نكـبة النكـبات
تاريخ النشر : 2014-05-12 23:26

 بقلـم : حسـن عصفور

مهما طال الزمن وبعدت الـمسافة عن 15 أيار 1948، فإن الفلسطيني سيعيش حلـماً أو واقعاً مع حارته، شارعه، حديقته، مزرعته، بيته، وبالتأكيد سيعيش وطناً افتقده منذ ذلك التاريخ (59 عـاماً)... لن ينسى الفلسطيني أينما كان الوطن... البلد، فذلك هو تاريخه وهو ما سيذكر دائماً أولاده به، وعشق فلسطين رغم بعدها السياسي ورؤيتها الدائمة في آن واحد هما جزء من محرك النضال الوطني، وجزء من آلية البقاء الأسطوري الذي تمتع به الفلسطيني بعد أن اعتقد الكثير أن ذهاب الوطن سيؤدي إلى غياب الشعب... وكان ما كان من وصاية وإنابة، ولـم يذب الفلسطيني لأنه يعشق فلسطين وهي تستحق... فالإلهام الوطني والروحي تجسد في جغرافية الوطن قبل تاريخه.

 ما حدث عام 1948 جاء محاولة لإلغاء الوجود الوطني الفلسطيني، فقاوم الشعب بكل تفرعاته وتوزيعاته الجغرافية ومختلف الجنسيات التي حملها... فلـم يذب مع الأمركة أو الأوربة أو الأردنة أو غيرها... الآلاف ذهبوا لأميركا اللاتينية... ربما ضاعت لغتهم الأم.. ولكن حب الوطن لـم يضع.. فالرمز الوطني تجده أينما ذهبت.

 لقد أسقطنا مفردة \\\"التيه السياسي\\\" من قاموسنا ولـم نختبرها كغيرنا... فاستمرت حالة \\\"الـمقاومة السياسية\\\" لإبقاء الوجود الوطني حياً بكل السبل... فكان ياسر عرفات رمز شعبنا الخالد، وعنواناً لحركة كفاح سياسي مميزة تداخل معها وفيها أحمد الشقيري الذي ترأس أول حالة كيانية سياسية للشعب الفلسطيني عام 1964 منظمة التحرير الفلسطينية...

 وقبل ضياع ما بقي من أرض فلسطين عام 1967 انطلقت \\\"الثورة الـمعاصرة\\\" عام 1965 والتي تمكنت؛ وخاصة بعد معركة \\\"الكرامة\\\" التاريخية، أن تعيد للشعب الفلسطيني وحدته السياسية التي كانت كل الـمؤامرات تستهدفها... فانتصرت الإرادة الوطنية في أولى معارك إعادة الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية والتي تصاعدت حركة كفاحها وثورتها، حتى قادها الرمز الخالد ياسر عرفات للنصر السياسي التاريخي عام 1994 بإقامة أول سلطة وطنية على الأرض الفلسطينية بكل القيود التي أحاطتها... فالحقيقة السياسية هي العودة لبناء \\\"دولة في الوطن\\\" بعد أن كانت الـمؤامرة هي إلغاء الوطن والشعب.

 إن القيمة التاريخية لقيام السلطة الوطنية تفوق حركة التقييم السريع لبعض القوى السياسية لاتفاق أوسلو... لقد آن الأوان فعلياً أن نعيد دراسة الأبعاد التاريخية لإقامة السلطة الوطنية، والتي باتت حقيقة سياسية قائمة، فلن يقبل شعبنا أن يعيش حالة \\\"التيه السياسي\\\" بعد أن أسقطها لأن أي حالة مستقبلية ستنطلق من الواقع السياسي القائم، وذلك كان \\\"الحدس السياسي التاريخي\\\" للرمز أبو عمار عندما أدرك أنه لا قيمة للانتصارات السياسية مهما عظمت إلا أن تتجسد واقعاً وكياناً فوق الأرض الفلسطينية، وهي التي ستشكل الحماية الوطنية للـمستقبل السياسي للشعب الفلسطيني... والقدرة التي امتلكها القائد الرمز ياسر عرفات بالتمييز بين \\\"أهمية الشعار\\\" وتجسيده وبين \\\"تقديس الشعار\\\"، ولذلك ذهب إلى وضع بداية بناء الكيان الجغرافي بعد أن واصل قيادة الكيان السياسي خلفاً للقائد الوطني الكبير أحمد الشقيري في لحظة تاريخية أمسك بها أبو عمار، وكانت الانطلاقة التاريخية الثانية للشعب الفلسطيني، مدركاً انه يتجه نحو إقامة دولته الـمستقلة فوق بعض من أرض وطنه التاريخية.

 إن الحكمة السياسية لقائد تاريخي كياسر عرفات هي التي صنعت منه قائداً مختلفاً عن قيادات التاريخ الوطني... فعندما جاءت لحظة \\\"مساومة تاريخية\\\" لـم يتركها تذهب لصالح حسابات \\\"إقليمية\\\" مهما تغلفت شعاراتها.. ولـم يقبل أو يرفض دون حساب سياسي وطني فلسطيني بعمق عربي وإنساني.. ولكنه كان دائم النظر للوطن الفلسطيني باعتبار أن النكبة الأولى كانت تستهدف الوطن الفلسطيني.. الأرض.. الكيان والشعب.

 في ذكرى النكبة يجب استلهام القيم السياسية التي تمنع نكبات جديدة، يجب أن ننظر للحالة الوطنية بعيداً عن \\\"قدسية الشعار\\\"... فلـم تبن الأوطان أو تتحرر إلا عندما أصبح الشعار السياسي جزءاً من الحراك السياسي...

 فلنفكر في الـمستقبل الوطني لشعبنا قبل أن نعيد أخطاء البعض منا حتى وإن كان بغير قصد... فالطريق إلى جهنم معبدة بأصحاب \\\"النوايا الطيبة\\\"!! فلـم تقام الدول أو تتحرر الشعوب بالدعوات!! بل بقيادة تاريخية تحسن الـمقاومة والـمساومة التاريخية... تلك هي فرصة قطع الطريق على حدوث \\\"نكبة النكبات\\\".

 

 15 أيار 2007