صفعة الفيتو الروسي ، قراءة سياسية
تاريخ النشر : 2014-05-24 11:15

هناك علاقة بين عملية استرجاع سجن حلب و الفيتو الروسي الأخير ، و هناك علاقة بين انتصار حمص و الموقف الروسي الأخير المعارض لمؤامرة إحالة ما يسمى “بملف سوريا” على الجنائية الدولية ، و هناك علاقة مؤكدة بين موقف روسيا المساند لإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا و بين رفع الفيتو الأخير في وجه أعداء سوريا ، طبعا ، هناك فئة من ألسنة السوء هي من تطوع الباطل لتقول أن الروس هم من يتحملون وزر المجازر الحاصلة في سوريا على يد النظام ، و هناك كلاب الحراسة الخليجيين الذين يذرفون دموع التماسيح على “الضمير ” العالمي المتخاذل ، و هناك بعض المفلسين المتاجرين بمعاناة الشعب السوري ممن يتباكون على الدم المسكوب و هم من أشعل نار الفتنة ، إضافة طبعا لبعض “الدبلوماسيين ” الغربيين المتعودين على قلب الحقائق و إلباس الباطل لبوس الحق .
الملف السوري لن يصل إلى الجنائية الدولية بحكم الفيتو الروسي الصيني ، هكذا عنونت وسائل الإعلام العالمية و اختزلت نتيجة صراع القوى بين “أصدقاء سوريا” و بين حلفاءها الروس و الصينيون ، جريدة “الشرق” السعودية أحد ألسنة حال دول المؤامرة في الخليج تصرخ “الفيتو الروسي الصيني يهدد السلم الدولي ” ، تضيف ، “موسكو أثبتت أمس أنها مصرة على التورط في دعم الإرهاب بسوريا و إطالة أمد الصراع ، بطبيعة الحال لا أحد يهتم بمواقف الدول الخليجية المتآمرة ، و لا أحد يعطى هذه المواقف البائسة مجرد التفاتة لان الصراع في سوريا هو صراع عودة الدب الروسي للمنطقة ، عودة تسعى إسرائيل و الإدارة الأمريكية إلى إجهاضها بإسقاط النظام السوري أو تأخيرها حتى يستعيد الاقتصاد الأمريكي غفوته و انحداره بعد الهزيمة الأمريكية في العراق.
بقياس المصالح الدولية ، لا شك أن العلاقة بين سوريا و روسيا قد وصلت مرحلة متقدمة منذ بداية الأزمة السورية وباتت تصنف ضمن إطار العلاقات الإستراتيجية التي تحرص عليها القيادة الروسية بالنظر إلى الموقع المهم الذي تحتله سوريا في منطقة الشرق الأوسط و في معادلة الصراع العربي الصهيوني أو في إطار مواجهة الهيمنة الأمريكية ، و لا شك أن المواقف السورية الثابتة هي من دفعت القيادة الروسية إلى اتخاذ أصعب القرارات السياسية الإستراتيجية و من بينها مواصلة تزويد النظام السوري بالأسلحة رغم كل الضغوط الدولية ، و تبنى الخيارات التفاوضية السورية لحل الأزمة بما في ذلك الوقوف ضد المواقف الارتجالية للائتلاف السوري بشكل دفعه إلى الزاوية ليقبل في نهاية الأمر بالجلوس على طاولة المفاوضات في جينيف 1 و 2 و الاستماع إلى موقف الحكومة السورية ، انتهاء إلى استعمال حق الفيتو للمرة الرابعة و هو حدث تاريخي في العلاقات بين الشرق و الغرب و لم يحدث حتى في عز أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1961 .
يعلم المتابعون أن إستراتيجية الدول الكبرى تقوم دائما على قواعد و مراحل و عناصر معقدة ، و محاور هذه الإستراتيجية دائما ما تأخذ أبعادا مختلفة و غير مرئية أحيانا ، يعنى أن ما يحصل في ليبيا من محاولة القوى الغربية إيجاد موطئ قدم للناتو ليس بمعزل عن التدخل الأمريكي في أوكرانيا ، و سماح النظام التركي بنشر قواعد الرادار و التصنت الأطلسية ليس بمعزل عن الإنفجارات المتتالية التي هزت العاصمة الروسية منذ فترة ، بل أن تواجد قطع البحرية الألمانية لمساندة الجماعات الإرهابية المتواجدة في سوريا “بالصوت و الصورة” فيما يتعلق بتحركات القوات السورية لا يمكن أن يكون محل رضا من القوات الروسية المتمركزة في ميناء طرطوس ، بهذا المعنى فان الفيتو الروسي و لئن جاء لمعارضة قرار صهيوني يتجاهل الجرائم الإرهابية و يسلط العقاب على الجانب السوري ، فانه و في مكان آخر رد روسي على التدخل الأمريكي في أوكرانيا في نطاق ما يسمى بلعبة الأمم .
” بعد تلقيها ضربة مزدوجة باستخدام روسيا و الصين حق النقض في الأمم المتحدة تحاول الولايات المتحدة إنقاذ إستراتيجيتها في سو ريا وسط مخاوف من تحول هذه الأزمة إلى لعبة خطيرة ” … هذا باختزال ما جاء بتقرير وكالة رويترز بعنوان “في مأزق” بتاريخ 20 جويلية 2012 ، بعد عام تقريبا من الفيتو المذكور يقف الرئيس أوباما في نفس المأزق بعد الفيتو الروسي الصيني الأخير ، يقول الكاتب نضال نعيسة في مقال بعنوان ” أبعد من الفيتو الروسي الصيني ” بتاريخ 5 فيفرى 2012 ، “كما كان متوقعا ،كان الفيتو الروسي الصيني المزدوج بالمرصاد لمشروع القرار الفرنسي ضد سوريا بحيث أعاد كل تلك “الجهود” الدبلوماسية و السعي الغربي – العربي لاختراق سوريا إلى نقطة الصفر ، و أطاح بأحلام كثيرين للنيل من سوريا ، و الرقص على جثث و آلام السوريين ” … تلاحظون بانتباه شديد أن الزمن قد توقف في سوريا بالنسبة للمؤامرة القذرة ، و أن الذين راهنوا بكامل “رصيدهم” المادي و المعنوي على إسقاط النظام السوري يجدون أمامهم نفس اليد الروسية المرفوعة ، ألا ارفعوا أيديكم عن سوريا أيها القتلة الجبناء ، لكنهم مغفلون و عملاء .
خاص بانوراما الشرق الاوسط