عن الانتخابات الرئاسية المصرية
تاريخ النشر : 2014-05-29 21:32

فوز المشير عبد الفتاح السيسي كان متوقعا منذ البداية وهذا بالفعل ما اظهرته نتائج فرز الاصوات الاولية ،المسألة لم تكن تحتاج ذكاء لاكتشاف ذلك فالمنافس الوحيد القادر على ازاحته من المشهد السياسي كان مرشحا من طرف الاخوان ، وهذا الامر تمت معالجته مبكرا بالقضاء على قدرات الاخوان التنظيمية فهي الان تعاني ازمة خطيرة بسبب تشرذمها وتغير وضعها القانوني واعتقال قياداتها وتجريدها من كل ادوات الاحتجاج والتعبير السياسي بفرض قانون التظاهر .

لهذا السبب لم يكن امام تحالف دعم الشرعية سوى التعبئة من اجل مقاطعة الانتخابات والرهان على سحب بساط الشرعية من الرئيس القادم ، في الوقت الذي استمرت في الحملة الانتخابية للمشير التي حظي فيها بامتيازات رئيس وليس مرشح عادي مقارنة بمنافسه حمدين صباحي الذي اثر عدم الانسحاب رغم دعوات من مناصريه وحدوث انتهاكات اقرها بنفسه.

الامر الذي لم يكن متوقعا هو رد فعل الاعلامين على نسبة المشاركة الانتخابية الضعيفة والتي كانت واضحة من اقبال الناخبين ايام التصويت على صناديق الاقتراع ، رغم انه لم تعلن نسب دقيقة انذاك ، إلا ان الاعلامين اثارو عاصفة انتقدوا فيها تعامل المصريين الباهت مع الانتخابات ، وامتد ذلك الى تفاعل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي كلها اكدت ان نسبة المشاركة كانت محدودة ومتواضعة و ما زاد سخط الشارع المصري قرار تمديد مدة التصويت و فرض غرامة على الممتنعين .

تضاربت نسب المشاركة الانتخابية المعلنة فمركز تكامل مصر اعلن ان نسبة المشاركة في اليومين الاول والثاني للانتخابات لا تزيد في افضل الحالات عن 10 بالمئة ، في حين اعلن المركز المصرى لبحوث الرأي ان نسبة المشاركة كانت 46 بالمئة !!، مع انخفاض واضح لنسبة مشاركة الشباب الاقل من 30 عاما الى 26 بالمئة ، بغض النظر عن ما هي النسب الدقيقة و الحقيقية ، يبدو ان هناك اتفاق بين الجميع على ان المشاركة في هذه الانتخابات كانت اقل من المأمول فأنصار المشير عبد الفتاح السيسي كانوا ينتظرون فيضانا شعبيا كاسحا يؤكد جماهيريته ويحقق له انتصارا معنويا الى جانب الفوز بالرئاسة وهو ما لم يحدث .

فالانتخابات الرئاسية هذه المرة بدت وكأنها استفتاء لخلوها من منافسة حقيقية ، اضافة الى ان المقاطعة لم تكن خيار الاخوان فقط بل امتد ذلك الى قوى وحركات سياسية اخرى مثل 6 ابريل ، وهذه الحركات اكتسبت تعاطفا من طرف الشباب ، وما عزز هذا الاتجاه هو خلو برامج المرشحين من أي شي مميز فتقريبا نفس الكلام المعلب المكرر ونفس الشعارات دون رؤية واضحة في الملفات الهامة ، ففي الملف الاقتصادي لم يشر المرشحين الى اليات التي سيتم التعاطي بها مع مشاكل مثل البطالة والمديونية وفي المجال الاجتماعي مثلا المشير خفض سقف الطموحات لتتلاءم مع الموارد المتاحة وأشار الى ضرورة إعادة النظر في سياسات الدعم و توقيف المطالب الفئوية حتى تتحسن ظروف الدولة الاقتصادية .

كان من الممكن لمواضيع مثل تعديل قانون التظاهر والمصالحة مع الاخوان ان تقلب الموازين وتؤدي الى استقطاب فئات محسوبة على المعارضة المعتدلة ، لكن ذلك لم يحدث فالخط الذي رسمه المرشحين استقطب حلفائهم التقليدين ، فالمشير حظي بتأييد رجال الاعمال والطبقة السياسية المؤيدة له سابقا ممثلة في احزاب سياسية مثل حزب النور والوفد والتجمع وبعض الحركات السياسية ،وبالنسبة لحمدين صباحي فقد خسر بعض الناصريين بسبب قرار وقوفه ضد السيسي إلا انه حظي بتأييد شرائح شبابية ويسارية وبعض الاحزاب حديثة النشأة ، في النهاية لم يكن للمرشحين ان يمنحا مالا يملكانه ولا ان يعدا بما لا يستطيعا الوفاء به والشارع فهم الرسالة جيدا كما بدأ يفهم قواعد اللعبة السياسية من خلال دروس قاسية منذ ثورة 25 يناير ، كل هذا ادى الى عزوف شريحة واسعة عن التصويت وإيثارها ان تلعب دور الرفض السلبي .

نجاح المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية هو البداية فقط ، فهناك ملفات ثقيلة ادارتها ستحدد مصير مصر ومستقبلها ومن بيتها الملف الامني في سيناء والملف الاقتصادي والصراع مع الاخوان وما سينتج عنه مصالحة ام استمرار للحل الامني ، وملف حقوق الانسان ، وطبيعة دور القطاع العام ، و قضايا الفساد وإصلاح المؤسسات ، وإدارة هذه الملفات لن تكون امرا هينا ولا سهلا في المرحلة القادمة .