المفاوضات تلهي عن البدائل الأخرى
تاريخ النشر : 2014-05-02 11:52

المفاوضات هذه المرة، لم تكن لتختلف في نتيجتها عن سابقاتها خلال ربع قرن، وأن الفلسطينيين، خرجوا منها خاليي الوِفاض، كالعادة . وكانت كل الدلائل تشير إلى أن رئيس الوزراء \\\"الإسرائيلي\\\"، بنيامين نتنياهو، لا ينوي أن يعرض على الفلسطينيين اتفاقاً يعطيهم دولة قابلة للحياة .

إن أيّ اتفاق سلام، لا بُدّ له من توافر شرطين أساسيين، كي ينجح . الأول، أنه يجب على \\\"الإسرائيليين\\\" والفلسطينيين أن يوافقوا عليه في استفتاءين منفصلين . والثاني، أن اتفاق السلام، يجب أن يجلب السلام فعلاً، فإذا لم يشعر \\\"الإسرائيليون\\\" بأنهم أكثر أمناً، والفلسطينيون بأنهم أكثرحرّية ورخاءً، فلا بد لجولاتٍ أخرى من العنف أن تندلع .

وهنا تكمن المشكلة: فنتنياهو يريد من الفلسطينيين أن يوقعوا صفقة مفروضة من جانب واحد، وحتى لو حققت الشرط الأول، فلن تحقق الثاني بالتأكيد .

وعلى الرغم من أنه يتحدث الآن عن السلام وعن دولة فلسطينية، فإن فهمه لتلك الكلمات مختلف تماماً عن معانيها المألوفة . ولذلك، فإن أي اتفاق ينبثق عن هذه المحادثات، لن يخفق في جلب العدالة للفلسطينيين وحسب- بل سيفشل أيضاً في جلب سلام دائم .

وقد عبّر نتنياهو عن موقفه المرة تلو المرة . فمن المعروف عالمياً- أن الدولة الفلسطينية، في حاجة إلى شرطين جوهريين، هما أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وأن تقوم حدودها على أساس خط 1967 (مع تعديلات طفيفة متفق عليها) . ولكن \\\"دولة نتنياهو الفلسطينية\\\" لا تتضمن أيّاً من هذين . وقد قال ذلك في مناسبات عدة . . واستمر في قوله، والمفاوضات جارية برعاية كيري .

وليس مدهشاً أن والد نتنياهو، وراعيه السياسي، بنزيون نتنياهو، قال عن \\\"تبنّي\\\" ولده لفكرة الدولة الفلسطينية: \\\"إنه لا يؤيدها . بل يؤيد ذلك النوع من الشروط، التي \\\"لن يقبلوها أبداً\\\"- يقصد الفلسطينيين .

ولا يُتوقع لنتنياهو أن يعدل عن قناعاته . . فكل القوى المؤثرة فيه- حزبه، الليكود، وحكومته الائتلافية ولوبي المستوطنين (أكبر قوة سياسية في \\\"إسرائيل\\\")- يهتفون به أن يبتعد عن التسوية . والتسريبات التي تظهر عن المفاوضات الحالية، تقدّم أدلة على أنه يفعل ذلك بالتحديد، عارضاً على الفلسطينيين حدوداً تسير مع \\\"جدار الفصل\\\" وعاصمة في ضاحية صغيرة تبعد أميالاً عن القدس .

نتنياهو سيترك للفلسطينيين نحو 90% من الضفة الغربية . وليست المسألة هنا مسألة أرقام وحسب . .

فإذا سارت حدود الدولة الفلسطينية الجديدة مع جدار الفصل، فسوف تواجه ثلاث نتائج مدمرة: الأولى، أنها ستفقد موارد مائية أساسية وقدْراً كبيراً من أفضل الأراضي الزراعية في الضفة الغربية . والثانية، أن مراكزها السكانية الرئيسية ستكون منفصلة عن بعضها بعضاً .

والثالثة، وهي الأهم، أن القدس- محور الحياة الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية - ستكون مبتورة عن تلك الدولة .

وحتى لو عثرت \\\"إسرائيل\\\" على طريقة لِلي ذراع الفلسطينيين بقوة، وإرغامهم على قبول هذه التدابير، فإن الدولة الناتجة ستكون مشوّهة على صعيد الأراضي، ومولودة ميتة من الناحية الاقتصادية .

أما الطرف الثالث في المفاوضات، وهو الولايات المتحدة . ويتساءل: أليس بوسع جون كيري أن يستخدم نفوذ دولته العظمى، لتعديل الميزان باتجاه اتفاق مُنصف، فيضغط على \\\"إسرائيل\\\" لكي تعرض على الفلسطينيين صفقة يمكن أن يقبلوها؟

إن الولايات المتحدة قادرة على ذلك من الناحية النظرية، ولكن التسريبات عن المحادثات توحي بأن كيري يدعم \\\"إسرائيل\\\"، بدلاً من أن يتصدّى لموقفها الرافض لأي تنازل . وهذا ما يخرج به المرء من التحليل الواقعي للقوى المؤثرة في أوباما . فالحزب الديمقراطي، والكونغرس، ومؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، ومعظم الإعلام الأمريكي، كل أولئك يؤيدون الدولة اليهودية ويدعمونها إلى هذا الحدّ أو ذاك . إضافة إلى منظمة \\\"إيباك\\\"، وبقية اللوبي \\\"الإسرائيلي\\\" . وفي المقابل، لا يكاد المرء يسمع صوتاً مؤيداً للفلسطينيين في المكتب البيضاوي . كل هذه الحقائق، تساعد على توضيح عيب أساسي في عملية السلام . فالصراع \\\"الإسرائيلي\\\"- الفلسطيني، ليس بعضاً من سوء التفاهم الذي يمكن حله بمجرد حث الطرفين على الجلوس معاً والتحدث كما يفعل الكبار العاقلون . ولا هو لقاء نِديْن كلاهما راغب في تبادل التنازلات إلى أن يتم التوصل الى تسوية . إن ضرر الاستمرار في عملية السلام العبثية، لا يقتصر على إضاعة الوقت، فكل يوم يمُرّ يأخذ معه جزءاً من احتمالات قيام دولة فلسطينية . ومما يدخل في هذا الباب، أن الزعماء الفلسطينيين، بتركيزهم الحصري على المفاوضات العقيمة، أهملوا، بل أخمدوا أشكال المقاومة الأخرى- ومن ضمنها المقاومة الجماهيرية الخالية من العنف، التي يمكن أن توفر أفضل فرصة لإنهاء الاحتلال.

وعلاوة على ذلك، فإن دخول الفلسطينين في محادثات سلام، يتيح ل\\\"إسرائيل\\\" إسكات الانتقاد العالمي لها، لأنها تستطيع أن تزعم أنها تحاول العثور على حل للنزاع .

وأخيراً، فإن الفلسطينيين، بموافقتهم على تأجيل محاولات جلب \\\"إسرائيل\\\" للعدالة من خلال منظمات الأمم المتحدة، واستمرارهم في المحادثات، قد تخلوا عن أفضل أساليب التصدّي لاستيلاء \\\"إسرائيل\\\" التدريجي على الضفة الغربية . ولذا فإن على محمود عباس وفريقه، أن ينسحبوا من هذه المسرحية الهزلية، ويبحثوا عن سبل جديدة لتجديد شباب الحركة الوطنية .

عن الخليج الاماراتية