الحراك الإقليمي الجديد وترقب التغيير
تاريخ النشر : 2014-05-13 15:11

 بقلم: حسن عصفور

لم يكن الأسبوع الماضي وبداية الراهن كغيره من أيام سبقت، اعتقد الكثير ان المنطقة تسير في خراب سياسي قد يصل ببلد أو أكثر إلى حالة العراق، النموذج الاميركي المسمى \\\"الفوضى الخلاقة\\\"، خاصة بعد أحداث لبنان التي لا تزال تحمل من الغموض والتعقيد ما يفوق بمراحل، وضوح توافق الدوحة بين أهل لبنان، وبالتزامن مع فتنة محدودة داخل السودان لم تكن بحساب أو تفكير وصولها إلى درجة الصدام المسلح داخل العاصمة، وتصاعد فجائي لعمليات صعدة في بلاد اليمن، إلى جانب ما هو قائم أصلا من إشكاليات تبرد وتسخن وفقا لحسابات محركيها واستخدامها سياسيا وزمنيا.

 ولكن الحدث الأبرز والذي يحمل طابعا استراتيجيا تلك الحركة العلنية للمسار التفاوضي السوري ــ الإسرائيلي في العاصمة التركية انقرة، التي كانت حريصة جدا على رعاية تلك اللقاءات ونقل الرسائل (خاصة بعد اعادة انتخاب اردوغان وحزبه بالانتخابات البرلمانية). ولا شك أن الدور التركي مدعوم بالكامل من الولايات المتحدة، رغم عدم الرضا الاميركي عن الرغبة الإسرائيلية لحل مع النظام السوري راهنا لاسباب تعبر عن ضيق افق وصلافة متغطرسة لا أكثر.

 ما تقوم به تركيا لا يقتصر على شكل الاستضافة أو الدور البريدي كما يريد البعض ان يراه، فهو في الحقيقة يتجاوز ذلك إلى ما هو ابعد من ذلك، حيث يرتبط الدور بالمخطط الاميركي ــ الإسرائيلي منذ قدوم \\\"الإدارة البوشية\\\" للحكم، الهادف الى تغيير أسس العمل الاقليمي في المنطقة الأهم استراتيجيا والأكثر حساسية في صراع كوني اشكاله ليست عسكرية، ويرتكز المخطط أساسا على إعادة الاعتبار للدور الاقليمي التركي وفق حسابات خاصة في ظل التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، على حساب إضعاف وحصار الدور الاقليمي العربي، خاصة محور مصر ــ العربية السعودية وتحالفها، والعمل على انحسار الدور الفارسي وفق ما تريده واشطن ــ تل ابيب استخداما وحسابا. لذا كان ذلك الامتياز لها في المسار السوري ــ الإسرائيلي والذي ينطلق بسرعة وثقة من طرفيه للوصول إلى محطته النهائية.

 ان التوصل الى تحقيق ما هو معلن من تسوية سياسية، سيمثل قيمة إستراتيجية خاصة ليس لسورية وإسرائيل فحسب، بل لتركيا وثقلها القادم في الحسابات الإقليمية المنتظرة تحقيقا لإعادة صياغة خريطة سياسية جديدة، يلعب فيها التحالف الإسرائيلي ــ التركي دور الناظم الأساسي في التوازنات الإقليمية والدولية، ومن هنا يمكن ان يكون العمق التركي المتحالف مع إسرائيل هو البديل الامني ــ السياسي والاقتصادي لسورية عن بلاد فارس في حال انجاز التسوية بينها وإسرائيل، لذلك فان دعوات إسرائيل حول الأهمية الخاصة للحل على المسار السوري يتجاوز البعد الثنائي بين الدولتين ليأخذ منحنى اقليميا، كان احد الأسباب الرئيسية في الموافقة الأميركية على انطلاق التفاوض السوري ــ الإسرائيلي .

 قد يعتقد البعض ان هذا استنتاج مبكر، ولكن عودة للخلف قليلا وبالتحديد يوم ان وقفت سورية مع تركيا في حربها ضد شمال العراق مخالفة كل القيم والاعراف القومية، اعتقد البعض أنه خطأ سياسي كما تعودوا من الرئيس السوري احيانا، وهو في الواقع لم يكن سوى دفع من حساب مقدماً لفعل سياسي قادم وتبيان حسن نية كان مطلوبا لاستكمال المهمة التركية مع اسرائيل.

 ويرتبط الموقف السوري في التأثير الايجابي في التوافق اللبناني الأخير ترابطا وثيقا بالتطورات الجارية في تركيا، فلولا ذلك المسار لكان للأزمة أبعاد ووجوه أخرى.

 ومتابعة لمضمون خطاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان وتحديده مرتكزات غابت عن خطاب الرئاسة السابقة خاصة العلاقات مع سورية، يمثل نهجا سلوكيا سياسيا لم تكن ترضى به سورية في زمن آخر، الا انها لم تعلق او تحرك ساكنا وستتحمله على مضض الى حين، يؤشر على ما هو قادم في الحراك الاقليمي الجديد بقوامه وأهدافه.

 ان ملامح الحراك الاقليمي الراهن يعبر عنها ما يجري في تركيا أو ما كان من الدوحة منطلقا، وما تلاه من قول فارسي بلسان نجاد عن حالة اللارضا الساسي عن نهج دمشق، وهي رسائل أولية لما قد نشهد ما هو أكثر آثرا وتأثيرا في سياق جديد. اوله المسار الفلسطيني الذي شهد تراجعا بل انهيارا واضحا للوصول إلى نهايته التي وعدت بها اميركا ومؤتمر انابوليس، ولا يتوقف الخطر على حالة الانهيار فحسب بل يتجاوزها ليمس المصير الفلسطيني ومستقبله جراء تلك التطورات الاقليمية الجديدة، بعيدا عن الكلام العاطفي اللفظي الذي يتحدث به بعض الفلسطينيين أو السوريين عن غير ذلك.

 ورغم المخاطر الكامنة في تلك التطورات السياسية الجديدة، الا ان الامكانية لا تزال قائمة لتشكيل حالة اعتراضية ايجابية للآثار السلبية التي قد ينتجها ذلك الحراك الجديد، خاصة وان الشكل العلني للحل التوافقي اللبناني كان عربيا، والتفاوض على المسار السوري ــ الإسرائيلي جزء من مكونات المبادرة العربية للسلام، والادراك العام \\\"لمعسكر الاعتدال العربي\\\" ان واشنطن لن تقيم وزنا لحرد اوغضب لايؤثر بمصلحتها المباشرة في المنطقة، ذلك بعض من دوافع كامنة قد تكون ادوات فعل عربي جديد، لمواجهة مخاطر الحراك الاقليمي الجديد مبكرا، وهو ما يحتاج إلى قرار أولا داخل مركز دول الثقل العربي حول إستراتيجية جديدة، تعمل على التحسب الجاد والفاعل لنتاج الحراك الراهن وعدم الانتظار كما سبق او الاتكال على غير الذات لفعل ما على اهل البيت فعله.

 الإمكانية متوفرة، القرار ضروري، وما يتبقى القدرة والإرادة لفعل يقطع الطريق على ما هو خطر ليس على فلسطين وحدها كما يظن البعض منا.

 ملاحظة: هل خطاب مشعل في طهران وبعض من قول رئيس وزراء قطر الساخر عن بحث دول عربية عن دور اقليمي، انعكاس ام مصادفة؟.

 

28 أيار 2008