الدولة رقم «193» أو .. لماذا «يفككون» الدول!
تاريخ النشر : 2014-05-06 11:18

ليست المقصودة بالعنوان, دولة فلسطين، فهذه كانت ستحمل الرقم «194» لولا «الفيتو» الاميركي الذي أرعب اهل السلطة كما عرب اليوم، فأعادوا «التموضع» وقبلوا ان تكون الدولة العتيدة كالفاتيكان بمثابة عضو مراقب، ولكن في مرتبة الدولة، أي منزلة بين «رتبتين» دبلوماسيتين, أقل بكثير من دولة كاملة العضوية والتصويت، وأعلى درجة من مرتبة عضو كالحال، التي استمرت عليها «فلسطين» (بلا تعريف على اليافطة كما تعلمون) منذ عقدين ونيف..
المقصودة اذاً، هي الدولة التي تم استيلادها قبل نحو من عامين عبر استفتاء شعبي اقتصر على اهل الجنوب (وفقاً لاتفاقية نيفاشا وجداولها الزمنية)، وحملت اسم «جنوب السودان» وتم الاعتراف بها غربيا – كما حال حكومة البشير – في سرعة لافتة، بدت وكأنها طي لصفحة طويلة ودموية من الصراعات والحروب الأهلية والتدخلات الاقليمية والدولية، وخصوصاً تلك التي تحدثت عن «مسيحية» أهل الجنوب وعدم «الانسجام» مع شعب الشمال «المُسلم» اضافة بالطبع الى حملات التضليل الاعلامي والضغوط التي تُمارسها منظمات حقوق الانسان ذات الخطاب التبشيري على وجه الخصوص, وما رافقها من جهود حثيثة ومكثفة لادانة جرائم حكومة البشير على نحو بات الخلاص يكمن في تقسيم البلاد، وانفصال الجنوب، الذي راح يُوصف بأنه غني بالثروة النفطية و»التجانس» العِرقي والثقافي ووحدة الاحلام والآمال في الاستقلال وتقرير المصير الذي حالت حكومات الشمال المتعاقبة دون حدوثه بل جهزت الجيوش وجردت الحملات العسكرية لإخضاع اهل الجنوب, تارة بالسلاح وطوراً بكسر شوكتهم واذلالهم من خلال تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية على مجتمع وثني ومسيحي, كما فعلت حكومة الرئيس المؤمن جعفر النميري ولاحقاً حكومة الانقاذ, التي ظن مُرشدها الروحي (حسن الترابي) ان عصا الماريشالية التي يحملها شريكه في انقلاب 30 حزيران 89, قادرة على «تكسير» رؤوس الجنوبيين وضمان صمتهم وربما باكتساب المزيد من «الحسنات» الربانية, اذا ما قُيّض لهؤلاء أن يُشهروا إسلامهم على يديه الكريمتين.
سقطت الاوهام سريعاً, وتبين أن ما جمع «نخبة الجنوب» وقادة التمرد ورهط التيارات المتحالفة مع عواصم اقليمية, ليس سوى العداء لنظام الشمال وخصوصاً نظام البشير, أما عدا ذلك فالهوّات بينهم واسعة يصعب التجسير عليه, ناهيك عن تعمق الشكوك وانعدام الثقة بينهم محمولة على فساد ونزعة ثأرية واقصائية وهوس بالسلطة تعمقها الروابط العشائرية والقبائلية والعرقية, على نحو لم يعد امامهم - وقد انهارت محاولات التسوية واقتسام الغنيمة واللجوء الى صناديق الاقتراع - سوى رفع السلاح لحسم الخلافات بالقوة, وكانت «المجازر» والتطهير العرقي «طقساً» من طقوس النِزال والمواجهات بين سيلفاكير ميارديت الابن «البار» لقبيلة الدينغا, جنرال الجيش الشعبي والقائد العسكري في الحركة الشعبية لتحرير السودان, التي أسسها الراحل جون قرنق قبل ان يلقى مصرعه في حادث تحطم مروحية رئاسية أوغندية, ما تزال ملابساتها, رغم مرور ثماني سنوات تقريباً .. غامضة. وكان في الخندق المقابل الزعيم من قبيلة «النوير» رياك مشار, وما تزال الدماء تُسفك وسقوط المدن ثم استردادها قبل إعادة تحريرها متواصل وبهمة عالية, تتداخل فيها عوامل عديدة, ليس اقلها اطلاق شائعات عن وجود كتائب من الجيش «المصري» تحارب الى جانب قوات سلفاكير, زعم المتحدث باسم الجيش الابيض (قوات مشار) انه أسر 14 ضابطاً وجندياً مصرياً, وهو أمر لم يثبت بعد وربما لا صحة للشائعة اساساً، لأن مصر اكثر حذراً ان لم نقل اذكى، من ان تقع في صراع كهذا يستنزفها ويمنح رياحاً جديدة لأشرعة اعداء وخصوم موجة 30 حزيران / يونيه الثورية التي اطاحت حكم الاخوان، ناهيك عن انعدام أي مصلحة لها في التحالف مع سيلفا كير ميادريت، الذي يبدو انه سيدفع ثمن عناده وتهوره وغروره، رغم ان خصمه لا يقل سوءاً ودموية وجشعاً الى السلطة... عنه.
اللافت، ان الدولة رقم «193» باتت الآن مرشحة لأن تكون ساحة جديدة لحروب الطائرات بلا طيار, كأداة في يد القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة بزعم محاربة «الارهاب» على النحو الذي نشاهده في اليمن وباكستان وافغانستان، ما يعني ان الهدف من تفكيك السودان، ليس منح شعب الجنوب حق تقرير المصير, بقدر ما هو تفتيت وإضعاف لِما كان يسمى «الوطن العربي» واعتباره (التفكيك والتفتيت) نموذجاً لحل الصراعات ذات الأبعاد العرقية والثقافية والاثنية، كما هو مرشح لها العراق وليبيا, وكما كان قد خُطّط لسوريا وما روّج له مجرم الحرب سمير جعجع في لبنان، منذ ان قاد الحرب الاهلية وتحالف مع اسرائيل ضد الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وها هو يستعيد «إرثه» في محاربة المقاومة التي حررت الجنوب عام 2000 واذلت اسرائيل وجيشها في العام 2006.
عن الرأي الاردنية