الفساد والابتزاز السياسي .... والجديد في خطاب هنية
تاريخ النشر : 2013-10-26 11:20

(1)  التوظيف السياسي للفساد
نهاية الاسبوع الماضي ذكرت صحيفة الصنداي تايمز أن إنفاق الاموال الممولة من الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية شابها عمليات فساد. وأن تقريرا، لم يصدر بعد، للمراجعين الاوروبيين يرى ان المخاطرة ما زالت عالية في عمليات انفاق الاموال الاوروبية في الاراضي الفلسطينية.
قد لا يستطيع احد الجزم بعدم صحة هذا الادعاء أو يتلافاه لو جاء من أشخاص أو أطراف ذات مصداقية غايتها عملية الاصلاح وتحصين نظام المناعة أي نظام الوطني للنزاهة وتفعيل أدوات المساءلة. لكن معرفة السياق الذي جاء به هذا الادعاء ومقاصده توضح الغايات المضمرة منه.
جاء هذا الادعاء في اطار حملة شرسة لرئيس الحكومة الاسرائيلية واللوبي الاسرائيلي في اوروبا لإعادة وصف السلطة الفلسطينية بالفساد، وهي تسعى بشكل محموم لتغيير وجهة الرأي العام الاوروبي المساند للشعب الفلسطيني خاصة بعد اقرار الاتحاد الاوروبي بعدم سريان الاتفاقيات الاقتصادية ما بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على منتجات المستوطنات وعدم سريان السيادة الاسرائيلية على المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
يحمل هذا الادعاء مقصدين اساسيين، الاول: أن مؤسسات السلطة الفلسطينية ما زالت قاصرة وغير فاعلة و/ أو قادرة على القيام بأعباء الدولة وفي بعض جوانبها الفساد. أما الثاني: فهو وقف التمويل الاوروبي للفلسطينيين من خلال التشكيك في أوجه إنفاق التمويل من ناحية، وعدم قدرة الاتحاد الاوروبي على الرقابة على هذا التمويل من ناحية ثانية.
ان محاولة الابتزاز السياسي التي تحاول الحكومة الاسرائيلية ومناصريها أو أتباعها من خلال وسم السلطة الفلسطينية بالفساد يأتي تحضيرا لعدم تحميل الحكومة الاسرائيلية فشل المفاوضات في ربيع العام القادم، وكذلك تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن الفشل لكن من خلال عدم جاهزيتها في اطار بناء المؤسسات قادرة على تحمل مسؤوليات الانفاق المالي فيكيف تتحمل اعباء مسؤوليات الامن والمعابر الدولية. وهي في نفس الوقت تحاول ابتزاز الاتحاد الاوروبي وحكومات دوله من خلال تحريض الناخبين الأوروبيين عليهما لمواقفهما الداعمة أو التحول في مواقفها اتجاه القضية الفلسطينية في عدم قدرتهما على الرقابة لآليات انفاق أموال الدعم الاوروبي.
هذا الأمر لا يدعو الى الوقوف عند الرد على هذا الادعاء باعتباره من باب المؤامرة أو الاكتفاء بمطالبة مؤسسات الاتحاد الاوروبي للرد على هذا الادعاء، بل العمل بشكل قوي وفعال لبناء نظام الوطني للنزاهة باعتباره فعلا وطنيا مستمرا  وليس ردة فعل على ادعاء أو محاولة للتبرير.
(2) خطاب هنية .... بلا جديد

قدم اسماعيل هنية رئيس حكومة غزة الفعلية أو الحكومة المقالة في خطابه المطول ثلاثة مسائل أساسية؛ أولها جمالية "الكلام" الخطاب وإبداعية التغزل بحركته باعتبارها "حركة المقاومة الفلسطينية"، وبذلك وجه خطابه الى جمهوره الخالص في ثانيهما.
 في المساءلة الثالثة التي تهم الجموع الفلسطينية سواء الحاضرين منهم في أو الذين استمعوا لخطابه، علهم يجدون جديدا في مسألتهم "المصالحة"، وجدوه مد قدما الى الامام بعدم وضع شروط للمصالحة، لكنه لم يَخْطُ بها؛ فبقيت الانتخابات غير موازية لحكومة الوفاق الوطني "التكنوقراطية" بل هي متتالية، كما جاءت ضمن اعلان موافقته العامة اللفظية باجراء "المصالحة وإنهاء حالة الانقسام على أساس كل ما تم الاتفاق عليه".
وان كنت ممن لا يتفقون على ان فترة الثلاثة اشهر كافية لإجراء الانتخابات الفلسطينية؛ ليس فقط لان حركة حماس غير راغبة في ذلك بل لان حركة فتح وكذلك الفصائل الأخرى غير جاهزة لها، ناهيك عن ان اجراء أي انتخابات في ظل الوضع الحالي لا يخلو من معيقات وعقبات إسرائيلية، إلا أن تحديد موعد الانتخابات بات ضرورة لانجاز الخطوة الاولى في استعادة الوحدة، والبدء في المصالحة الوطنية دون الانتقاص من مجمل بنود اتفاق المصالحة التي بحاجة الى آليات تطبيق؛ قد تكون بحوارات بين حركتي فتح وحماس و/ أو الفصائل الاخرى بالإضافة الى مؤسسات المجتمع المدني وباحثين ومستقلين كمساهمين أو داعمين.
وبغض النظر ان كانت حركة حماس في أزمة داخلية أو أن سوء الوضع في قطاع غزة يشكل عامل ضاغط أو سوء العلاقة مع الحكومة المصرية الجديدة بعد فقدانها النظام الإخواني في مصر، وكذلك فقدانها لحلفائها السابقين في معسكر "الممانعة" باعتبارها عوامل ضاغطة على حركة حماس لكن هذا لا يمنع ان لديها أو في جعبتها عوامل قوة أخرى يفتقدها الاخرون. وفي السياق نفسه فإن الفلسطينيون جميعا اليوم في أزمة سياسية وأخلاقية لا تنتهي إلا بانجاز المصالحة عمليا وليس خطابيا، وهي تحتاج إلى "تنازلات مؤلمة" لتفعيل قوة الدفع الفلسطينية ومكمن قوتها "الوحدة الوطنية".