اللاجىء الفلسطيني والإنفصام !
تاريخ النشر : 2014-05-28 21:29

كيف يمكن لنا أن نترجم هذه الاحلام على أرض الواقع في ظل الوصاية البيروقراطية للقيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، وفي ظل البيئة والظروف المحيطة بنا..

في الشتات ، في معظم ثكنات اللجوء الفلسطيني ، في أعماق النفس البشرية للإنسان ، في الخليج و دول الطوق ، في افريقيا و دول الغرب ، من السهل عليك ملاحظة مرض الإنفصام الذي تفشى وتغلغل في نفس اللاجئ الفلسطيني ، إلا من رحم ربي ، وربما تجده يعيش بشخصيتين أو أكثر ، الشخصية الحقيقية مع نفسه و عائلته وأسرته ، والشخصية الثانية مع البيئة الحاضنة له ، أو مع عالمه الافتراضي الوهمي ، وهذا التناقض أو الهروب ، له أسباب كثيرة ومثيرة ، اسباب داخلية وخارجية ، أسباب وراثية و اجتماعية ، أو أسباب اقتصادية و نفسية ، لذلك فهو يعيش حالة من الإلتباس لتحديد الهوية الذاتية ..

وتجده يتنقل بين الواقع والوهم والخيال ، وبين الضروري والممكن والمستحيل ، أتحدث هنا عن اللاجئ الفلسطيني المولود في الشتات والغربة ، اللاجئ الذي نشأ وترعرع ، درس وتعلم مع ابناء البلد "المضيف" أو مع من صادقهم وعاشرهم وقضى معهم فترة من حياته ، في بعض الدول المضيفة تجد اللاجئ الفلسطيني أحيانآ يتنصل من لهجته ، ومن شكله ومن ملابسه ، ومن عاداته وتقاليده وأسلوبه ، ليواكب مسيرة أبناء البلد وبالتالي يصبح-مواطن - لعله يرضي بهذا السلوك جانب من جوانب شخصيته ، أويحظى بقبول المجتمع"الضيق " له ، هذا المجتمع الذي لم يترك المساحة الكافية لفكرة وجود اللاجئ الفلسطيني بهمومه وقضيته بوثيقة سفره الفلسطينية ومعاناته "بحسب تفكيره ".

وبالتالي ، تجده في الخليج خليجي ، وفي مصر مصري ، وفي لبنان لبناني ، في المدينة مدني وفي البداوة بدوي وهكذا ، يحاول التأقلم مع البيئة بشكل" جنوني" ، ويسعى الى تقليد "المواطن إبن البلد " تقليدآ أعمى ، أو أعور لافرق! فهو يعتقد أن هذا السلوك سيغلق كل الثغرات المفتوحة بينه وبين زميله في المجتمع أو في الإنسانية أو في المواطنة ، وبالتالي تتلاشى عقدة النقص ، أي عقدة "الوطن والهوية " ، فهو بلا وطن وبلاهوية ، وربما يعلم أو لايعلم بأن الوطن مسروق ، وهويته هي المقاومة والبندقية ، صحيح أن مقولة "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم "، ولكن اللاجئ الفلسطيني لن يأمن مكرهم حتى لو أتقن اللغة السريانية ومعها كل اللغات..! وهذا الافراط في الإندماج والتأقلم في أغلب الأحيان يتحول الى نزعة انفصالية ، الى صراع خارجي وداخلي بين جميع المكونات ، واللاجئ الفلسطيني هنا ليس استثناء ، ولكن طبيعة النفس البشرية تسعى دومآ للتأقلم والتعايش مع البيئة والظروف المحيطة ..

في علم النفس ، يقولون أن سيكلوجية الانسان تنقسم الى قسمين ، القسم العقلي أو مايسمى بالملكات العقلية والقسم الوجداني الذي يمثل العواطف والانفعالات مثل الغضب واللهو والحزن والابتهاج والحب والكراهية ، وعندما تكون العواطف غير متصارعة يصبح الفرد في حالة اتساق وعندما تستيقظ هذه المشاعر وتعمل كل واحدة وفقآ لمعيار مناسب فهذا مايسمى بالإنسجام ..

ووفقآ لهذا النص يولد الإنسان وبه نوع من التجانس والإنسجام مابين القسم العقلي والقسم الوجداني ، إلا انه لظروف البيئة

-اللجوء- أو لأي ظروف يتعرض لها قد يتغلب أو يغلب قسم على أخر ، وبذلك يبتعد الإنسان عن التجانس الذي كان كامنآ فيه ويصبح إنسانآ غير متوازن ، والتوزان هنا هو صمام الأمان الذي ينظم السلوك الإنساني ، وإلا فمن الطبيعي أن تتدهور المنظومة كاملة وتتفرق وتتوزع وتتشرذم وتضل طريقها ..

اللاجئ الفلسطيني أيضا هو إنسان، له سماته البشرية وصفاته الإنسانية وذلك بعد أن تأكدت الأمم المتحدة ووكالة الغوث ووكالة الطاقة الذرية من الحمض "النووي"!!

كل الفحوصات التي أجريت في المختبرات الدولية ، تؤكد أن اللاجئ الفلسطيني هو إنسان ، يحمل نفس الخصائص البشرية وبالتالي هو ينضوي تحت مظلة كل البنود والمواثيق الدولية التي تضمن له الحياة الكريمة أو حق الحياة ، ولكنها لا تدرك أن حياة اللاجئ الفلسطيني في وطنه ، لأن الوطن هو الحياة ، ولاحياة بدون وطن ، الخيمة و أكياس الطحين والرز والسكر وكرت المؤن ضرورة ، ولكنها ليست الحياة ، الهجرة الى اوروبا وكندا والولايات المتحدة هي ضرورة ولكنها ليست الحياة ، الوطن هو الحياة ..

وبالتالي عملية التوازن ضرورية للإنسان بشكل عام وللاجئ الفلسطيني بشكل خاص ، لأن مرض انفصام الشخصية يؤدي الى انعدام الثقة بالذات ،وقد يدفع الإنسان الى اتجاهات تؤدي الى الدمار الذاتي ، والى المعاناة ، ولايمكن أن تزول هذه المعاناة ، إلا اذا زالت اسبابها وملابساتها ..

اللاجئين الفلسطينين -وهنا لا أعمم- البعض منا يعيش على الأحلام والأوهام ، ولعل الحلم الكبير هو حلم العودة ، الأحلام كما يقولون حيلة لاشعورية نلجأ اليها ، نتخيل فيها أشباع دوافعنا ، وأمانينا ورغباتنا التي عجزنا عن تحقيقها ، ولكن كيف يمكن لنا أن نترجم هذه الاحلام على أرض الواقع في ظل الوصاية البيروقراطية للقيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وفي ظل البيئة والظروف المحيطة بنا..

فنحن كالسفينة التي تتقاذفها الأمواج وتعصف بها الرياح ، دون أن يكون لها قائدا أو قبطان ، ليس لها مرفأ تهتدي اليه أو ملجأ تلجأ اليه ، أو هدف تسعى اليه ، هي حالة من الضياع والتوهان ، نعيش على "المخدرات السياسية" التي تعطى لنا على جرعات بين الحين والأخر ، ونعاني من حالة الإنكار للمرض ، حتى وصل الأمر بنا الى ظهور حركات احتجاجية في العقول وفي النفوس ، ولم تظهر هذه الحركات الاحتجاجية إلا لانها لاحظت الخلل الواضح والصراع الشرس بين القسم العقلي والقسم الوجداني ..

الحقيقة ؛ حقيقة النفس البشرية للاجئ الفلسطيني وارتباطه بالمقاومة ،والكفاح المسلح ، ونبذ كل اشكال الاتفاقيات أوسلو وأخواتها واخوانها ، ومعارضته للمفاوضات العبثية ، هذه الحقيقة لها أكثر من سبب و منها ، الاحساس كلاجئ فلسطيني بالنقص والشعور بالدونية ومما لاشك فيه أن البيئة الحاضنة لها دور كبير في تغذية و تنمية هذا الاحساس والشعور ، ومن الطبيعي أن يعتنق هذا اللاجئ إيدلوجية المقاومة ، الخالية من الخطأ ، والمعصومة من الضعف ،و بغض النظر عن استعادة الحقوق الوطنية التاريخية المسلوبة أوالمطالبة بها ، أو اقتناعه بأن المقاومة هي الطريق الوحيد للتحرير والعودة ، وبغض النظر عن علاقته الوثيقة بالأرض والقضية ، فهي من الجانب النفسي تعويض عن بعض الشيء له ، في سبيل الهروب من الواقع المليء بالأمراض والفشل والضعف والتخاذل والذل والهوان ..

هي عقدة نفسية ، هي حالة لاشعورية لايدرك"اللاجىء"وجودها ولامنشأها ، وتنطوي على مجموعة مركبة من أحداث وافكار ودوافع وذكريات ومشاعر بالذنب والخطيئة ورغبات مكبوتة مشحونة بشحنة انفعالية قوية تعمل كقوة موجهه ، تدفع"اللاجىء" لأن يسلك انوعآ شاذة من السلوك الباطن والظاهر ،هذا هو تعريف العقدة النفسية ، و هذه هي حقيقتها بدون رتوش ، وبدون أن نلبس أقنعة التفاؤل ، أو نرتدي ثوب الأمل ، اللاجئ الفلسطيني يجد نفسه وسط هذا الكم الهائل من التناقضات والعقد النفسية والفكرية والسياسية والاجتماعية حائرآ ومدافعآ يتصدى لها بصدره العاري دون سند أو حماية فقد تخلى عنه اولي القربى بل وكل الأولياء والألوية ، وزد على ذلك الفقر والجهل والإهمال الصحي ..

إذن انفصام الشخصية والامراض النفسية والفقر والجهل والإهمال الصحي ،، هل هذه العوامل تساعد الفلسطيني اللاجئ وتدعمه لمواصلة المعركة ، معركة العودة ، معركة الصمود والثبات والتحرير والإرادة ، هل هذا مايسمى ؛ مقومات الصمود؟!

اللاجئ الفلسطيني يدرك أن فاقد الشيء لايعطيه ولن يعطيه ، لذلك هو لايستجدي من فخامة سلطتكم و عروبتكم مقومات الثبات و الصمود ، والأخطر أن كل هذه الممارسات ونقول الممارسات لأنها حرب ممنهجة تمارس في الخفاء والعلن ضد اللاجئ الفلسطيني ،جميع هذه الممارسات كانت ولاتزال وستكون هي الممر الاجباري المؤدي الى الارهاب والعنف الدموي ، أو الى الموت والهجرة الفردية والجماعية الى أصقاع الأرض ، وبالتالي تحقيق مايطمح اليه المشروع الصهيوني لتذويب وقتل اللاجئ الفلسطيني وقضيته ومحاولاته الحثيثة لطمس هويته ، وتحويل هذا اللاجئ الى كائن بشري منبوذ .

 

المفروض على كل دولة أن تطبق القانون الدولي المتعلق باللاجئين دون تمييز ، لكن المفروض شيء والواقع شيئا أخر ، الواقع يفرض علينا حمل السلاح لتحقيق أحلامنا ، واستعادة حقوقنا المغتصبة ، أو لاستعادة كرامتنا المتثورة و العالم لايحترم إلا الاقوياء.

أكاد أجزم أن الهذيان والصرع و عدم التوازن و "الانفصام " هي امراض يعاني منها كل لاجئ فلسطيني ، ولولا صلة الإنسان بخالقه الكريم ، ولولا القرأن وشفائه للقلوب والنفوس ، لتبدل الحال الى أحوال ، أو ربما أنتحر وجرفه التيار ،أو لربما انحاز الى طائفة المجرمون والأشرار ، أوربما أكون مشاغبا أوفوضوي الفكر أومجنون كما قال الشاعر نزار قباني.

وبالرغم من كل هذا وذاك وذلك وأولئك ستبقى قضية اللاجئ الفلسطيني هي الصخرة التي ستتحطم عليها كل المؤامرات ، وهي الشوكة التي ستبقى في حلوق كل المتأمرين والمستسلمين والمتخاذلين .

الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لعودة اللاجئين الفلسطينين .