فاشية أيديولوجية وليست نظام حكم
تاريخ النشر : 2018-10-12 16:12

ارتبط مفهوم الفاشية بالحروب والكوارث الإنسانية، فبسببه قامت الحربان العالميتان الأولى والثانية، وسيطر الإرهاب على عقول فئة من المسلمين يشوّهون به كل ما له علاقة بالإسلام لمن لا يعرفونه. والسؤال: ما هي العلاقة بين الفاشية ونظام الحكم؟ وهل هما متطابقان أم أنهما مختلفان؟ فقد صدر حديثاً كتاب مهم لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت بعنوان «الفاشية: تحذير»، وهي في تأليفها هذا الكتاب تأثرت بطبيعة تخصصها الأكاديمي في مجال العلاقات الدولية وبتجربتها الديبلوماسية كوزيرة للخارجية في فترة حكم بيل كلينتون.

إلا أن فكرة الكتاب جاءت نتيجة التحولات التي تشهدها الساحة الدولية بعودة اليمين المتطرف وفوز قيادات شعبوية بالانتخابات في عدد من الدول، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وتخوفها هنا من العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية عندما ظهرت الفاشية على يد موسوليني في إيطاليا، ما جعلها تعقد مقارنة بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وساقت أمثلة لمجموعة من الدول التي بدأت تظهر فيها جيوب الفاشية في شكل اليمين المتطرف، ومنها مصر وروسيا وفنزويلا وهنغاريا. وهو ما يطرح التساؤل حول مضمون الفاشية: هل هي أيديولوجية أم نظام للحكم؟ فما كان يحرك موسوليني وهتلر في النصف الأول من القرن العشرين هو نزعة أيديولوجية وعنصرية في المقام الأول، وليس نظام حكم.

وفي محاولة مقارنتهما بالرئيس الأميركي الشعبوي دونالد ترامب الآن، نجد أن المقارنة تتباعد في أوجه الشبه من كون رجل أعمال براغماتي فاز بالرئاسة مع بعض المكونات الشخصية التي تفتقر الى الكياسة والخبرة والمعرفة السياسية في ظل صراحته التى تجعله مندفعاً دائماً ومحل هجوم من السياسيين عبر مختلف وسائل الإعلام، الأمر الذي جعله يقاطعهم ويعتمد على نفسه بقول ما يريده من طريق «تويتر»، في إعادة اكتشاف لهذا التطبيق على الإنترنت مجدداً. ومهما كانت مواقفه تجاه المهاجرين وغيرهم، فإن ذلك لا يمكن أن يجعله فاشياً، بل إنه بالعكس في سياساته الخارجية أحدث انقلاباً في تحدّيه حلفاء أميركا التقليديين من دول الاتحاد الأوروبي وأعضاء حلف الناتو من منطلق براغماتي، فهو يراهم يعيشون على حساب أميركا. وهو أيضاً قابل رئيس كوريا الشمالية بعدما كانت صواريخها على وشك الإطلاق على الأراضي الأميركية، فلو كان فاشياً لاستدرج إلى الفخ الكوري وقامت حرب نووية عالمية ليس لها مثيل في السابق. ثم بعد ذلك تقابل مع العدو اللدود للولايات المتحدة وريث الاتحاد السوفياتي فلاديمير بوتين، في قمة هلنسكي التى أعادت القوة الروسية مجدداً على الساحة الدولية. وحتى في نهجه الاقتصادي بفرض رسوم على الواردات من الدول الأخرى وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي والصين، فمحركه هنا اقتصادي مهما تكن النتائج وليس أيديولوجياً أو فاشياً.

ومن هنا، فإن أستاذة العلاقات الدولية ووزيرة الخارجية السابقة قد تكون مخطئة لأن من تسميه بالفاشي يثبت عكس ذلك في مستوى التفاعلات على أرض الواقع. وهي هنا إذا كانت أدرجت مصر وروسيا وفنزويلا وهنغاريا ضمن الدول الفاشية، فإنها تظل تجهل، على رغم تجربتها القاسية وتجربة أسرتها مع ألمانيا النازية، أن الفاشية أيديولوجية وثقافة وليست نظام حكم. والخطورة تتجلى عندما يكون على رأس الحكم شخص يحمل هذه الأيديولوجية وهذا الفكر.

وعلى رغم أن الدول العربية على مدار العقود السبعة الماضية، حكمت معظمها نظم استبدادية، إلا أنها لم تكن على الإطلاق فاشية، فكان هناك حكام غير أكفاء وليسوا فاشيين، فلم نر دولة أبادت جزءاً من شعبها ولا شعوب غيرها. ويبقى أن جيوب اليمين المتطرف في الدول الأوروبية تحمل هذه الثقافة وهذه الأيديولوجية، فيما تشكل الجماعات الجهادية في العالم العربي خير تمثيل للفاشية لاعتبارات كثيرة، أولها ليس رفضها فقط للآخر الذي لا يسير على مذهبها ودينها وإنما استباحة قتله. وإذا كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ترى أن مصر عبدالفتاح السيسي دولة فاشية، فهي هنا خلطت بين الفاشية كأيديولوجية وثقافة وبين نظام الحكم، ففي الأولى كانت هذه عقلية الإسلاميين والإخوان الذين ثار عليهم المصريون لهذا السبب. أما في الحالة الثانية، فالرئيس المصري ينتمي إلى نظام حكم وليس أيديولوجية. نعم قد تختلف حول طبيعة نظام الحكم هذا، لكن يصبح من المضحك أن تطلق على نظام يحارب جماعات إرهابية تحمل أفكاراً فاشية بأنه فاشي. والأمر نفسه ينطبق على روسيا وفنزويلا وهنغاريا، فهي تحاول أن تعود قوية، حتى ولو بسبل تجافي الديموقراطية بالمعنى الأميركي، الذي يتجاهل المتغيرات الدولية بدءاً من الحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي مروراً بحرب فيتنام في الستينات منه، ثم حرب أفغانستان والعراق مع بداية الألفية الحالية والتي أفسحت المجال للفاشية الدينية.

* كاتب مصري

عن الحياة اللندنية