بعض من مفاهيم لاتفاق منتظر
تاريخ النشر : 2014-05-13 15:45

 بقلم : حسن عصفور

منذ \\\"الإعلان الرئاسي\\\" لإنهاء حالة الانقسام الوطني السياسي والاجتماعي، والاجتهادات تدور في فلك الانتماء الفصائلي، رغم أهمية الإعلان توقيتاً، إذ جاء بعد مرور عام على الانقلاب الحزيراني بكل ما حمله من خسائر شاملة لكل الأطراف عدا إسرائيل التي هي الطرف الوحيد الرابح مما حدث، بعيدا عن تعصب \\\"البعض المنتفع\\\" من الانقلاب ذاته، أو اعتقاد البعض أن ما حدث هو محاولة لترسيخ قدرة سياسية خاصة لحركة حماس ومشروعها \\\"الاسلاموي\\\" في النظام الفلسطيني بعيدا عن العمق الديمقراطي الحقيقي، وليس مفهوم \\\"الخطف\\\" سواء عبر الانتخابات التي جاءت في ظل توقيت ملائم لحماس، أو باستغلالها لفرض نمط سياسي خاص بعيدا عن الأسس الدستورية.

 فتجربة العام الماضي أظهرت بكل جلاء أن السلطة ليست تسلطا فحسب أو إحداث انقلاب وظيفي عام في وضع سياسي معقد بل هو ممارسة المسؤولية تجاه المواطن الذي وجد نفسه أمام واقع لا يقبله ولكنه يتعايش مع القائم، ولا يمكن الحديث عن \\\"انجاز\\\" يدخل سياق الانجاز في العام المنصرم للفلسطيني بشقيه وبالأساس في المناخ الجنوبي من الوطن.

 بل ما كان هو تقريبا إجماعا وطنيا عاما، على انه كان العام الأسود منذ العام 1948 واعتبره الكثير من أهل فلسطين عام النكبة الثانية، وبعيدا عن وضع جدول وترقيم الخسائر، فان الأساس الذي نبحث عنه ما هو قادم فعلا انطلاقا من الإعلان الرئاسي.

 واعتبارا من ذلك لابد من استكمال الجوانب الخاصة بما يجب أن تكون عليه أسس الاتفاق والتوافق الوطني، على قاعدة القطع النهائي مع \\\"الثقافة الانقلابية\\\" أو \\\"الهيمنة الفصائلية\\\"، وإعادة الاعتبار للنظام السياسي الذي يعيش حالة من الحصار الفريد حتى بجناحه الذي لم يعد لإسرائيل به وجود مادي داخله.

 ولأن الحوار الوطني بقدر ما هو حاجة ضرورية وفعل لا بد منه، إلا انه أيضا يحتاج من المؤسسة الجادة لإطاره العام أسسا وآليات بحيث لا تكون هناك ردة في اي لحظة تسمح للبعض باستغلالها تحت اي شعار كان، أو أن يكون مقدمة لإباحة الدم الفلسطيني تحت يافطات جديدة سواء ما ارتبط منها بالماضي أو تواصلا مع ثقافة ظلامية أو انتقامية باتت متواجدة في المجتمع الفلسطيني بأشكال منوعة تحمل كلها عناصر التبرير الخاص بها.

 المبادرة العربية اليمنية مثلت إعلان المبادئ الأساسية لإنهاء الحالة الانقلابية ـ الانقسامية وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، وفق بعض المحددات العامة التي تمثل عناصر ضرورية ولا بد منها، إلا أن عناصر المبادرة تحتاج إلى بعض أسس ذات بعد جوهري تمس المجتمع الفلسطيني برمته، ومن الضروري أن تكون جزءا رئيسيا من الاتفاق وان لا تترك لزمن آخر.

 ولعل مفهوم \\\"المواطنة\\\" هو أكثر العناصر التي يجب ان يتم التسلط عليها في الواقع القائم في فلسطين، لأنها لم تكن جزءا من \\\"الثقافة السياسية المجتمعية السائدة\\\"، فهذا المفهوم هو الذي يجعل من المواطن الفلسطيني يتساوى بحقوقه في الوظيفة العامة (المدنية والأمنية) ويجب إعادة النظر بشكل جوهري في أسلوب التعامل الوظيفي السائد منذ سنوات طويلة منذ إنشاء السلطة الوطنية العام 1994 و ازداد استغلاله بعد الانقلاب الحزيراني .

 ومع صياغة مفهوم جديد \\\"للمواطنة\\\" وآلية التعامل القانوني، تتجه المسألة لوضع معايير بناء المؤسسة الأمنية الوطنية المهنية غير الحزبية، ولا خلاف على أن هذه المسألة تحتل حيزا رئيسيا من اتفاق قادم، وان لم يتم حل جوانبها كافة فلن يكتب نجاح لاي اتفاق مهما كانت النوايا صادقة، كما أن الأمر لا يجوز التعامل معه وكأنه قضية عاطفية سيتم حلها بعد التوافق .

 القضية الأمنية بكل مكوناتها تمثل ركنا أساسيا يجب أن تصل الأمور إلى نهايتها قبل الرقص الجماعي بعرس الاتفاق، فالأسئلة المرتبطة بها متعددة، منها كيف يمكن إعادة بناء المؤسسة الأمنية بشكل مهني ووطني جديد، وما هو مصير المؤسسة الأمنية الموجودة الآن وكيف سيتم التعامل مع أجهزة أمن حماس، وما هي الأجهزة التي يحتاجها الشعب الفلسطيني وما هي مهامها ووظيفتها، والتمايز بين الوظيفة في الضفة عنها في قطاع غزة، وما هو مفهوم سلاح المقاومة وكيف سيتم التعامل في قطاع غزة مع \\\"السلاح\\\" وتشكيلات عسكرية ترتبط به لاغير، وهل تقبل الفصائل بمجموعها بكل هذه التشكيلات لمصلحة القوة الأمنية الجديدة، والى أن يتم ذلك من سيقوم بحماية الأمن والنظام العام، وكيف يكون التصرف مع \\\"القائم الامني\\\" في المرحلة الانتقالية، أسئلة تفترض وجود قوة محايدة وقادرة على توفير الأمن والأمان للمواطن، خاصة في قطاع غزة وهذا لن يكون إلا عبر وجود قوة عربية فعلية تتحمل مسؤولية توفير الحماية الوظيفية للإنسان الفلسطيني، إلى جانب إعادة تأهيل المؤسسة الأمنية، وخلالها حماية العملية الديمقراطية (الانتخابات الرئاسية التشريعية).

 وهنا اي قانون انتخابي سيكون، أهو التمثيل النسبي الكامل الذي أقرته وثيقة 2005 (إعلان القاهرة)، أم النظام الانتخابي الراهن الذي أنتج الكارثة، والمسألة يجب أن تتجاوز مصلحة فصيل أو استغلال لحظة معينة لخطف وطن، وذلك يتطلب أولا الاعتراف بان غياب قانون الأحزاب وشروط عملها والتزامها بالقانون والدستور كان عاملا ضارا، لذلك يجب أن يكون ذلك شرطا من شروط إنتاج الاتفاق الوطني.

 وربما يتطلب الأمر أيضا إعادة النظر بشكل جوهري في \\\"القانون الأساسي\\\" الذي جاء فرضا لمصلحة اتجاه لحظي، وأثبتت التجربة فشله الكلي، ويجب تحديد اي نظام نريد داخل السلطة الوطنية وان كان البرلماني هو الأكثر ايجابية، مع إعطاء مجمل الصلاحيات السياسية للرئيس العام (رئيس الدولة المنظمة).

 وهنا كيف يتم الربط بين حوار الاتفاق الداخلي وحوار إعادة بناء منظمة التحرير، مؤسسات وبرنامجا.

 ذلك بعض ما هو ضروري إذا ما كان \\\"الإعلان\\\" والتجاوب يحمل جدية نحو إنهاء الكارثة .

 

 17 حزيران 2008