المخيمات الفلسطينية وأمن السلطة
تاريخ النشر : 2014-05-08 12:32

المشاهد نفسها في مخيمات الضفة الغربية: أزقة ضيقة، بيوت متواضعة مكتظة، كتب عليها شعارات العودة، ورسمت على جدرانها خريطة فلسطين. أطفال بلا ملاعب أو حدائق، والشوارع هي الملهى، فقر مدقع، وتذمر عمره عقود. وما زال المخيم جوهر القضية الفلسطينية، قضية اللاجئين عند كل الشعب الفلسطيني. قيادات اللجان الشعبية في مخيمات الضفة هي من تعمل على تسيير أوضاع هذه المخيمات، على الرغم من وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي حلقة الوصل بين أهالي المخيمات والسلطة وأجهزتها الأمنية.

تعاني المخيمات الـ 19 في الضفة، (يقطنها حسب إحصاءات رسمية 514,176 لاجئاً)، من فقر وبطالة عالية، مقارنة بمدن وقرى وبلدات الضفة الغربية، تصل إلى 35%، وهي مستثناة من أي ميزانية للحكومات الفلسطينية، ويواجه أبناؤها صعوبات في التوظيف في مؤسسات السلطة والأجهزة الأمنية. وتترك السلطة، بارتياح، مهام إدارة خدمات المخيمات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ويتصف تعامل هذه السلطة مع المخيمات بإهمال شديد واستهداف يصل، أحياناً، إلى العقاب المباشر، وكان المخيم الجسم الذي وحد ساكنيه. وبما أن الحالة نفسها تتشابه في كل مخيمات الضفة، فقد خلق ذلك نوعاً من التضامن، جعل من جميع المخيمات كتلة واحدة، على الرغم من تباعدها الجغرافي، وجعل أجهزة الأمن الفلسطينية تشعر أن هذه الحالة التضامنية تشكل تهديداً كامناً قد يقوض سطوتها.

تزايدت حدة التوتر بين مخيمات الضفة الغربية وهذه الأجهزة، وبدت المخيمات عنواناً للفوضى، وعلى الرغم من أن غالبية نشطاء المخيمات المعتقلين لدى الأجهزة هم من أبناء حركة فتح، إلا أنها وجدت من المريح إطلاق لقب المتجنحين عليهم، نسبة إلى أنصار المفصول من الحركة، محمد دحلان، لتكون مبرراً لمعاقبتهم. وتتذرع أجهزة أمن السلطة بوجود السلاح في المخيمات، والتي تعدها عنواناً للفلتان الأمني، والخروج عن القانون، وملجأ المطلوبين للعدالة، فكانت المخيمات مسرحاً للاقتحامات واعتقال عشرات من نشطاء حركة فتح، في مشهد يكاد يتكرر روتينياً.

ولكن، الحقيقة على الأرض، كما تراها قيادات المخيمات في الضفة الغربية، مغايرة لما تحاول أجهزة الأمن الفلسطينية ترويجه، فهم وطنيون منتمون للقضية وللشعب، ولا يريح وجودهم، وحدة واحدة صلبة، أجهزة الأمن. وترى هذه القيادات أن تمسكها الراسخ بحق العودة يقلص من هامش السلطة في المناورة، في مفاوضاتها مع إسرائيل، حيث ترفض العبارات الفضفاضة بشأن حق عودة اللاجئين وتعويضهم.

ويسمح قياديو المخيمات بوجود السلاح، على أَلا يرفع إلا في وجه الاحتلال، ويؤكدون تخوين كل من يرفعه في وجه أي عنصر أمن فلسطيني، ويرون أن أجهزة الأمن في حالات كثيرة اقتحمت المخيمات، لاعتقال مطلوبين لها، مع أن الحقيقة، كما تراها قيادات المخيم، أن هؤلاء، أساساً مطلوبون لإسرائيل، وأن التنسيق الأمني نقل مهمة القبض عليهم إلى الأجهزة الفلسطينية.

ويؤكد قادة العمل الوطني في المخيمات على شرعية الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأن لا شرعية لغيره، ويرفضون اتهامهم بمحاولات الانقلاب على السلطة، لكنهم يعتقدون أن بعض قياداتٍ للأجهزة الأمنية تعمل وفق أجندتها ومصالحها، وتحاول تضخيم الصورة، والمبالغة في تقاريرها عن المخيمات، أمام الرئيس عباس، من أجل خدمة مصالحها الضيقة. ففي مخيم بلاطة، عقد الأسبوع الماضي، نشطاء حركة فتح مؤتمراً صحفياً، بعد حادثة تبادل إطلاق النار في المخيم بين نشطاء فيه وعناصر من أمن السلطة، انتقدوا فيه عمل أجهزة الأمن، وتنسيقها مع الاحتلال الإسرائيلي، وهددوها في حال اقتحامها المخيم، إلا أنهم أكدوا وقوفهم خلف الشرعية الفلسطينية والرئيس عباس.

وينفي نشطاء المخيمات أنهم أتباع لدحلان، أو لغيره، فهم أتباع المخيم والقضية. ويعتبرون أن الأجهزة الأمنية تستخدم هذه التهمة شماعةً، لإظهار أن المخيم في حالة تمرد. ويرددون أن دحلان رجل محظوظ، لإلصاق كل ما يتم إنجازه من نشاطات في المخيمات لصالحه، ما يظهره أكبر من جحمه.

وترى قيادة المخيمات أن وحدتها الصلبة أوجدت حالة خاصة في المشهد الفلسطيني، تمكنها من فرض أي رأي، وهذا يخيف السلطة وأجهزتها، وتحديداً في القضايا المصيرية، كقضية اللاجئين. وترى أن تناقضها مع السلطة سيستمر، لكنه لن يصل إلى حد الصدام، وما حدث في مخيم بلاطة، الأسبوع الماضي، استثناء لن يتكرر.

وتعلن هذه القيادات أن هدفها الاحتلال وحده، مبدأً متفقة عليه، مهما وصل إليه التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، ومهما وصل الظلم الواقع عليها من السلطة وأجهزتها الأمنية. وترى أنها لطالما دفعت الثمن الأكبر في الشعب الفلسطيني، فأبناء المخيمات هجروا من مدنهم وقراهم، وقبلوا وضع المخيم عقوداً، وقدموا مئات الشهداء والأسرى والجرحى، ما زادهم تمسكا بقضيتهم وبحقهم، حق العودة..