عن امريكا والحكومة المقبلة!
تاريخ النشر : 2014-05-26 11:03

كتب حسن عصفور/ يحاول البعض أن يقدم للشعب الفلسطيني حركة ضغط ضد تشكيل الحكومة المقبلة، دون تحديد واضح لطبيعة تلك الضغوط، ويكتفي آخرون بكيل التهم لكل من ينتقد غياب الرؤية السياسية للحكومة ومكانتها في اطار المنظومة العامة لفلسطين، سلطة أم دولة، واقتصار مشاوراتها على طرفي "قطبية ثنائية"، وآخرون يرون أن لا ضرورة اطلاقا لقول أي رأي أو موقف نقدي مما يحدث، وكأن المسألة هي أن يحضر هذا أو ذاك مشهد هنا أو هناك، دون التحذير مما يمكن ان يكون "قنابل سياسية" أكثر خطورة مما هو قائم من انقسام معلوم الأصل والمصدر وأصحاب المصلحة، فيما تغطية الانقسام بمظهر "وحودي" يكون خطرا حقيقيا على الحالة الفلسطينية، واستخدامه لاطالة عدم اللجوء لتفعيل المكون التاريخي الجديد في الأمم المتحدة، بما يمثله من فعل جاد لنهاية الانقسام بكل مظاهره، مقابل خلق حالة من "إدارة توافقية" للمظهر الانقسامي، وهناك فرق جوهري لكل صاحب عقل بين هذا وذاك..

وكي لا يستمر "البعض" بقصد أو بجهل في ترويج خدعة الضغوط الأميركية الرافضة لتشكيل حكومة توافقية، فالحقيقة أصبحت غاية في الوضوح، فما تريده واشنطن من المكون السياسي القادم اصبح واضحا، فهي لم تعارض الخطوة بل أعلنت اوساطا عدة قبولها، لكنها تريد منها أن تلبي ما تراه مناسبا سياسيا، وهي ان تكون حكومة الرئيس محمود عباس توافق وتتماثل مع وعلى برنامجه السياسي، بما يعني الالتزام بالاتفاقات الموقعة ومنها الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، ورفض العمل العسكري والتمسك بأن المفاوضات هي الخيار السياسي، وعدم وجود شخصيات معروفة الانتماء لحركة حماس، وهناك شرط لم يعلن بعد ، ولا نعلم هل يعلمه من يتم مشاورتهم من أطراف خارج الثنائية، وهو عدم قيام المجلس التشريعي اذا ما عاد للعمل من سحب الثقة منها تحت أي ظرف، وتستمر الى حين الاتفاق على الانتخابات العامة، والتي لم يحدد موعدها ولا قانونها بعد..

تلك ما تريده أمريكا من حكومة التوافق، وقد تم تلبية كل الطلبات وهو ما مهد لترويج الاعلام الأميركي والاسرائيلي بأن واشنطن تميل للتعامل مع الحكومة المقبلة، ولذا من يحاول ممارسة الابتزاز السياسي لعدم تسجيل أي نقد لسلوك وممارسة أطراف التشاور، ومخاطر الاستخفاف بقوى رئيسية في منظمة التحرير ليس سوى محاولة لا قيمة لها، فاوروبا وامريكا اعلنتا صراحة أنهما ليسا ضد هكذا حكومة توافق على ما طلب منها، ولم يعد خافيا لماذا يحاول بعضهم استخدام "فزاعة امريكا" عند كل نقد سياسي لما يحدث، شكلا ومضمونا، وهناك من يحاول تمرير صفقة تحت سلاح الارهاب الفكري والابتزاز السياسي..

لم يعد مناسبا أو ملائما لأي قوة وطنية أن تختبئ بتوضيح جملة من الاسئلة والملاحظات بأن ذلك ليس سوى توافق مع الموقف الأميركي – الاسرائيلي ورفض للمصالحة، سذاجة سياسية لم يعد الرد عليها يحتاج جهدا، فالكلام الأميركي والاوروبي وحده كفيل بهذا، أما من يرى أن المشهد يسير كما جاء في "الكتاب" نصا وروحا، فتلك معضلة تحتاج لتفكير أعمق من ردة فعل نزقة، فالحديث عن غياب الرؤية السياسية الموحدة، وتكريس تقاسم وظيفي لأجهزة الأمن في الضفة والقطاع ضمن "عقيدة" مختلفة، لن يكون فعلا خادما للوحدة الوطنية، بل هو الخطر الحقيقي الذي يهدد وحدة الشعب أصلا..

ما تريده واشنطن قد حصلت عليه مسبقا، وقبل أن يتم اعلان التشكيل الحكومي، أي ان "الشيك السياسي" تم تسديده مقدما، ومن يصر على تكريس تلك الشروط بعيدا عن قرار الامم المتحدة لن يكون خادما للقضية الوطنية، فالحديث عن الاعتراف وحق اسرائيل بالوجود لم يعد حقا سياسيا دون أن تعترف دولة الكيان بحق دولة فلسطين في الوجود والاعتراف بها..ولعل البابا فرنسيس قد ذكر بتلك البديهة السياسية دون ضجيج بافضل مما يتحدث بعضهم!

هل يمكن اعتبار المطالبة بأن يكون هناك تحديد سياسي لطبيعة تلك الحكومة، خطر سياسي وأن السؤال : هل هي حكومة لدولة فلسطين أم لسلطة من المفترض انها باتت "كادوكا سياسيا" منذ يوم 29 نوفمبر 2012، خطيئة، وهل ننتظر انتخابات لمجلس تشريعي للسلطة أم برلمان لدولة فلسطين، كما يجب أن يكون..هل الحديث عن مثل هذا القصور السياسي يمثل "خدمة للمشروع الأميركي" أم العكس، وكأن واشنطن لا تدرك قيمة استمرار السلطة بمكوناتها كما هي، دون النظر لمن يكون بها، في حين أنها ستقاتل اي كان اذا ما تم البحث جديا في اعلان دولة فلسطين بكشل واضح ضمن القانون الدولي ومواصلة انتزاع حقوقها التي اقرتها الشرعية الدولية، بما فيها عضوية المحكمة الجنائية الدولية وكل المنظمات التابعة لهيئة اللأم المتحدة..

موافقة واشنطن بعد تلبية شروطها السياسية كافة، والتعهد بعدم انهاء "عهد السلطة" لمصلحة "زمن الدولة" هو الثمن الذي تم تسدسه لرضا "الأسياد"..ذلك ما يجب التفكير به لمن يريد أن يستخدم عقله بعيدا عن "وهم الشعار"..ودون استخدام للموقف الاسرائيلي الذي هو ضد اي حالة فلسطينية..ولسنا بصدد استعراض موقف دولة الكيان من عداء لفلسطين قضية وشعب ووطن!

حكومة لسلطة فلسطينية مهما كان لونها باتت مطلبا أميركيا..وحكومة لدولة فلسطين مهما كان لونها بات مطلبا وطنيا وشعبيا.. الفرق كبير بين هذا وذاك..وقادم الأيام سيكون كاشفا لبعض من تم تنويمهم بهذه أو تلك من أدوات "التنويم المغناطيسي"!

ملاحظة: تذكرت حركة حماس بعد ايام لتنفي من نشر مما قاله مشعل لمسؤول ايراني..لو كان النفي صادقا ومش مجبرا لصدر في اليوم التالي على اقصى تقدير..

تنويه خاص: قبول الرئيس عباس دعوة البابا للقاء الاسرائيلي بيريز جيد، ولكن..ماذا بعد العودة بفشل الاستجابة لـ"الشروط" الفلسطينية..هل يكون ذلك آخر محاولة تفاوضية ويغلق بعدها الباب الدوار..ننتظر!