتؤسس بنية لتتحول إلى دولة يتم من خلالها اجراء انتخابات لمجلس تأسيسي او برلمان للدولة تحت الاحتلال ، علماً بأن التحدي الرئيسي يكمن بالضفة الغربية من خلال العمليات الاستيطانية ومصادرة الاراضي وتهجير السكان وتهويد القدس.

يتضح من هذه الافكار والمقاربات حالة اليأس والاحباط الذي وصل إلى البعض من جراء استمرار الانقسام وفشل كافة المحاولات لانهاؤه بالاستناد إلى اتفاقات المصالحة المختلفة الأمر الذي دفع بعض المثقفين للتكيف مع معطيات الواقع من خلال اقتراح حلول تتعاطى مع ما هو قائم بالاستناد إلى استمرارية سيطرة فتح بالضفة وسيطرة حماس في غزة دون امكانية تحقيق بنية مؤسسية وتمثيلية مشتركة لنظام سياسي فلسطيني موحد .

من الخطورة بمكان التسليم بمعطيات الواقع الراهن المبنى على الانقسام والتجزئة والتفتيت وذلك بدلاً من اقتراح هذه المقاربات التي اثق في نوايا اصحابها إلا ان الخطورة تكمن في تعزيز حالة اليأس والاحباط بدلاً من شحذ الهمم واستنهاضها لمواجهة مخاطر الانقسام على طريق انهاؤه وفق صيغة تضمن الشراكة السياسية والابتعاد عن الهيمنة والتفرد واستخدام ادوات التحول الديمقراطي مثل الانتخابات والحوار وغيره من الوسائل التي ستعمل بالضرورة على اعادة بناء النظام السياسي على قاعدة جديدة مبنية على احترام التعددية والرأي الاخر .

إن المقاربات المقترحة " خارج الصندوق " تؤدي بالضرورة إلى الانفصال بدلاً من ضرورة تجاوز باتجاه صياغة وحدة المشروع الوطني الذي يستند إلى وحدة الارض والشعب والمؤسسة والهوية.

لا بد من استمرار الضغط والتفاوض والتدخل بكافة الوسائل الديمقراطية الرامية إلى انهاء الانقسام والذهاب نحو الوحدة الوطنية خيارنا الوحيد في مواجهة التحديات ومن اجل تعزيز صمود شعبنا واستعادة الديمقراطية المفقودة .  

لقد بات مطلوباً اجراء حوار وطني شامل يجيب على تحديات صفقة ترامب وعلى المعضلة الفلسطينية الراهنة بما يضمن الخروج من المسار الراهن إلى مسار جديد عنوانه التحرر والانعتاق من ربقة الاحتلال ونظام الأبارتهايد .