.. لا عزاء للموظفين !!
تاريخ النشر : 2014-05-25 12:28

كنت أعتقد أن الغبن اللاحق بالموظفين في الخدمة المدنية والعسكرية من جراء اتفاق المصالحة الأخير، يقتصر على ما أصاب هؤلاء من استقطاعات ووقف العلاوات والترقيات والبعثات والدورات والمهمات وتسجيل المواليد ومميزات الشهادات الجامعية، وهي أساليب اتبعتها الحكومة لعقاب موظفيها الذين التزموا بتعليماتها بالتوقف عن العمل في حكومة الانقلاب، كنت أحسب أن الأمر العقابي لن يطال سوى هؤلاء الموظفين لولا أن أحد الزملاء، خليل أبو شمالة، وفي تعقيب له في اطار إحدى ورشات العمل، أشار إلى ما هو أخطر من ذلك، ليتجاوز هذا العقاب الانتقامي الموظفين الحاليين، إلى الموظفين المحتملين، إذ أن عقد صفقة في اطار اللجنة المشتركة بين فتح وحماس لدراسة أمور الموظفين، كما أشار نائب رئيس حكومة غزة زياد الظاظا، تهدف إلى ضمان الأمن الوظيفي لموظفي حكومة غزة وبقائهم على رأس أعمالهم، الخطر الداهم يتمثل أساساً في أن التضخم المتعاظم لأعداد الموظفين، من شأنه أن يصادر الحق الطبيعي لجمهرة الخريجين العاطلين عن العمل في الحصول على وظيفة، وحسب بعض المصادر فإن ذلك قد يستغرق عشر سنوات على أقل تقدير، وإذا كانت دولة فلسطين تعاني وستعاني من التضخم الوظيفي، فإنها ستعاني من تضخم البطالة بشكل يعتبر مصدراً لأخطار اجتماعية واقتصادية قاتلة لأي محاولة للتنمية المستدامة.

وفي ظل أي توافق حول الوظيفة المدنية والعسكرية، حسبما يتم الحديث عنه هذه الأيام، فإن حملة الترقيات والاعدادات الهيكلية في الربع الساعة الأخير، سيحرم أيضاً الموظف العادي من أية ترقية، بسبب تلك الترقيات المحمومة التي اتخذتها حكومة حماس مؤخراً، وهو الأمر الذي كشف عنه الظاظا في تصريحه المشار إليه آنفاً، عندما ذكر أن تلك الترقيات ـ محدودة ـ تبلغ عشرة بالمئة "فقط" ممن لهم استحقاق الترقية، ويقال إن الحكومة في رام الله، تقوم أيضاً بالمثل، مع العلم أن سلم الترقيات لم يتوقف لدى الموظفين في المحافظات الشمالية طيلة السنوات السبع الماضية، على خلاف ما حدث في المحافظات الجنوبية، وفي كل الأحوال، فإن حمّى الترقيات المستعجلة والمحمومة، من شأنها أن تشكل خطراً محدقاً بجموع الموظفين، ذلك أن أي موظف، لن يتمكن من نيل حقوقه بالترقية المستحقة، لأن المواقع القيادية قد تم شغلها، ولن يتحرك سلم الترقيات إلاّ بعد عدة سنوات، خاصة في المحافظات الجنوبية، فبعد سلسلة الترقيات المستعجلة لدى حكومة حماس، حسب الظاظا فإن فرصة الترقيات ستظل محدودة، بل مستحيلة في معظم الحالات، وهكذا يكون الموظف الشرعي، فقد مكانه أولاً، وفقد فرصته في الترقية ثانياً، ويكون بذلك قد دفع ثمن المصالحة بعدما دفع ثمن الانقسام!!

عارف أبو جراد، رئيس نقابة الموظفين، عدّد إنجازات النقابة متحدثاً في ورشة نظمها مركز التخطيط الفلسطيني في مدينة غزة لبحث ملف الموظفين في ظل المصالحة، مشيراً إلى أن النقابة وقفت دائماً إلى جانب الموظف وحقوقه وفقاً للقانون، ووقفت ضد الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الحكومة بحق الموظفين، لكن أبو جراد، لم يشر إلى أن ذلك كله لم يتعد المواقف التقليدية، وأشير هنا إلى ما تحدث به حجازي القرشلي في الورشة ذاتها، وهو المستشار القانوني لديوان الموظفين سابقاً، من أن من حق الموظف التوجه إلى المحكمة ليختصم الحكومة في حال تعرضه إلى أي إجراء مجحف من قبلها، وبالتالي فإن النقابة التي من المفترض أن تشكل درعاً واقية للموظفين، عليها أن تقوم مقام الموظفين في التوجه إلى القضاء لاختصام الحكومة، خاصة وأن الإجراءات العقابية التي اتخذتها الحكومة ظلت مستمرة ومتواصلة، رغم الإضرابات ومواقف النقابة الشكلية، كنا نتوقع من أبو جراد أن يعلن التوجه للقضاء، حتى لو متأخراً، في سبيل إنصاف الموظفين قبل أن تقع الكارثة.

وإذا كان صحيحاً ما يتم تناقله عبر وسائل الإعلام عن قيام الحكومة بخصم علاوة القيادة عن ما يزيد على 80 ألف عسكري، فإن هذا الإجراء في حال حدوثه، سيؤكد أن تلك الإجراءات تهدف من دون شك إلى تدمير ما تبقى من ثقة بالمؤسسة القيادية، خاصة وأن نص القرار، حسبما يتم تداوله، يشير إلى العسكريين الذين ليسوا على رأس عملهم، وواضح من هذه الصياغة "الذكية" أن المقصودين بهذا القرار العاملون بالسلك العسكري في قطاع غزة تحديداً، ولكننا لا نزال نأمل أن تكون هذه الأخبار عارية عن الصحة، مع أن كافة الإجراءات السابقة بحق الموظفين بدأت بإشاعات ثم تبعتها قرارات.

وإذا كان القرار يخص هؤلاء الذين ليسوا على رأس عملهم، فلماذا لا يشمل ذلك أيضاً نواب المجلس التشريعي الذين "استنكفوا" عن العمل أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، ولماذا يظل الموظف هو الذي يدفع فاتورة الحرب والحصار والفساد وعدم تسديد الدول المانحة وعودها، ولماذا يظل الموظف هو من تسدد له الطعنات باعتباره مكسور الجناح ولا يقوى على المواجهة مع تعدد النقابات التي تدعي تمثيلها له!!

[email protected]