هل تكون قمة عصـر النهضة
تاريخ النشر : 2014-05-12 23:35

 بقلـم : حســن عصفور

القمة العربية القادمة التي ستعقد في العربية السعودية، يمكن أن تكون حدثاً تاريخياً لا يقل أهمية عن القمة التاريخية عـام 1964 في الإسكندرية التي شهدت انطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً لشعبنا الفلسطيني.

 فقمة الرياض الـمقبلة ستعقد وسط أجواء ربما هي الأسوأ في التاريخ العربي الـمعاصر، والتي آمل أن تضع القمة بداية النهاية لهذا الانحدار الحاد في موقفنا السياسي.

 فللـمرة الأولى نجد الفتنة الطائفية كحقيقة قائمة في العديد من بلادنا العربية، وهي لـم تعد عملاً في الظلام، بل أصبحت نهجاً يمارس هنا وهناك بشكل علني ووضوح، مع كل محاولات الكذب أو الادعاء بأنها غير موجودة أو أنها عبارة عن ردات فعل لـماضي سياسي مارس ظلـماً من حكم أو حكومة على طوائف أخرى، علـماً بأن الظلـم التاريخي كان يمارس ضد قوى سياسية وأيديولوجية بالدرجة الأولى.

 إن الفتنة الطائفية الراهنة هي أكثر الأحلام الصهيونية، وأهدافها التي لـم تنجح في تحقيقها خلال مرحلة التحرر الوطني ونهوض الحالة السياسية (بكل أركانها: القومية، الـماركسية والدينية الـمعتدلة). فما يحدث في العراق يفوق كل أشكال التآمر التاريخي السابقة على العراق ذاته، وكذلك أخذت الفتنة بالانتقال التدريجي إلى مناطق أخرى مؤهلة ما لـم يتم حصارها بقوة الذات العربية دون غيرها...

 وما نتج عن الفتنة من أحداث دموية مدمرة أو أفعال تعكس ذلك الـمنطق الطائفي الذي يحلـم بدور قيادي إقليمي مسيطر بعيداً عن كل شعارات أخوة الدين التي تغيب بوضوح شديد في ظل الـمصالح \\\"القومية\\\" للبعض الطائفي...

 ولعل أحداث العراق، سورية ولبنان التي تسجل فيها انعكاسات الطائفية أبعاداً سياسية متباينة تحتاج من قمة القمم القادمة معالجة واضحة وجريئة وبعيدة عن الـمجاملات التقليدية لأن كينونة بلادنا لا تحتمل بعد لأن الفتنة الطائفية هي خطر وشر مدمر قد يفوق أخطاراً أخرى متلازمة معه.

 فاستمرار الاحتلال الإسرائيلي والدور الإسرائيلي الذي تقوم به في الـمنطقة بالتلازم مع الولايات الـمتحدة ومستفيداً من حالة الانحدار الراهنة لحالتنا العربية، يحتاج إعادة معالجة لأساليب الـمعالجة السابقة لهذا الصراع، خاصة وأن \\\"مبادرة السلام العربية\\\" أصبحت قيمة سياسية ذات أهمية استراتيجية هي الأنضج عربياً في إطار التحرك السياسي بعد انتصار أكتوبر التاريخي عام 1973 والذي قادته مصر العربية بتحالف سوري، فلسطيني وعربي لـم يحدث قبل ذلك التاريخ... وللأسف لـم يحث بعده، بل حدث ما هو رديء... من قسمة وتدهور في العلاقات أوصلتنا إلى الحضيض...

 استعادة \\\"روح أكتوبر ـ تشرين\\\" هو الذي ننتظر أن نراه سياسياً في قمة الرياض، وتقدير حقيقي لأشكال القوة ومصادرها التي نملكها وتأثيرها على الوضع الاستراتيجي الدولي والتي تفوق مقدرات دولاً أقل قدرة ولكنها أكثر أثراً وتأثيراً من نظمنا السياسية. لذلك فإن إعادة صياغة العلاقة السياسية الإقليمية والدولية ومنها الـموقف من إسرائيل وسياستها الاحتلالية، وهذا يتطلب وضع آلية تنفيذ للـمبادرة العربية، بحيث تصبح \\\"خريطة طريق عربية\\\" للـمرحلة الـمقبلة تقطع الطريق على أية محاولة أمريكية ـ إسرائيلية للالتفاف على قوة الدفع التي تشكلها الـمبادرة العربية، خاصة في الظروف الراهنة التي تعيشها الساحة الفلسطينية بعد اتفاق مكة من عودة الروح للوعي الفلسطيني وبداية استنهاض حالة الفعل السياسي الـمبادر منذ ما يزيد على السنوات الست...

 إن قوة الـمبادرة العربية ومرونتها هي أكثر أشكال الفعل الذي يحاصر إسرائيل، شريطة أن يتم تفعيل آلياتها سواء عبر \\\"مجموعة عمل\\\" عربية خاصة للـمبادرة أو أية أشكال ملائمة لذلك. فالضرورة الاستراتيجية للـمواجهة السياسية تتطلب ذلك، ولا يجوز أن تتقيد حركة الفعل العربية بموقف هنا أو بفعل هناك... فمصلحة شعوبنا وبلادنا يجب ألا ترهن بيد أقلية تعيش في إطار ضيق محدود ألحق بالأمة ومصالحها الكثير من الدمار دون وخزة ضمير.

 فذلك يتطلب إعادة تفعيل أشكال التعاون العربية والتنسيق التي ندعو لها دوماً، ولكنها تقتصر على محاولات رد فعل آنية، وإن كان التنسيق هو شرط نجاح فعل الـمرحلة الـمقبلة، فإن وجود دور قيادي ـ ريادي للنظام السياسي العربي بات أكثر من ضرورة، فالأمة تحتاج إلى تكامل قيادي جديد يضع حداً لحالات \\\"التطفل السياسي\\\" لصغار الأمة بعيداً عن حالات الترضية القبلية التي حكمت حالة نظامنا السياسي... فعندما يتفق كبار الأمة ويتكاملوا في إطار \\\"الدفاع الاستراتيجي\\\" في الـمرحلة الراهنة يمكن لنا أن نسجل بداية عصر النهضة الجديد.

 وبعيداً عن التاريخ؛ رغم أهميته، إلا أن كل عصورنا الـماضية التي نفتخر بها قادها \\\"فعل قوي ومؤثر\\\" وهذا ما نحتاجه اليوم... وهو ما يجب أن يكون وبأي ثمن حتى لو كانت له أبعاد تسلطية بشكل أو بآخر خيراً من إنهاء حالتنا العربية.

 إن ملامح الـمستقبل السياسي القادم بكل أبعاده وفي الأساس القيادة التاريخية التي نحتاج هي التي ننتظر، خاصة وأنها ستكون نقطة انعطاف تاريخية.

 

06 آذار 2007