بين اليمين الهندوسي والإسلام السياسي
تاريخ النشر : 2014-05-22 11:01

كيف تمكن قراءة الفوز الساحق لليمين الهندوسي في الانتخابات الهندية الأخيرة من موقع رصد تفاعلات الاسلام السياسي في الحياة العامة العربية والمسلمة؟

 

على خصوصية الديموقراطية الهندية وضخامة حجمها الديموغرافي وتنوّعها الديني والإتني، فإن \\\"أمة المليون اضطراب\\\" كما سمّاها الروائي ت. إس. نايبول لم تخرج في نتائج انتخاباتها الأخيرة عن موجة تقدّم أحزاب اليمين المعبّرة أكثر عن حدة الهويات الدينية والوطنية في العديد من دول العالم. غير أن ما يربط فوز حزب بهاراتيا جاناتا في ظل قائده ناراندرا مودي بنماذج بعض البلدان الأخرى هو تمثيل هذه القيادة للتطلعات الشعبية نحو برنامج اقتصادي تحديثي في هند أكثر مدينيّةً في العقدين الأخيرين.

إنها الحكاية نفسها التي تتكرّر منذ عقدين وهي تتمحور حول يمين أكثر وعداً بالتقدّم ويسار باهت لا يحمل أفكاراً جديدة. اليمين الديني أو اليمين الأكثر قدرةً على، اللعب على، أو تمثيل الهوية الدينية سواء كانت في لحظة دفاعية أو في لحظة هجوميّة. ولكنه في الآن نفسه اليمين الأكثر تمثيلاً لليبرالية الاقتصادية بتحولاتها التحديثية و كلفها الاجتماعية.

لا يخرج اليمين الإسلامي العربي وغير العربي عن هذه \\\"المعادلة\\\".

فكما في تركيا وإيران ومصر ارتبط صعود التيارات الإسلاميّة ببرامج اقتصادية بدا اتجاهها العام نحو التخفيف من التزامات دولة الرعاية التي سادت في ظل أنظمة سابقة مع الأخذ بعين الاعتبار الإرث الخاص بكل بلد. في مصر سيظهر برنامج \\\"الإخوان المسلمين\\\" عاكساً لفهم استثماري يقوم على تشجيع رأسمال ضخم بأكبر قدر من حرّيات السوق ومستبدلا مفاهيم دولة الرعاية بمفاهيم فيلونتروبية (خيريّة). وفي تركيا سيكون برنامج \\\"حزب العدالة والتنمية\\\" الذي سيقوم بدور تحديثي للاقتصاد التركي أيضا على حساب العديد من التزامات سابقة بسبب خصخصة مؤسّسات خدماتية وإنتاجية تابعة للدولة. وفي الفترة الراهنة مع بدء انحدار قوة الحزب سيظهر بعض قادته حلفاء لرساميل ريعية وعقارية فاحشة كما أظهرت فضيحة التنصت الشهيرة.

ليست الريغانية الشديدة المحافظة سياسياً والتي جعلت استعادة قوة الاقتصاد الأميركي معركة يومية مع نقابات العمال في الثمانينات من القرن المنصرم وليست التاتشرية التي انتهجت الخط نفسه في الفترة نفسها من منطلق الاعتقاد العميق أنه لا فرصة للتحديث والقدرة على المنافسة من دون كلفة تدفعها شرائح في المجتمع تبعاً للشعار الشهير المنسوب لمارغريت تاتشر والقائل: \\\"ليس هناك مجتمع... هناك أفراد\\\"... ليست الريغانية والتاتشرية اللتان أظهرتا ديناميكية تحديثية للاقتصادين الأميركي والبريطاني واللتان في عهديهما جدّد اخصامهما اليساريون شعار \\\"الرأسمالية المتوحشة\\\"... ليستا إلا المرجع المعاصر لكل أنماط اليمين الديني المزاوج بين أيديولوجية شديدة المحافظة الإيمانيّة وبين نهج اقتصادي مع أقصى حريات السوق. هكذا أيضا سيظهر نموذج \\\"إسلامي\\\" للتحديث الاقتصادي مع رجب طيّب أردوغان وسيطلق عليه باحثون غربيون تسمية \\\"الكالفينية الاسلامية\\\". ولا بأس من تذكّر الرئيس الايراني السابق الذي سيصل إلى رئاسة الجمهورية ولا يجد أي تناقض بين كونه سابقاً رئيس بلدية ناجحاً لطهران وفي الآن معا هو مؤمن عميق الإيمان بأن المهدي المنتظر سيظهر قريباً.

و كالعادة في كل انتخابات غير مشكوك بنتائجها الأساسية، يدور البحث حول ليس فقط أسباب فوز الفائزين بل أيضا حول أسباب خسارة الخاسرين، فكيف في حالة خسارة حزب كحزب المؤتمر الذي ارتبط باسم عائلة هي عائلة غاندي، لا بل ولفترة طويلة كان هو الهند وشخصيته شخصيتها. مع خسارته الفادحة يُجمع الكثير من التعليقات أن الهند تغيرت في ذلك الاتجاه المزدوج الذي يجمع بين تصاعد دور الهوية الدينية في الحياة السياسية وبين نمط رأسمالي تحديثي أقل اتصالاً بثقافة الحماية الاجتماعية. هذا دون أن ننسى أن سمعة الفساد المستشري طبعت تجربة الحزب في السنوات الأخيرة حتى أن العديد من تعليقات الصحافة الغربية وخصوصا البريطانية اعتبرتها - أي هذه السمعة - المسؤولة الرئيسية عن فشله المريع.

يعنينا في العالم العربي ونحن في قلب موجات تديين السياسة أو تسييس الدين، تسجيل اختلاف جوهري عن الحالة الهندية هو أن الديموقراطية الهندية هي ديموقراطية مستقرة وصاعدة رغم أنها تدير \\\"أمة المليون اضطراب\\\"، بينما غزا الاسلام السياسي المجال العربي العام وهذا المجال تعبّر عنه دول غير مستقرة وبعضها في حالة تفتّت وتخلّف تنموي.

على أي حال علينا أن نلاحظ أن \\\"الربيع العربي\\\" لم يمثّل فقط ذروة صعود الإسلام السياسي بل أيضا بداية تراجعه أو ربما سقوطه الذي يتّخذ أشكالاً مختلفة.

عن النهار اللبنانية