الخطاب وردود الأفعال
تاريخ النشر : 2018-09-29 23:06

خطاب الرئيس ابو مازن في السابعة من مساء يوم الخميس الماضي (27 سبتمبر 2018) بالتوقيت المحلي لفلسطين، كان خطاب الثوابت، والندية، والإتزان والعقلانية وفتح الأبواب والنوافذ للتراجع الأميركي والإسرائيلي، إن شاؤوا بناء ركائز السلام.

بدأ عباس خطابه قبل النطق بأي كلمة بتحديد الهدف الناظم والرسالة، التي اراد إبلاغها لكل زعيم وبلد ذي صلة بالصراع وللعالم أجمع، فأعلن "القدس ليست للبيع، وحقوق الشعب ليست للمساومة". ثم اشار للوفود المشاركة في الدورة ال73 للجميعة العامة للأمم المتحدة، باني عدت مجددا إليكم لإؤكد على على أكدته أمامكم العام الماضي. بتعبير أدق لم تتغير أهداف الشعب الفلسطيني، ولا أشكال نضاله، ولا تخلى عن خيار المفاوضات لبلوغ التسوية السياسية المقبولة والممكنة، وعلى أرضيى برنامج الإجماع الوطني.

تحدث ابو مازن بهدوء شديد، وبصوت غير مرتفع، ولكن دون ان يتنازل عن ثابت من الثوابت الوطنية، ومن غير ان يرضخ لكائن من كان، أو يساوم على موقف من المواقف، ومن موقع الندية مع كل الأقطاب، مع أميركا سيدة الكون حتى اللحظة، ورئيسها الشعبوي النرجسي الأفنجليكاني ترامب، ومع إسرائيل الإستعمارية، ورئيس وزراءها، مجرم الحرب نتنياهو، عندما أكد، أن كل الإتفاقات المبرمة بيننا لن نلتزم بها، ما لم تلتزموا أولا بها، وليكن ما يكون. وإن أردتم سلاما عليكم أن تتراجعوا عن كل قراراتكم وإجراءاتكم، التي إتخذتموها ضد شعبنا، المكون من ثلاثة عشر مليونا، ومنه ستة ملايين لاجىء. ولهذا دلالة عميقة في الرد على إدارة ترامب وحكومة نتنياهو. لم ينحنِ، ولم يتراجع، ولم يصرخ من شدة الألم، وواصل بثبات وجدارة مقارعة الأعداء ومن على أرضية السلام العادل والممكن. أي أن الرئيس عباس إعتمد مبدأ الرئيس الأميركي الأسبق وودر ويلسون: "إخفض صوتك، وإحمل عصا غليظة!"   

كما ان رئيس منظمة التحرير أبلغ العالم، انه يحمل معه قرارات دورة المجلس الوطني ال23 ودورات المجلس المركزي ال27 و28 و29، وجميعها قرارات ملزمة له وللكل الفلسطيني، بدءا من: سحب الإعتراف بإسرائيل، وإلغاء الإتفاقات البينية المبرمة السياسية والإقتصادية / المالية والأمنية، وقف كل اشكال التنسيق وخاصة التنسيق الأمني، تصعيد الكفاح الشعبي السلمي، رفض كل الحلول التي تنتقص من اي ثابت من الثوابت الوطنية، والقدس الشرقية كاملة غير منقوصة، هي عاصمة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، ووقف كل اشكال الإستيطان الإستعماري في أرض دولة فلسطين المحتلة، وعودة اللاجئين على اساس القرار 194، وضمان حق تقرير المصير لشعبنا إسوة بشعوب العالم، والمساواة الكاملة لإبناء شعبنا في داخل الداخل ... إلخ

وفي السياق توقف رئيس الشعب المنتخب، ورمز الشرعية الوطنية أمام ظاهرة الإنقلاب الحمساوي الأسود، وهي عادة درج عليها منذ الدورة ال62 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007، حيث هدف إلى إشراك العالم هموم ومشكلات الشعب العربي الفلسطيني، وبالتالي لم تكن هذة المرة الأولى، التي يتحدث فيها عن الإنقلاب الأسود وأخطاره على مستقبل النضال الوطني ومشروع الشعب السياسي لا الإنساني. وعليه عندما يلوح بإتخاذ إجراءات رادعة ضد الإنقلابيين من جماعة الإخوان المسلمين، لا يضيف جديدا، لإنه أولا أعطاهم الفرصة تلو الفرصة، وثانيا تم التوقيع على أكثر من إتفاق وإعلان، وثالثا لا يريد اللجوء للحرب الأهلية، ويسعى لحقن الدماء، وللحفاظ على كل نقطة دم فلسطينية، ورابعا يريد توحيد الوطن والشعب والمشروع الوطني والنظام السياسي التعددي لبلوغ هدف الحرية والإستقلال لكل الشعب في أراضي دولة فلسطين المحتلة في يونيو 1967. كونه يعلم، كما يعلم أولئك البواقون المنافقون والطبالون من كل لون وشاكلة، ان إستمرار الإنقلاب الحمساوي يعتبر تهديدا أعمق من تهديد الإستعمار الإسرائيلي، لإنه أداة الإستعمار في تفتيت وتمزيق نسيج ووحدة الشعب العربي الفلسطيني الإجتماعي والوطني. أضف إلى ان الإنقلاب تم بقرار وضوء أخضر أميركي إسرائيلي وإخواني دولي ومن بعض العرب لتصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء دور ومكانة منظمة التحرير. بعد هذا الوضوح يكون طرحه لموضوع الإنقلاب "عيبا" و"مثلمة" أم عنوان الصواب والحقيقة؟ ليجيب أولئك العبثيون والمرتجفون من بطش وإرهاب حماس.

مع ذلك اي مراقب موضوعي يدرك اننا في مجتمع تعددي، وهناك تباينات وإجتهادات مختلفة، وليس بالضرورة أن يُرضي خطاب الرئيس ابو مازن كل القوى والنخب السياسية. وهو ما يفرض إستيعاب ردود الأفعال، مع ضرورة نزع فتيل أحابيل وتلفيقات الإنقلابيين والمتربصين بشخص الرئيس محمود عباس، لان كلا الفريقين ينضح من مستنقع واحد، ويسعى كل فريق لصب الزيت على نار الفتنة والإنقلاب وتهديد المشروع الوطني.