هل نستحق الحياة على أرضنا ؟
تاريخ النشر : 2013-10-27 01:08

ما همّ ُ المواطن العربي سوى أن يكون لقمة سائغة في أيدي القابضين على مصيره ، أينما كان هذا المواطن غرباً أو شرقاً ، شمالاً أو جنوباً ، فالمواطن العربي كان وما زال وسيبقى وقوداً لتحقيق مصالح الأسياد في وطنه ، لأنه لم ينتج ذاته بعد ليكون مواطناً حقيقياً في وطنه ، فالأحزاب لم ترده في يوم من الأيام إلا مصفقاً لقائدها أو رقماً في صندوق الاستفتاء أو الانتخاب مجدداً ، وعندما أراد المواطن أن يعبر عن حقيقة وجوده عبر صناديق الاقتراع ظلموه لأنهم أرادوا أن تكون معركتهم معركة نفي الآخر على أرض وطنه وأن يكون هو سلاحهم في هذه المعركة الخاسرة للجميع ، ففي ظل وطن ديمقراطي ينشده الجميع لا مكان لنفي الآخر بقدر ما هو تأكيد على حق الوجود لكل مواطن مهما كان حزبه ومهما كان رأيه ، ولكن الشعارات شيء والواقع شيء ٌ آخر ، والوصول إلى كرسي الرئاسة وصولجان الحكم ينسي الحاكم الجديد ثمن الحرية الذي دفعه فقراء الشعب وطبقته البائسة من أجل وصوله إلى هذا الكرسي ، ولكنها الوعود المكتوبة على قوس قزح ، تبهر البسطاء وإن كان بعضهم من علية القوم فينساقون نحو أمل يكون أكثر أمناً وأكثر دفئاً لعلهم ينامون فيحلمون بغد أفضل ، ولكن الغد يكون للحيتان التي تأكل الأسماك الصغيرة متى رأت مصلحتها تقتضي ذلك ، ويغدو الوطن مسرحاً يتصارع عليه سباع الغابة سلاحهم في ذلك أبناء الوطن الذين يتوقون للحرية والكرامة والعزة فلا يجدونها سوى أن يكونوا بإرادة الآخرين وتحت وطأة المعيشة جنوداً لهم ، فمتى يلتقي أبناء الوطن المتقاتلين في منتصف الطريق يرسمون خارطة طريق جديدة لوطنهم لأنّ الوطن للجميع ، فلن يكون انقسام الوطن أرضاً وشعباً هو طريق الحرية وطريق الكرامة بقدر ما سيكون طريقاً لامتهان حياة الوطن للمتفرجين من الخارج على الوطن ، وللذين لا يريدون لوطننا العربي أن يكون عنواناً لعزة وكرامة الإنسان ورسالة للعالم أجمع تقول لهم : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) .

ما أسهل الانكسار والدمار والتخريب والقتل وسفك الدماء لأنه ليس بحاجة إلى إرادة قوية بل هو إرادة الضعفاء وفاقدي البصر والبصيرة فليفنى البلد ما دمت أنا السيد المطلق الذي يتحكم في رقاب العباد والبلاد ، وما أصعب البناء والتشييد وحقن الدماء لأنه يحتاج إلى إرادة قوية وإلى رؤية ثاقبة تعرف كيف تبني ولماذا تبني ، ولأنّ حقن الدماء يحتاج إلى عفوٍ عند المقدرة لا يملكه ضعاف النفوس ، ما أسهل أن يصبح الوطن دولتان وشعبان وحكومتان ، وما أصعب أن يستعيد الوطن لحمته ويـُبرأ جرحه ، فالانقسام سلاحه ضربة سيف تشق الرأس بينما الوئام والاتحاد بحاجة إلى عملية جراحية تزيل أدران الفرقة والانقسام فلا تستطيع إلى ذلك سبيلا لأنّ ترياق التئام الجرح لم يعد ملكاً باليد التي ضربت بسيف الانقسام ، فتصبح المصالحة بين أبناء الشعب الواحد عصية المنال لأنّ للانقسام في الدولة الواحدة تجاره المستفيدون ـ والذين يُـطلق عليهم تجار الحروب ـ لا يطيقون أن يروا السلم والأمان والوئام قد ساد البلاد فتكسد تجارتهم وتبور ، فتخرب البلاد ويهيم الناس على وجوههم ويتحول أعزة القوم إلى أذلة وينادي المنادي أن أفيقوا يا قوم ، فلا من مجيب سوى صدى صوت يخرج من كهف النائمين على حلمهم العدمي يشخر بأنهم يريدون إسقاط النظام ، فلا النظام سقط في أي مكان وما عادت البلاد هي البلاد ، وكل ما حدث هنا وهناك تأكيد بأن الشعب لا يملك سيادته مهما أوتي من قوة ، لأنّ السيادة هي سيادة الحاكم فرداً كان أم حزباً .

والكل يتهم الكل بأنه السبب فيما يحصل للبلاد من دمار ، ولا أحدٌ يخطو الخطوة الأولى تجاه الآخر ، لأنه يرى في الآخر نقيضاً لوجوده بل وعدوّاً له ، وأصحاب المشاريع الغريبة عن أرضنا والتي جعلتنا وقوداً لصراعاتها يخطون خطواتهم بكل تؤدة وثبات ، هم يعرفون ما يريدون ، وكيف يريدون ، أمّا نحن على امتداد هذا الوطن العربي الكبير من محيطه إلى خليجه نسعى إلى أحضان الحوت الكبير لعلنا نحظى منه بلفتة كريمة فيخفف عنا العذاب ولو ليوم واحد ، لكن دون جدوى ، فقد بث في داخلنا إيماننا بضعفنا فكنا خير المؤمنين بهذا الضعف الذي يسكن داخلنا ، الكل منا ضعيف ، لا أحدٌ فينا قوي ، لأنّ القوة إرادة في اتخاذ قرار يُخرجنا من ضعفنا ، فهل نملك إرادتنا لنملك قرارنا ، فلا القرار القومي مستقل ، ولا القرار الوطني مستقل ، ولا القرار الديني مستقل ، وكلما بانت أشعة الشمس من بعيد لتبشرنا بالخروج من سوءنا حجبنا هذه الأشعة عنا بسيوفنا التي نشهرها في وجه بعضنا البعض ، فتزداد الشـُقة بيننا ، ونزداد انشقاقاً في داخلنا ، فهل نحن نستحق الحياة على أرضنا ، أم أنّ أرضنا باتت تخجل من عُهرنا وعُرينا وراحت تلفظنا خارج الوطن ، لأنه لا حياة على أرض الوطن لمن لا يحافظ على سلامة الوطن .