بينَ جَولتَيْنِ لانتخابات السّلطات المحلّية
تاريخ النشر : 2018-11-09 01:20
هذا العنوان بحدّ ذاته يستدعي من كلّ عاقل متفكّر مراجعةً، على أثر ما جرى في الوسط العربيّ من مشاهد عنف حدثت قبل أو بعد الجولة الأولى من الانتخابات، من تكسير، وتدمير، وحرق، وتخوين، وتجريح وما إلى ذلك ممّا حدث، وعرفَه الجميع، ليس في مكان معيّن إنّما في أمكنة كثيرة من وسطنا.وكلّ ما حدث  من جهة، وما برز واضحًا وبشكلٍ مُعيب بل مُشين من جهةٍ ثانية؛ وها أنذا أتطرّق إلى ظاهرة أطلقت عليهاحرب ما خلف الطّابعة او حرب ما أمام الشّاشة واقصد ما صدر من كتابات نابية جارحة سواء على الصّفحة الزّرقاء أو عبر تطبيق الواتسأب كتابةً ورسائلَ صوتيّةً.
هذا يعيدُ إلى الأذهان مشهدَين: الأوّل أنّ المرشّح كائنًا من كان هو المسؤول عن هذا النّوع من العنف والّذي ظهر للعيان
من قبل النّساء بشكلٍ خاصّ، واللّواتي عملْنَ بوقاتٍ وطبولًا في جيش قسم من المرشّحين. كانت الرّسائل من النّوع الثّقيل الّذي إذا سمعه أحدٌ يندَى لسماعه الجبين، ضربًا دون هوادة من تحت الحزام ودعواتٍ للمقاطعة وتهديدًا ووعيدًا وما إلى ذلك.وهذا المشهد يصبّ في خانةِ ما " يعملُهُ الرّاعي يطيب لخاطر المعلّم"، ما يعني صراحةً يطيب للمرشّح صاحب الحملةومهندسها، نقطة على السّطر.
فَمَهما كانت الأسباب والدّوافع من قبل ذوات المرشّح اللّواتي
فعلنَ هذا من دافع العاطفة وحبّهنّ وغيرتهنّ على مرشّحهنّ، لم يكن لهذا أيٌّ مبرّرٍ؛ فأي رسالة أرادت كلّ واحدة أن توصّل لأفراد عائلتها؟؟ أو للجيل الصّاعد وللشّباب المتحمّس الخطير؟ كانت هذه السّلوكيّات العنيفة كلاميًّا واضحةً بصورةٍ غيرِ مسبوقةٍ،  ليس بسبب حماس هذه الجولة فقط، إنّما بسبب التّكنولوجيا الّتي وصلت كما بدا للعيانِ  ولمزيد الأسف إلى أيدٍ غير أمينة، كانت عبارة عن سلاح فتّاك من شأنه حرق كلّ قطعة جميلة في بيئتنا، وحرق الأخضر واليابس بما كان من مقاطعات وتهديد.فمهما تحدّثت في هذا الباب فلن أحيط بجوانبه  السّلبيّة الكثيرة الخطيرة المثيرة للنّعرات العائليّة منها وغيرها. وهذا إنّما يدلّ على حالةٍ متدنّية من الانفلااااات.
وعندي شكّ في إمكانيّة ضبط هذا الانفلات وإعادتِهِ إلى المربّع الأوّل، حيثُ الجيرة والعيش المشترك بكلّ أشكاله.
المشهد الثّاني أعادني منذ اللّحظة الأولى إلى موضوعةٍ تاريخيّةٍ تعود جذورها إلى العصر الجاهليّ وعصبيّته المقيتة
والّتي نتشدّق بمحاربتها.فقد تذكّرتُ باب ما كان يُدعى شعر
المُوَثِّبات وهو من الفعل وَثَبَ الّذي لا تجهلون معناه؛ وهذا
الشّعر كان يقالُ لدفع القبيلة وتوثيبها ودعوتها إلى الحرب.
من أشهر الموثّبات تلك الّتي قالتها البسوس بنت مُنقِذ ابن
سلمان بن عمرو بن سعد بن زيدِ مَناة بن تميم على عادة
نساء الجاهليّة اللّواتي إذا وثّبْنَ أي قلنَ من هذه الأشعار المحرّضة قامت الحرب إلى أجلٍ قد يصلُ مداهُ إلى أربعين
عامًا من الاقتتال والتّقتيل والثّار ،فالكلمة منذ أقدم العصور سلاح فتّاك إذا امتلكه شخص وعمل به عاد على القوم بالوبال.
ودارت هذه الحرب، حرب البسوس، بين قبيلتي بكر وَتَغْلِبَ  بسبب قتل كُليب بن وائل لناقةٍ تعود لسعد بن شمس الجرميّ وهو جار البسوس كان يرافقها في تجارتها ويسوس قافلتها بين القبائل. ولمّا جاءت هذه المرأة المشؤومة لزيارة أختها في قبيلة بكر وهي أم جسّاس بن مرّة كما يذكر الثّعالبيّ، دخلت ناقة سعد بن جُرُم حمى كليْبٍ وهي أرض كان كليب قد حماها مرعىً لمواشيهِ، ضربها بسهمٍ نفذ ضرعَها فأقبلت النّاقة ترغو وتُزبِدُ وضرعها يشخَب لبنًا ودمًا، إلى بيت مُرّة والد جسّاس، رآها الجرميّ وأخبرَ البسوس الّتي صارت تصيح وتوثّبُ  بأعلى صوتها : وا ذُلّاهُ! وا غُربَتاهُ!  وصارت تنشدُ أبياتًا سمّتها العرب بأبيات الفَناء، لأنّها أشعلت حربًا امتدّت أربعين عامًا بين بكر وتغلب وأحلافهما، ولمّا سمعها جسّاسُ الفتى المتحمّس الشّجاع الغاضب على جَوْر كُلَيْب، قال: أيّتها الحرّةُ اِهْدَئي، فواللهِ لأقتُلَنّ بلقحةِ جاركِ كُلَيبًا الّذي كان متزوّجًا من الجليلة شقيقة جسّاسٍ الّذي انطلق بدَورِهِ إلى البرّيّة يبحث عن كليب، وبعد مساءلةٍ تجاهَلَ فيها كليب جسّاسًا الّذي دفعَه الحماسُ والشّعور بالإهانةِ إلى ضرب كليب بسهمٍ نفذَ فيه فأثقَلَه فماتَ بناقةٍ وأشعل حربًا دارت رحاها أربعين عامًا. تقول الأبياتُ:
لَعَمْرُكَ لَو أصبَحتُ في دارِ مُنقِذٍ
لَما ضيمَ سعدٌ وهو جارٌ لأبياتي
ولكنّني أصبحتُ في دارِ   غُربةٍ
متى يَعْدُ فيها الذّئبُ يعدُ على شاتي
فَيا سَعدُ لا تُغَرِّرْ بنفسِكَ
فَإنّكَ في قومٍ عنِ الجارِ أمواتِ
ودونَكَ أذوادي فإنّي عنهُمُ
لَراحلةٌ لا يَفقدوني بُنيّاتي
وبعدُ، فهذه الموثّبة/المقطوعة الشّعريّة كانت سببًا في إشعال فتيل حربٍ شعواءَ بين قبيلتين تربطُ بينهما وشائج قويّة
في القرابة والنّسب وسمّيت على اسم البسوس التّميميّة الّتي أضحت فيما بعد مضربًا للمثل في الشّؤم والنّحس حتّى قيل:
أَشْأَمُ من البسوس!!!!!!
هناك أمثلة كثيرة عن التّحريض والحضّ على أشعال الحروب،
وما سردتُ هذه القصّة إلّا لتكونَ عبرةً لذوي الألباب، فإيّاكُم
وإشعال الفتنة والكلمة الطّيّبة صدقةٌ، أمّا الكلمة القاسية فهي
سلاح جارح فتّاك قد يأتي بعواقب وخيمة وبيلة على قائله وعلى الآخرين، وأنتنّ أيّتها الأخوات كنّ مصدر تهدئة وتطييب خواطر وتخفيف وقع الأمور لا تأجيج الأجواء
وشحن الشّباب بالحضّ على الانتقام والثّأر والمقاطعة،
فالحياة دائرة تدورُ يومًا لنا ويومًا لغيرِنا لا علَيْنا...
ونعم للدّيمقراطيّة وحرّيّة اختيار المرشّح المناسب على مبدأ
تداوُل السّلطة بالعدل والمساواة والإنصاف.
عساني قد أفلحتُ في تبليغِ رسالتي........