آخر ساعات رئيس
تاريخ النشر : 2014-05-24 11:07

تنشط الحركة عند المدخل رقم 6 للقصر الجمهوري. هو الطريق المؤدي الى المقر الرئاسي من ناحية السفارة الإيطالية. يتأكّد ضباط وعناصر الحرس الجمهوري من هوية الواصلين، قبل تسليمهم البطاقات التي تشكّل "جواز مرورهم". تستكمل الإجراءات، وتفتّش السيارات، قبل ان تفتح العارضة الحديدة، آذنة باكمال المسيرة في اتجاه الداخل، حيث يرشد عناصر الحرس المارة الى موقف السيارات المخصص لهم، لينتظروا وصول باص تابع للحرس لنقلهم الى نقطة التفتيش الأخيرة، ومنها الى داخل حرم القصر.
هي الإجراءات الاعتيادية، لكن المختلف فيها هذه المرة انها ستكون الأخيرة. لن تعود بعبدا قبلة الاعلام في الساعات المقبلة، بل ستتحوّل الأنظار الى وسط بيروت، حيث سيتسع السراي الحكومي للاجتماعات والزوار، والضيف الجديد "صلاحيات رئاسة الجمهورية"، الذي سيدخل منذ الغد، من دون ان يعرف احد متى سيغادر.
في أيار 2008، وعلى وقع دماء نهر البارد والسابع من أيار والتوافق الإقليمي المتوّج في الدوحة دخل ميشال سليمان بعبدا، ليختتم في أيار 2014 ولايته الرئاسية باضطراب جديد. فباختصار، لم يستطع قائد الجيش السابق إتمام المهمة. وسيذكر التاريخ ان سليمان غادر القصر الجمهوري، عاجزاً عن تأمين الظروف السياسية الملائمة لانتخاب خلف له.

ظهر اليوم، لن يسلّم سليمان مقاليد الحكم كما لم يتسلّمها في بداية عهده. سيغادر القصر لتبقى من اثره صورة معلّقة على الحائط، الى جانب الرؤساء الأحد عشر للجمهورية منذ الاستقلال، ولوحة ثبّتها معاونوه في البهو الرئيسي للقصر تتضمّن "اعلان بعبدا" الذي يعتبره سليمان "من اهم إنجازات العهد"، على رغم انه بقي بنظر كثيرين "حبراً على ورق".
وبعدما ترأس مساء الجمعة مجلس الوزراء متناولاً من بعده عشاءه الأخير  في القصر، كرئيس للبلاد، سيسير سليمان ظهر اليوم على السجاد الأحمر في اتجاه مدخل القصر، حيث ستعزف له سلّة من الحرس الجمهوري موسيقى التعظيم. وما ان تنطلق سيارته، حتى يتم اطفاء نافورة المياه الشهيرة في الباحة الخارجية، ويقفل باب القصر وكل الجناح الرئاسي، الذي قد يفتقد لاسابيع واشهر لدعسات رئيس.
في داخل القصر، باب آخر سيقفل. هي قاعة 22 تشرين الثاني التي احتضنت 18 جلسة حوارية. لا صور ولا حراك ولا مصافحات ولا سجالات ولا حوار. سترحّل بنود الحوار، وقد يضاف عليها او يحذف منها، الى العهد الرئاسي المقبل. في الانتظار، قد يملأ حوار ساحة النجمة الفراغ، تحسّباً للآتي الأعظم.
كذلك، ستقفل قاعة مجلس الوزراء التي استقبلت 4 حكومات في عهد امضى اشهراً من تصريف الأعمال، عند كل استحقاق حكومي.
قبل ذلك بدقائق، سيلقي رئيس الجمهورية خطاب الوداع في حضور بعض الشخصيات، ليتبادل معهم الانخاب والمجاملات في حفل استقبال، يختتمه بالمصافحة الأخيرة قبل الرحيل. في الأيام الماضية، انكب المستشارون على وضع اللمسات الأخيرة على الخطاب ليأتي بأكبر قدر ممكن من التأثير على المستمعين، من الحاضرين والغائبين، اوّلهم حزب الله الذي سيغيب عن كل هذا المشهد، ويشاهده عن بعد، وهو الذي يتعامل مع سليمان في الأسابيع الأخيرة "كأنه غير موجود"، فلم يحضر الحوار، وغاب عن جلسة مناقشة رسالته الى المجلس النيابي، كما لن يحضر مراسمه الوداعية.
على عكس سلفه اميل لحود، لن يبقى سليمان حتى آخر لحظة. "سيغيب جسدياً عن القصر منذ ظهر السبت، بحسب احد معاونيه، لكنه سيبقى ملتزماً بمسؤولياته حتى الثانية عشرة ليلاً".
وفي انتظار استكمال دارته في اليرزة، سيعود الى مسقط رأسه عمشيت، رئيساً سابقاً، بعدما فشلت كل محاولات التمديد، وبعدما لم يكن "اعلان بعبدا" نفسه  كفيلاً بأن يشكّل جواز العبور الى الولاية الرئاسية السليمانية الجديدة، في ظل رفض اعطاء التأشيرة لذلك، عند مثلث الرابية-حارة حريك-عين التينة خصوصاً، فيما فضّل وليد جنبلاط التمايز بذكر عهد سليمان بحسناته.
ماذا بعد؟ في عمشيت، حيث ستجدد صور الرئيس المنتشرة في المنطقة، الى جانب اللافتات المنوّهة به وبعهده، ويستقبل على وقع الزغاريد ونثر الأرز والالعاب النارية، سيلتئم شمل عائلة سليمان لتقبل التهاني. سيقف نجله شربل الى جانبه، وهو الذي يعوّل عليه في المرحلة المقبلة لنسج مستقبل سياسي. علماً ان اسم نجل الرئيس برز اخيراً من باب الخلاف الذي حصل في كرة السلّة، وكانت نتيجته النهائية ايقاف لبنان عن المشاركات الدولية، وضرب موسم كرة السلة.
من هنا، لا يبدو ان سليمان سيكتفي بأن يبقى في الظل. فالرجل يحب الأضواء، وإن لم يكن كذلك، فقد اعتاد عليها بعد السنوات التي أمضاها في قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية. اليوم، هناك من يهمس من المقربين منه بأنه يسعى الى ان يتحوّل الى قطب سياسي في جبل لبنان. ولهذه الغاية، ستكون العين على استحقاق الانتخابات النيابية في المرحلة المقبلة من بوابة السعي الى كتلة نيابية في جبيل والجوار.
لكن المتابعين يسألون عن مدى قدرته على النجاح في ترجمة هذا "الحلم" كرئيس سابق، بعدما فشل في تحقيقه وهو في عز قوته الإدارية والمخابراتية في اول عهده في انتخابات عام 2009، حيث كانت الفرصة متاحة للترغيب والترهيب، فواجه العماد ميشال عون "بالعائلات المتحالفة مع 14 آذار" وخسر، وفازت لائحة عون كاملة.
2190 يوماً أمضاها سليمان في سدة الرئاسة، تخللها الكثير من الخضات والمشكلات، والقليل من الاستقرار الأمني والسياسي. هناك من يعتبر ان هذه النتيجة حتمية لانتخاب لم يأت بإرادة محلية، انما بمظلّة دولية، متى تزعزعت، صدّعت معها هيكل الحكم.

عن صدى البلد اللبنانية