وادي الصليب: يهودي أحرق نفسه قرب درج عجلون
تاريخ النشر : 2019-01-04 10:04

إذا وصلت منطقة وادي الصليب، في حيفا، تشاهد مباني متداخلة من طرز مختلفة، بعضها زجاجي حديث، وبعضها قديم، وحطام مبان عريقة. عندما وصلت الحي العام 2015، كان صعبا استيعاب كل المعلومات؛ هذا جامع الاستقلال الذي كان يخطب فيه الشيخ عز الدين القسام، قبل ثورة العام 1936، ثم هناك بناية كبيرة زجاجية، يوضح لك مرافقوك، أهل المدينة، أن الإسرائيليين بنوها على شكل سفينة، آتية من البحر، رمزا للحضارة والتنوير الآتيين مع “المهاجرين” الصهاينة، من الغرب للشرق. المفارقة أن السفينة تبدو كمن يتجه إلى الجبل، حيث بقايا البيوت العربية المدمرة، والتي هجر أهلها، فتصبح الرسالة أن السفينة جاءت بالخراب.
تصعد لتشاهد البيوت المتبقية، ومنها بيت عائلة كنفاني، يفاجئك أصدقاؤك؛ هذا الدرج يسمى درج عجلون، وهذا درج إربد، وتسأل عن سبب التسمية، (وقد كتبت عن هذا سابقا)، فيخبروك أن المعتقد أنه أثناء تشييد ميناء حيفا في العهد العثماني، جاء عمال من أماكن عدة، وعلى عادتهم يسكن العمال المبتعدون عن بيوتهم معا، فسكن الآتون من إربد على البيوت المحيطة بدرج، والآتون من عجلون، على درج مجاور.
تدخل البيوت العربية، علك تجد شيئا من آثار أهلها. يتركك، أصدقاؤك تبحث، ثم يكشفون لك أن مقاولين وبنائين إسرائيليين، خلعوا حتى حديد الشبابيك، والبلاط (النابلسي)، ليستخدموها في بناء مستوطنات، وجزء من هدفهم، إعطاء إحساس زائف بالقدم والأصالة، في مباني المستوطنين. ثم يخبرونك أن يهودا شرقيين وعربا سكنوا في هذه البيوت سنوات ثم خرجوا.
نشرت صحيفة الشرق الأوسط، هذا الأسبوع، (3 كانون الثاني (يناير) 2019)، خبرا يقول إن المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) تمنع إتاحة وثائق تتعلق باليهود العرب. وبحسب الصحيفة فإن دعوى قضائية رفعتها جمعية إسرائيلية، لأن (الشاباك) يرفض السماح لمؤرخ في جامعة ميريلاند الأميركية، الاطلاع على الملفات السرية لاحتجاجاتهم وقمعها، لليهود العرب، وتحديدا في وادي الصليب. وبالبحث في مصادر مختلفة، يتضح أن الاحتجاجات المقصودة، حدثت بدءا من 8 تموز (يوليو) 1959، وسببها الضائقة التي وضع بها اليهود الشرقيون، الرومانيون والعرب، بأعداد كبيرة في البيوت، (يبدو أن عدة عائلات كانت تعطى بيتا واحدا فالبيوت في الوادي جزء منها فاره ومتميز)، وكانوا بدون خدمات، مقارنة ببيوت أوسع وخدمات أفضل لليهود الغربيين.
نبشت صحيفة يديعوت أحرنوت، في تحقيق لها العام 2006، المقالات والصحف، عن تلك الأحداث، التي تقول إنها نشرت الحرائق في “شوارع حيفا وكل إسرائيل”، وتنقل قصة شخص يسمى أكيفا الكديف، أسكن في المنطقة، وعمل عتالا في ميناء حيفا. وكان أكيفا يهرب من ضنك حياته للخمر، وفي يوم استدعى أصحاب الحانة الشرطة لوقفه عن الشغب بعد ثمالته. وفي ملابسات “غير معروفة” (يعرفها الفلسطينيون لتكرار حدوث ما يشبهها معهم)، تم إطلاق النار عليه دون سبب واضح، ومن الروايات التي تنقلها الصحيفة أن “الحادث (ربما) نتيجة الصورة النمطية الرسمية أن المهاجرين المغاربة عنيفون ورؤوسهم حامية، ودماؤهم لا تعني الكثير”. “انتفض” اليهود الشرقيون للحادثة، التي رؤوها جزءاً من التمييز العنصري ضدهم، وصعدوا لبيوت وبنوك ومحلات وسيارات اليهود الغربيين وأحرقوها.
بحسب الصحيفة، لم يمت أكيفا، مع أن الاحتجاجات افترضت موته، ولكن أصيب بالشلل، وبعد عام من الحادثة بحث صحفي عنه، فوجده مشلولا في المستشفى يعاني ولا أحد يكترث به، فلا أهل له، ورئيس البلدية وعد المستشفى، مرارا بإرسال أخصائي اجتماعي ليعالج حالته، ولم يصل الأخصائي. والذين “ثاروا” بعد حادثته، تم إيجاد بيوت أخرى لهم ( فلسطينية)، لم يهتموا بشأنه، ولم يزوروه، وهو كان يسأل لماذا لم يقتلوني لأرتاح؟
تكررت في السنوات الأخيرة، أخبار عن هدم بيوت ومبان فلسطينية، في الوادي لبناء مبان للاسرائيليين. ولا شك أن ذاكرة الوادي العربية، بأهله، وقصة الميناء ومن جاؤوا له، تحتاج توثيقا. وهناك أكثر من باحث وباحثة مهتمين عملوا ويعملون فعلا لتوثيق ذلك. ولكن عدا التوثيق، يجدر “فضح” ما تريد المخابرات الإسرائيلية إخفاءه؛ وجوهره أن “سفينة النور” المزعومة، للمشروع الصهيوني الآتي من “الغرب”، دمرت حياة الغالبية الساحقة من الفلسطينيين، وحياة جزء كبير من اليهود، فالعنصرية لا تحصد إلا الدمار، وللجميع.

عن الغد الأردنية