الطائفية الدينية السياسية والدول العربية إلى أين ...؟!
تاريخ النشر : 2014-05-21 15:02

لم تمثل الطوائف الدينية يوماً من الأيام تهديداً مباشراً، لوحدة المجتمعات والدول العربية والإسلامية، كما تمثله هذه الأيام، رغم ظهور الطوائف، والفرق، والنحل، منذ قرون خلت.

إلا أنه في العقود الأخيرة، نمت المشاعر الطائفية، وجرى تسييسها، وتغولت لدرجة باتت تمثل تهديداً خطيراً، وقنبلة موقوتة يهدد إنفجارها، بإنفجار الدول العربية وسقوطها، وتفتيت نسيج المجتمع الواحد في الدولة الواحدة، وبات التوظيف السياسي الداخلي، والخارجي للأبعاد الطائفية الدينية، يمثل سمة من سمات المرحلة، وأداة من أدوات تدمير الدول والمجتمعات في المنطقة العربية، وشواهدها كثيرة ونتائجها وخيمة، من أجل إدراك خطورة هذا التهديد، لابد من لمحة تاريخية لنشأة الدول العربية والأطماع الاستعمارية التي تعرضت لها، منذ نهايات الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لقد تنافست الدول الغربية الاستعمارية فيما بينها، على السيطرة على المنطقة الممتدة في جنوب وشرق المتوسط، وقد تسنى لها أن تحقق أهدافها بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وبناءً على ذلك تقاسمت السيطرة والنفوذ والغنائم، ومن أجل ديمومة سيطرتها، وحماية مصالحها الحيوية في المنطقة وفيما تؤدي إليه من مناطق أخرى، أقرت فيما بينها سياسة التجزئة والتقسيم للمنطقة، إلى دويلات وكيانات ضعيفة ومشتتة، وحالت دون تمكين العرب من إقامة دولتهم الواحدة أسوة ببقية الشعوب التي أقامت الدولة على أسس حديثة، ضمن مفهوم ومبدأ ((الدولة الأمة))، وعملت على فصل الجناح الغربي للمنطقة عن جناحها الشرقي، بإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين (راجع تقرير لجنة كامبل بنرمان 1907م)، فبات لدى العرب اليوم أكثر من عشرين دولة مستقلة، ولكن بسبب الدور العدواني، والتسلطي للكيان الصهيوني، الذي بدأ ممارسته منذ نشأته في العام 1948م، وما مثله من تحدٍ للمنطقة وشعوبها، قد أدخلها في حروب شاملة عديدة، توجت بحرب رمضان/أكتوبر/1973م، والتي وضعت العرب ولأول مرة في مستوى لائق ومناسب من التضامن والتنسيق في مواجهة هذا التحدي، حيث شكل التضامن العربي خطراً وتهديداً عربياً جدياً ولأول مرة على وجود هذا الكيان، وكذلك على المصالح الحيوية الغربية في المنطقة، خصوصاً عندما استخدم العرب النفط كسلاح في وجه الدول الداعمة للعدوان الصهيوني.

عند ذلك اكتشفت هذه الدول والقوى ذات المصالح، أن حالة التقسيم التي هي عليها المنطقة العربية، غير كافية لضمان أمن الكيان الصهيوني، وضمان مصالحها الحيوية، لذا جرى تطوير الخطط والسياسات الغربية في التعاطي مع المنطقة العربية على أسس جديدة، تضمن لها حماية مصالحها، وتمكن للكيان الصهيوني أسباب استمرار السيطرة والتفوق، وارتكزت هذه السياسات على الأسس الرئيسية التالية:

1- تبريد الصراع العربي الإسرائيلي إلى أدنى درجة ممكنة، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات سلام جزئية مع بعض الدول العربية، وتحويل الصراع من صراع رئيسي يوحد المنطقة، إلى صراع ثنائي ثانوي، وبالتالي إسقاط القضية الفلسطينية، كقضية مركزية جامعة، وتحويلها إلى قضية ثنائية (فلسطينية إسرائيلية) يجري البحث عن تسوية لها ضمن هذا الإطار الثنائي.

2- إحداث وإفتعال صراعات بينية، بين دول المنطقة، تعلو حدة على الصراع العربي الإسرائيلي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، وتحويل الأخير إلى مجرد صراع ثانوي عادي يمكن السيطرة عليه، وضبط إيقاعه دون تهديد لوجود الكيان الصهيوني، أو تهديد للمصالح الحيوية للدول ذات النفوذ.

3- إضعاف الولاء القومي والوطني، لدى مواطني دول المنطقة العربية والإسلامية، وإحلال الولاء الديني والطائفي مكانه، من خلال إيقاظ الغرائز الدينية الطائفية وتسييسها، وضرب وحدة نسيج المجتمعات في الدول القائمة، وصناعة تشكيلات سياسية دينية، تتصدر المشهد السياسي الداخلي، وتمثل أدوات الإنقضاض والتدمير الذاتي لهذه الدول، وجعلها في أضعف حالاتها على المستوى، الإجتماعي، والإقتصادي، والسياسي، والأمني، كمقدمة لإفشالها وإنهيارها، وتقسيمها وتفتيتها، إلى كيانات، أو كانتونات على أسس طائفية دينية، وإثنية متعددة، وعندها يظهر الكيان الصهيوني، كياناً طبيعياً متجانساً ومنسجماً مع التركيبة الجديدة لكيانات المنطقة، ويكون قد ضمن دوراً محورياً ومركزياً في التأثير في سياسات هكذا كيانات طائفية ومذهبية وإثنية متعددة ومتفرقة ومتناحرة.

وما الصورة التي وصلت إليها حالة الدول العربية اليوم في كثير من أقطارها مثل السودان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، إلا نتيجة حتمية لهذه السياسات والإستراتيجيات، التي لعبت وستلعب فيها قوى الطائفية الدينية السياسية دوراً محورياً ومركزياً في إتمام الصورة المرسومة للمنطقة بأكملها، وهنا يرتاح الكيان الصهيوني والقوى الطامعة في النفوذ، وذات المصالح الحيوية في المنطقة، من شن الحروب والغزوات على دول المنطقة، لتترك المهمة للضحية نفسها، أن تنفذ المخطط وأن تتحول من ضحية مستهدفة إلى أداة لاستمرار الجريمة وتنفيذ المؤامرة المحاكة ضدها، بيدها لا بيد غيرها، تدمر نفسها وقواها، وتبدد إمكانياتها وتسير بشعوبها نحو التراجع والتخلف، وفقدان الأمن والأمان.

هذا ما يحتم مواجهة هذه السياسات الخبيثة، ومواجهة خطر الطائفيات الدينية السياسية التي باتت أداة ماضية وطيعة لتنفيذ هذه السياسات التي تستهدف دول المنطقة العربية وشعوبها، وتحقق غايات القوى والدول ذات الأطماع في المنطقة العربية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.